أخبار العالم

حديث “عدم الفلاح في ولاية المرأة” منسوب بالكذب إلى الرسول



قالت الأكاديمية ناجية الوريمي إن قراءات استشراقية للتراث العربي الإسلامي ركزت على “الجانب غير المتسامح في التراث”، في مقابل “قراءة معجبة” بالتراث المسيحي الغربي، مستحضرة نموذجي برنارد لويس وصامويل هنتغتون اللَّذين “يعتبران قيم الديمقراطية والتسامح قرينة الفكر المسيحي، وأن الحضارة المستندة إلى المسيحية هي المؤهلة لقيادة العالم. وفي المقابل، يقدمان صورة ذات وجه واحد واحدة بأمثلة على فرض الرأي الواحد، ومصادمة الاختلاف”؛ في “موقف استشراقي يريد بيان أن الهوية الحضارية للغرب عليها أن تقود العالم، وأن الهوية الإسلامية منافية للآخر وتشرّع للعنف وتتنافى مع القيم المعاصرة”.

جاء هذا خلال مشاركة أستاذة الحضارة العربية الإسلامية بالجامعة التونسية في برنامج “في الاستشراق”، الذي يقدمه الإعلامي ياسين عدنان على “منصة مجتمع”، حيث بينت أن مثل هذه التجارب الاستشراقية عادت إلى أقوال وأفعال “للتيارات السلفية المتشددة”، وقدمت “قراءة مغرضة”، وركزت على هنتنغتون الذي اعتبر المسلمين “خطرا على الإنسانية والحداثة”، ورأى أن التقدم يتحقق بـ”الرجوع للمسيحية”، في “قراءة غير محايدة. فقد كانت له أحكام مسبقة يبحث لها عن مستندات، وليس عالم اجتماع محايدا”.

وتابعت: “نحن إزاء قراءة إيديولوجية، تستند إلى صحتها بإنطاق النصوص، قراءة انتقائية مخلة”، وهناك “تيار استشراقي يعتبر الإسلام مشكلة، ويؤمن بخدمة المسلمين عبر إفهامهم مواطن الخلل في دينهم، فإذا بالدين ذاته يتحول إلى خلل. وهذا موقف ليس له أي جانب من العلمية (…) فالظاهرة الدينية واحدة، لها مكان في حياة الإنسان ودور في المجتمع، ولا يمكن أن نبحث في دين بآلية وآخر بطريقة أخرى، وهذا مخالف لتاريخ الأديان وعلم تاريخ الأديان وعلم الاجتماع”.

وذكّرت الوريمي برصيد من الاختيار المهمش والمحجوب الذي لم تسمع الثقافة السائدة بانتشاره من التاريخ الإسلامي، ومن بينه العلاقة بين الدين والواقع المتحول، حيث استقر مفهوم الاجتهاد في الثقافة التشريعية السائدة قياسا على النص، ومنع ما خارج حدوده؛ فالفكر التشريعي السابق على الشافعي لم يكن له سقف، وكانت تجارب تشريعية رغم وجود النص، منها اجتهاد عمر بن الخطاب.

وزادت: “سكت الشافعي سكوتا غريبا عن تجربة عمر ابن الخطاب، وسكت عمدا عن تجربته، ورد عليها بشكل ضمني”، كما أنه “استفاد من جو التسامح في حكم البرامكة ثم انقلب عليه، وأثبتُّ أنه كان معتزليا، ثم صار من أنصار الحديث”، قبل أن تردف قائلة: “ننظر اليوم لأصول الفقه كجزء من الدين وحقيقة مطلقة إطلاقَه، في حين إنه موقف تاريخي مبرر بظرفية معينة، لا يمكن أن يحمل على الإطلاق (…) وعلينا الانتباه للبعد التاريخي في هذا العلم لتحرير العقل العربي من الارتهان لمسلمات هي في الأصل مجرد اختيارات تاريخية بشرية”.

وفيما يتعلق بالمسكوت عنه اجتماعيا من التاريخ الإسلامي، استحضرت كتابها “زعامة المرأة في الإسلام المبكر” وقالت: “بينتُ أن الحديث المنسوب إلى الرسول حول عدم فلاح قوم ولوا أمرهم امرأة، ينسب إلى حادثة وقعت بعد وفاة الرسول، وكان نوعا من التمرد على ما قامت به زوجته عائشة”، أما “الفاعلية التي تميزت بها المرأة في الإسلام المبكر فهي عكس ما وضعه الفقهاء والفقه حول فضل أخلاق المرأة المبتعدة عن الشأن العام والمقتصرة على الإنجاب ورعاية الزوج، وليست متطابقة مع حقيقة الواقع الذي حاولوا تناسيه وتشكيل التاريخ الذي تتضاءل فيه وضعية المرأة”.

ونفت الباحثة اعتماد “الإسقاط في التراث”، ولو أنه “يسير جنبا إلى جنب مع كل إعادة قراءة”، وتابعت شارحة: “أعتبر أن القيم المعاصرة لا تحتاج مبررا تراثيا أصيلا، فلكل عصر وسياق تاريخي وفكري خصوصياته، ولكل مفهوم تاريخ (…) المجتمع الإسلامي متنوع ومتعدد بامتياز، ولا يمكن تصور عدم طرح هذه القضية، ولو أن مفهوم [التسامح] حديث، إلا أننا نجد كلمات تحيل عليه من المسالمة والمسامحة والكرم”، وقدمت مثالا بالجاحظ الذي حطم أسطورة العرق الأمثل الممتلك للحقيقة وبيّن مزايا ونقائص كل قوم.

وقالت: “هذا ليس إسقاطا في الخطاب الفلسفي”، بل “نزع للحجب حول النصوص المهمشة”.

وأعادت ناجية الوريمي قراءة “نكبة البرامكة” نكبةً للتسامح، كما أعادت قراءة محنة ابن حنبل، منتصرة للمأمون الذي قدّرت “أنه “ظلم تاريخيا”، بعدما اعتبر أن “كل المعارف لها حق الوجود”، فكان من سمّاه “أمير الكافرين” لقبوله ترجمة العلم والاعتراف بأصحاب البدع، وأسقط أهل الحديث حق الرعايا من غير أهل السنة، ونصبوا أنفسهم حكاما يقبلون ويرفضون، وتمردوا سياسيا بالتحالف مع عمه إبراهيم بن المهدي، وتمردوا مدنيا بالسيطرة على مؤسسة القضاء.

وترى الأكاديمية أن “علاقة المثقف بالدين” مهمة، مبرزة أهمية الدين في أي مشروع نهضوي، لأنه “إن لم نُعقلن الوحدة الدينية لدى المواطن العربي سنتركه فريسة لكل التيارات المتطرفة التي تستثمر من الماضي ما تريد”، كما تأسّفت في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة الفلسطينية لانحياز الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، منظِّر العقل التواصلي والمجتمع ما بعد العلماني، “انحيازا مؤلما للجلاد ضد الضحية”، وما عكسته مثل هذه المواقف من “انهيار منظومة قيمية حداثية، رفعوا شعارها، إزاء موقف سياسي فج”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى