أخبار العالم

عوامل نفسية وتأثير الآخر .. خبراء يفسرون الاستهلاك المغربي في رمضان



يُلاحظ بشكل جلي خلال كل رمضان، والأيام القليلة التي تسبقه، تحوّل يوصف بـ”الكبير” في السلوك الاستهلاكي للمغاربة، إذ تشهد الأسواق والمتاجر الكبرى والمحلات التجارية حركية غير عادية، “تفطن” أصحابها-بدورهم-لهذا التحوّل فباتوا يتنافسون على استغلاله بشتى الطرق.

ويواجه هذا السلوك بانتقادات واسعة، لاسيما من طرف الفقهاء والمحدّثين الذين يشدّدون على أن تضاعف حجم الاستهلاك خلال شهر رمضان لا يُفسّر إلا “تبذيراً”، على اعتبار أن رمضان لا يختلف عن باقي أشهر السنة، فيما يذهب آخرون إلى اعتبار أن هذا السلوك يلقي بالعبء على الفقراء الذين لا يستطيعون مسايرته.

ولهذا السلوك في علم الاجتماع تفسيرات عدة، فهو “صيغة طقوسية ثقافية وغذائية ترتبط بشهر رمضان”، وفق سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي اعتبر أن في ذلك “جانبين مغايرين؛ جانب طبيعي يحيل على رغبة وتمثلات الفرد في إشباع جوعه وانتظاراته الحيوية بعد فترة من الإمساك عن الطعام، وجانب اجتماعي واقتصادي يتيح فرصَ وأزمنةَ تسوقٍ، لاسيما إذا استحضرنا خاصية التوقيت الرمضاني ووفرة البضائع على اختلاف أنواعها داخل السوق المغربية”.

وأبرز بنيس، ضمن تصريح لهسبريس، أن العادات والسلوك الغذائي المرتبط بشهر رمضان “على بساطتهما الظاهرية، يحيلان على ملامح أنثروبولوجية للمغربي يمكن توصيفها من خلال طبيعة تمثلاته القيمية التي تتأرجح بين ثنائية الفردية (Agency) والبنية (Structure)، حيث إن الفردية تمكن الفرد من التحكم في جسمه ووجوده والتقرير في فعله وسلوكه وفي اختياراته بمفرده، بينما يحيل مفهوم البنية على العوامل المؤثرة وعناصر الشحن (الجماعة، الطبقة الاجتماعية، الدين، النوع، الإثنية، المهارات، التقاليد…) التي تحدد وتقنن وجود وقرارات الفرد”.

وخلص الباحث إلى أن السبب الرئيس في الاستهلاك بوتيرة زائدة خلال شهر رمضان، هو “هيمنة البنية على الفردية”، مفسّراً أن “الفرد الواحد لا يمتلك القدرة على الدفاع عن اختياره وعن رغبته في استهلاك عادي كاستمرارية لنوعية الاستهلاك طيلة السنة وعدم الرضوخ لسلطة الجماعة التي تبتدئ من عائلته الصغيرة التي تميل إلى الاستهلاك المفرط بالمفهوم المغربي [التهلية] و[التبراع] و[التفياك]”.

“بنية سعيد بنّيس” وصفها إدريس الصنهاجي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، بـ”تأثير الآخر”، أي إن الفرد يجد نفسه “مدفوعا للاستهلاك فقط ليُشبه الآخرين، وإن لم يكن في حاجة إلى أي منتوج”، مشيراً إلى أن “هناك ثقافة مغربية جديدة تخلق في كل رمضان”.

وقال الصنهاجي، في حديث لهسبريس، إن “الفرد ما لم يسائل باستمرار ممارساته، فهو يندفع بشكل دائم نحو القيام بما يقوم به الآخرون، في محاولة ليبدو إنساناً عادياً وسليماً ومتوازناً والتمكّن من قبول الآخر له وتقديره لممارساته”، مبرزاً أن ذلك يُضاف إلى “خضوعه للحاجة النفسية والبيولوجية التي يُساهم فيها الشعور بالجوع في اقتناء أكثر مما يحتاجه، ما يسقطه في فخ الرأسمالية التي تحفّزه بجميع الوسائل الممكنة-بما فيها الديماغوجية-على المزيد من الاستهلاك”.

وذكّر الأستاذ الجامعي ذاته بأن “الاقتناع بأن الاستهلاك يزيد في رمضان، هو ما ساهم في ظهور ثقافة [قفة رمضان] التي وإن كانت تبرز جوانب التضامن والتآزر لدى المغاربة، إلا أنها تعكس من جانب آخر ثقافة الاستهلاك السلبية”، خالصاً إلى أنه “من المعروف في السوسيولوجيا أن المجتمع هو الذي يصنع الثقافة، حيث يميل الفرد أينما مالت الجماعة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى