أخبار العالم

جامعيون يلامسون حصيلة دول المنطقة المغاربية في مجال حقوق الإنسان



في خضم التحولات الدولية والإقليمية، سلّط باحثون جامعيون الضوء على واقع حقوق الإنسان في البلدان المغاربية خلال السنوات العشر الأخيرة، وذلك في مؤلف جماعي بعنوان “حقوق الإنسان بالمنطقة المغاربية في خضم السياق الجيو-استراتيجي الراهن”، ضمّ مقالات عدد من الجامعيين المغاربيين.

في تقديم للمؤلف الصادر من طرف مركز تكامل للأبحاث والدراسات، ومختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات بجامعة القاضي عياض بمراكش، يشير الأستاذ الجامعي عبد الرحيم العلام إلى أن “سياق بناء الدولة الحديثة بعد التحرر من الاستعمار في المنطقة المغاربية تميز بحمْل النخب المغاربية بكل أطيافها الاهتمام بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، لكن سرعان ما سجّل هذا السياق تراجعات وإخفاقات كبيرة غيّرت مسار بناء دولة الحقوق والمؤسسات”.

وتجسّد هذا التراجع، مغربيا، يردف العلام، في ما عُرفت بـ”سنوات الجمر والرصاص”، وفي الجزائر بـ”العشرية السوداء”، وفي ليبيا بـ”نظام عسكري ألغى الفرد وناقض الحرية”، والأمر نفسه بالنسبة للدول المغاربية الأخرى بصيغ مختلفة.

ورغم ذلك، لفت المتحدث ذاته إلى أنه “أمام الضغوطات الداخلية، والتحولات الدولية، عرفت الحقوق والحريات في الدول المغاربية بعض الانفراج، تم التعبير عنه من خلال التعديلات الدستورية، وبعض المبادرات الرسمية، من قبيل تجربة ‘الإنصاف والمصالحة’ في المغرب، ومبادرة ‘الوئام الوطني’ في الجزائر”.

وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أنه “رغم كل الإصلاحات والمكتسبات التي حققتها بعض الدول المغاربية قبل سنة 2011، كتجربة العدالة الانتقالية في المغرب، وما حققته التجربة التونسية عبر ‘ثورة الياسمين’ من نتائج، إلا أنه وبعد مرور عشر سنوات على ما عُرف بـ’الربيع الديمقراطي’ أصبحت النخب والنقاشات العمومية والأكاديمية بالدول المغاربية تسجل تراجعا على مستوى الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وبناء مؤسسات دولة الحق والقانون في هذه البلدان”.

وتوقف حميد بلغيت، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي – الرباط، عند المتغيرات التفسيرية لعلاقة الانتقال الديمقراطي بالعدالة الانتقالية في تجارب الدول المغاربية، خاصة في المغرب وتونس، باعتبارهما من أهم التجارب المغاربية التي حظيت بالكثير من الاهتمام السياسي والأكاديمي، لافتا إلى أن “غياب أو ضعف التوافقات السياسية قبل الانتقال أثر على مسار العدالة الانتقالية في التجربتين المغربية والتونسية”.

وأوضح بلغيت أن “التجربة المغربية كانت ذات طابع فوقي، ركزت على الضحية وأعفت الجلاد من المساءلة، قانونية كانت أو أخلاقية؛ في حين أن التجربة التونسية أفضت إلى نوع من الحدّية في المواقف، ما أرهق عملية التحول الديمقراطي، وكانت بالنتيجة العدالة الانتقالية عبئا على مسار الانتقال الديمقراطي بتونس”.

وتطرق محمد بالراشد، أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة جندوبة – تونس، إلى المقاربة التونسية لحقوق الإنسان وأثرها على الانتقال الديمقراطي، ليخلص إلى أن “تعاطي النخب السياسية في تونس مع حقوق الإنسان، خلال فترة الانتقال الديمقراطي، طغت عليه نظرة اختزالية أعطت الحظوة للحقوق السياسية على حساب الحقوق الأخرى، وخاصة منها الاقتصادية والاجتماعية”.

واعتبر بالرّاشد أن “جائحة كورونا ساهمت في مزيد من تهميش الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، الأمر الذي جعل مسار الانتقال الديمقراطي في البلد يعرف تعثرا يعود في جزء منه إلى طبيعة المقاربة في إعمال حقوق الإنسان، التي نظر إليها بمنظار نخب سياسية بحثت في المرحلة الانتقالية عن تعويض ما حُرمت منه طيلة عقود من عمل سياسي”.

واعتبر محمد الخلوفي، أستاذ باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية قلعة السراغنة – جامعة القاضي عياض، أن “أكبر تهديد يحدق بموضوع حقوق الإنسان هو إخراجه من مجاله الحقوقي الإنساني المحْض، وإقحامه في متاهات السياسة، إذ أصبحت المسألة الحقوقية ورقة ضغط تلوح بها الدول الكبرى من أجل نيل بعض التنازلات، عوض الحث على احترام الحقوق”.

وأبرز الخلوفي، الذي تطرق في ورقته البحثية إلى “مسألة حقوق الإنسان في الدول المغاربية بين الضغط الخارجي والمتغيرات الداخلية”، أن “تقديم المصلحة القومية للدول، مع التقلبات الجيوسياسية المتسارعة التي يعرفها العالم، هو ما جعل موضوع حقوق الإنسان أمرا ثانويا وغير ذي قيمة، إذ أصبحنا نجد تواطؤا واضحا بين دول تدّعي حماية حقوق الإنسان، وأخرى كانت متّهمة بانتهاكها إلى وقت قريب، خصوصا بعض الدول المغاربية”.

وتطرق الشريف تيشيت، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض – مراكش، إلى مسألة الحقوق الثقافية بالدول المغاربية، مبرزا أن “هناك تفاوتا بين هذه الدول على مستوى ترسيم الحقوق الثقافية والنهوض بها عموما، وترقية الحقوق اللغوية خصوصا”.

وأوضح تيشيت أنه “في وقت يظهر الاهتمام القانوني والسياسي بالمغرب بهذه الحقوق والعزم على حمايتها وضمان ممارستها، والأمر نفسه بالجزائر، وإن بشكل أقل، بحكم خصوصية الثقافة واللغة الأمازيغية بهاذين البلدين، فإن نجاح سياسات الدول المغاربية عموما في مجال إدماج الحقوق الثقافية واللغوية في مختلف مناحي الحياة العامة المغاربية يحتاج إلى الإرادة السياسية الصادقة التي تقطع مع التوجس من خصوصيات الجماعات الثقافية المكوّنة لها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى