حرب غزة: ما هو “محور المقاومة” وما علاقته بنفوذ إيران في الشرق الأوسط؟
- Author, ليلى بشار الكلوب
- Role, بي بي سي نيوز عربي
يستمر الحديث عن إيران وحلفائها ودورها في المنطقة مع استمرار حرب غزة، فهي وحلفاؤها في صدارة المشهد السياسي والعسكري، ومع استمرار التصعيد في المنطقة، يبرز محور “المقاومة” أو “الممانعة” الذي تقوده، فما هو هذا المحور؟ وما الجهات الفاعلة فيه؟ وما دوره اليوم، وما علاقته بنفوذ إيران في الشرق الأوسط؟
ما هو محور المقاومة، كيف نشأ وكيف تطور؟
يعرف محور المقاومة بأنّه تحالفٌ من الجماعات المعارضة لإسرائيل والنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، تقود إيران هذا المحور، ويضم حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة، وميليشيات في العراق، وجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن.
ومن وجهة نظرٍ إيرانية يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الأديان والمذاهب في إيران، الدكتور عباس خا مه يار، إنّ إيران ترى شعوب محور المقاومة بأنّها الشعوب التي ” تقاوم الهيمنة الأجنبية والاستعمار والاحتلال، والتي تريد أن تكون مستقلةً في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية”.
أما الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط، المتخصص في الشؤون الإيرانية، سلام المنسي، فيقول إنّ المحور “يضم الميليشات الشيعية المسلحة التي تشارك في النزاعات الأهلية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ويتحالف أيضًا مع النظام السوري، ويمتلك نفوذاً على القرار السياسي في هذه الدول” كما يتعاون مع حركتيّ حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، ويستمد اسمه ومشروعيته من دعمهما.
وقد بدأ استخدم مصطلح “محور المقاومة” من قبل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وعدد من قادة الحزب، إلى جانب مسؤولين إيرانيين ووسائل إعلام مؤيدة لهذا المحور، وقد تبلور المحور من دون وجود اتفاق هيكلي أو اتحاد شكلي أو بنية تنظيمية مؤسَّساتية بحسب قناة الميادين الموالية لحزب الله اللبناني، وتشكل كفكرة متأثراً بتزايد الخلافات العربية، واتجاه بعض الدول لاتفاقيات السلام مع إسرائيل -أبرزها مصر عام 1979- ونجاح الثورة الإسلامية في إيران، وسط التفوّق العسكري لإسرائيل ودعم أمريكا لها.
يرى المنسي أنّ النظام الديني في إيران حاول أن يُصدِّر ثورته إلى المنطقة العربية تحديداً، والعالم الإسلاميّ عامةً، إلاّ أنّ المحطة الرئيسية في نشأة هذا المحور كانت تأسيس حزب الله اللبناني عام 1982، وقد تشكل الحزب أثناء زيارة لمجموعات لبنانية لطهران ولقائهم المرشد الأعلى أثناء اجتياح إسرائيل لبيروت، وهي اللحظة التي اعتبرها عباس خا مه يار “النواة الأولى لمحور المقاومة”.
أبرز محطات المحور منذ ذلك الحين كانت دوره في انسحاب إسرائيل من الشريط الحدودي اللبناني عام 2000، ثم مشاركته في حرب يوليو/تموز عام 2006، ثم تمكنه من توسيع دائرته بعد الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 والحرب السورية عام 2011.
ويؤكد المنسي أنّ إيران بدأت منذ مطلع التسعينيات في دعم الحركات الفلسطينية الرافضة لاتفاقية أوسلو وهكذا تشكل المحور بشكلٍ تدريجيّ، ثم استطاعت بعد سقوط النظام العراقي عام 2003 أن ” تُنشئ وتنشر الميليشات الشيعية التابعة لها في العراق والتي تحمل الأيديولوجية الخمينية المعروفة بولاية الفقيه، وهي أيديولوجية النظام الإيراني”، ومع بدء الربيع العربي، كانت إيران متحالفةً مع النظام السوري، واستطاعت بعد عام 2011 الدخول إلى سوريا بإنشاء ميليشات تحمل ذات الأيديولوجية، وفي اليمن استطاعت جماعة أنصار الله الحوثية التي استثمرت فيها إيران لفترة طويلة قبل ذلك، أن توسع نفوذها حتى سيطرت عام 2014 على العاصمة صنعاء.
ما دور المحور اليوم، وما علاقته بنفوذ إيران في الشرق الأوسط؟
حركة حماس والجهاد الإسلامي في غزة
شنت حركة حماس هجوماً على إسرائيل واحتجزت حماس والجهاد الإسلامي في البداية نحو 242 رهينة، فيما قدرت إسرائيل عدد القتلى بـ 1200 قتيل، وردّت إسرائيل على الهجوم ببدء حرب واسعة النطاق على غزة تجاوز عدد ضحاياها من الفلسطينيين حتى الآن 30 ألفًا بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إلاّ أنّ حماس كانت جاهزة لإطلاق مئات الصواريخ والقذائف، واستخدام طائرات بدون طيار لإسقاط القنابل، وعدداً لا حصر له من الأسلحة الصغيرة والذخائر.
تدعم إيران دول وجهات محور المقاومة علناً، ومنذ نشأة حماس لعبت دوراً مهماً في دعمها، واليوم، تقول الولايات المتحدة، إنّه وعلى الرغم من عدم وجود دليلٍ على تورط إيران بشكلٍ مباشر في هجوم حماس على إسرائيل، إلاّ أنّها تعتقد أنّ إيران لعبت دوراً من خلال تمويل الجناح العسكري للحركة خلال السنوات الماضية.
ومنذ بدء الحرب في غزة، أعلنت إيران مقتل عدد من ضباطها وقادة من الحرس الثوري في “غارات جوية إسرائيلية” على مواقع في سوريا، ونادراً ما تعلق إسرائيل على الضربات الفردية التي تستهدف سوريا، إلاً أنها كررت لأكثر من مرة أنها لن تسمح لإيران بتوسيع وجودها هناك.
كما أعلن مؤخرًا الحرس الثوري الإيراني كذلك قصفه لأهداف اعتبرها “إرهابية” في سوريا وإقليم كردستان في العراق، إذ قال الحرس إنّ الضربات استهدفت مركزاً للموساد الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنها رد على استهداف قادة محور المقاومة.
حزب الله في لبنان
بعد هجوم حماس بيومٍ واحدٍ فقط أعلن حزب الله في لبنان استهداف مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، ليرد الجيش الإسرائيلي بقصف خيمة تابعة للحزب، الأمر الذي أدى إلى تصاعد الهجمات وتبادل إطلاق النار بين الطرفين منذ ذلك الحين، إذ يعلن الحزب يومياً استهداف مواقع ونقاط عسكرية إسرائيلية، بينما يردّ الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي يقول إنه يستهدف “بنى تحتية” للحزب وتحركات لمقاتلين قرب الحدود.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فقد أسفر تبادل القصف بين حزب الله والجيش الإسرائيلي حتى الآن عن مقتل نحو 316 شخصاً، معظمهم من مقاتلي حزب الله، فضلا عن 53 مدنياً في لبنان، كما قتل قادة من حزب الله وحركة حماس منهم نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية في الثاني من يناير/ كانون الثاني، والقيادي في حزب الله وسام الطويل في ضربة اسرائيلية في جنوب لبنان، وفي إسرائيل، أحصى الجيش مقتل عشرة جنود وسبعة مدنيين.
وكان حزب الله قد شارك سابقاً في الحرب في سوريا، الأمر الذي عرّضه لانتقاداتٍ واسعة على عدة مستويات.
جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن
يستمر الحوثيون في اليمن بتنفيذ هجمات في البحر الأحمر قرب مضيق باب المندب، تستهدف سفناً مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها، بحسبهم، دعماً للفلسطينيين وطلباً لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
فيما نفذت القوات الأميركية والبريطانية عشرات الغارات على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين في صنعاء ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة، رداً على استهداف السفن في الممرات البحرية قبالة اليمن.
الميليشيات في العراق
منذ بدء حرب غزة، أعلنت “المقاومة الاسلامية في العراق” التي تضمّ فصائل مسلحة حليفة لإيران ومرتبطة بالحشد الشعبي، تنفيذها لعدة هجمات على قواعد أمريكية تضم قوات أمريكية وقوات للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة.
وحتى الخامس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2023 قالت واشنطن إنّها وثقت 103 هجمات ضدّ قواتها في العراق وسوريا منذ اندلاع الحرب في غزة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.
واشتدت أزمة المقاومة العراقية مع الأمريكيين بعد مقتل ثلاثة عسكريين في هجوم شنته جماعات عراقية مسلحة مدعومة من إيران على موقع يسمى البرج 22 على الحدود بين الأردن وسوريا، إذ قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنّ بلاده سترد على الهجوم.
وحول علاقة هذا المحور بنفوذ إيران في الشرق الأوسط يقول الدكتور عباس خا مه يار “إذا كان هذا النفوذ يدعم الشعوب الإسلامية والعربية في الدفاع عن نفسها وعن أراضيها وكرامتها، فأين المشكلة؟” مؤكدّا أنّ الإيرانيين لا يطلبون شيئًا بسبب دعمهم لجهاتٍ أو دول بعينها، مضيفاً أنّ الإيرانيين “دفعوا ولا زالوا يدفعون ثمناً باهظاً بسبب هذا الدعم، وإن كانوا يريدون تطوير وتوسيع نفوذهم في المنطقة لكانت طرق المساومة مع الأمريكيين والعالم الغربي أكثر جدوى ونفعاً ومصلحة”.
لكنّ المنسي يرى عكس ذلك، إذ يقول إنّ إيران التي “تسيطر على أربع عواصم عربية” كما أعلن قادتها قبل ذلك، يتيح نفوذها لها التحكم في القرار السياسي في هذه الدول حسب مصالحها، بل ومقايضة هذا النفوذ السياسي بمكاسب أخرى مع الدول الكبرى في المنطقة، ففي عام 2018 على سبيل المثال، حين تأزمت المفاوضات مع الغرب حول الملف النووي الإيراني، أعلنت إيران أنّها لا تستطيع أن تقدم تنازلاتٍ في ملفها النووي، لكنها يمكن أن تتفاوض حول اليمن.
ويضيف المنسي أنّ إيران أعلنت على لسان كبار قادتها العسكريين مؤخرًا “أنها تتحكم بشكلٍ كبيرٍ في البحر الاحمر والملاحة الدولية المارة في المنطقة” وذلك بعد أن بدأت جماعة أنصار الله الحوثية استهداف السفن المتوجهة إلى إسرائيل في باب المندب، فامتلاك أوراق قوة في الإقليم يمكّن إيران من استخدام هذه الأوراق لخدمة مصالحها، إلى جانب تحقيق فوائد اقتصادية كثيرة من سيطرتها على هذه الدول، ويرى المنسي أنّ وجود “حزامٍ من الدول حول إيران، فيها قوات مسلحة تدين بالولاء لها” يعد أمراً لصالح الأمن القومي الإيراني، إذ يوفر الحماية لها ويجعل الأراضي الإيرانية بمنأى عن الاستهداف، ولو حدث أي استهداف فسيكون خارج الأراضي الإيرانية، وهكذا تستطيع إيران امتلاك نفوذٍ كبير “ليس فقط على الدول التي تنتشر فيها ميليشياتها بل على الدول الأخرى”.
هل ظهرت “أزمة تنسيق” بين أعضاء محور المقاومة؟
رغم أن إيران لا تخفي دعمها لحركة حماس، إلاً أنّ الهجوم الذي شنته الحركة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كان مفاجئاً بالنسبة للإيرانيين ولمختلف حلفاء الحركة على حد سواء، بحسب ما أكده قادة الجانبين.
ومع أن إيران أكدت دعمها للفلسطينيين، إلاّ أنها نفت ضلوعها في هجوم حماس، إذ أوضحت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بعد يومين من الهجوم في بيانها “ندعم فلسطين على نحو لا يتزعزع، لكننا لا نشارك في الرد الفلسطيني، لأن فلسطين فقط هي التي تتولى ذلك بنفسها”.
فيما أكدت تقارير استخباراتية أمريكية أن إيران كانت تعلم على الأرجح بأن حركة “حماس” كانت تخطط لعملية ضد إسرائيل “لكن دون معرفة التوقيت أو النطاق المحدد لما حدث”، كما أن بعض الزعماء الإيرانيين فوجئوا بالهجوم غير المسبوق للحركة.
وكان رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية قد التقى بالمرشد الإيراني علي خامنئي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ليطلعه على أبرز التطورات الميدانية في غزة بحسب ما قالت وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا”، إلاً أنّ مسؤولين من الجانبين أكدا بأن خامنئي أبلغ هنية بأنّ “”إيران لن تدخل الحرب نيابة عن الحركة” لأنّ حماس لم تبلغ الإيرانيين بمخططاتها، كما أوضح مسؤول من حماس لوكالة رويترز أن “الزعيم الإيراني الأعلى حثّ هنية على إسكات الأصوات التي تدعو علناً إيران وحزب الله إلى الانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل، بكامل قوتهما”.
وبعد نحو شهرين من الهجوم، تفاقمت الأزمة بين الحركة وإيران بعد أن خرج المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف ليقول إن الهجوم الذي شنته كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس جاء للثأر لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، الأمر الذي سارعت الحركة لنفيه مؤكدةً بأنّ “”كل أعمال المقاومة الفلسطينية تأتي رداً على وجود الاحتلال، وعدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني ومقدساته”.
إيران لم تكن الجهة الوحيدة التي تسارع لنفي علاقتها بهجوم حماس، فالأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أكد ذلك في خطابين، مشيراً إلى عدم علم الحزب، ولا طهران، بنية حماس لتنفيذ هكذا هجوم، ورغم أنّ الحزب اللبناني بدأ فوراً، وبعد يوم واحد من هجوم حماس، بالمشاركة في استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية، إلاً أنّ مصادر داخله أكدت لوكالة رويترز أنّ مقاتلي الحزب “لم يكونوا في حالة تأهب حتى في القرى القريبة من الحدود”، وقال أحد قادته “لقد استيقظنا على الحرب”، فيما أكدّ نصر الله أنّ شن الحرب من جنوب لبنان يمثل “جبهة تضامن وإسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة”.
وكان محللون قد أشاروا بعد بدء الحرب إلى أنّ إيران “ورّطت” حماس ثم انسحبت، منهم العميد الدكتور عبد الله الأسعد رئيس مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، الذي أوضح في مقابلة تلفزيونية بأنّ هناك بلداناً “عبارة عن عصا تحكم في يد إيران من أجل تخفيف الضغط عن الجمهور، وهم جمهور حزب الله وجمهور الأذرع الإيرانية والمنطقة التي تنتقد إيران، والكل يعرف أن إيران ورّطت حماس وانسحبت”.
وكان قائد الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف قد دعا محور المقاومة فور بدء الهجوم الانضمام إلى الحرب، وقال في رسالة صوتية “يا إخواننا في المقاومة الإسلامية في لبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع أهلكم في فلسطين”.
فيما بدا الإحباط في تصريحات علنية بعد ذلك لقادة الحركة، ومن بينهم خالد مشعل الذي شكر حزب الله في مقابلة تلفزيونية يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول، قائلاً “حزب الله قام مشكوراً بخطوات لكن تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كاف”.
ومؤخراً، طالب هنية في بداية يناير/ كانون الثاني خلال مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأن يكون هناك دور الدعم محور المقاومة، مؤكداً بأنه “آن الأوان لدعم المقاومة بالسلاح، لأن هذه معركة الأقصى، وليست معركة الشعب الفلسطيني وحده”.