رمضان: ما هي مقاومة الإنسولين؟ وهل يساعد الصيام في التغلب عليها؟
- Author, سمية نصر
- Role, بي بي سي نيوز عربي
كثر الحديث خلال العامين الماضيين عن “مقاومة الإنسولين” في وسائل الإعلام والتواصل الإعلامي، إذ صدرت مؤلفات وانتشرت مقاطع فيديو تشمل تمرينات رياضية بعينها أو حمية ما يقول مبتكروها ما تهدف إلى الوقاية منها أو التغلب عليها.
وقد لفت المصطلح انتباه المزيد والمزيد من الناس نظرا لأن مقاومة الإنسولين قد تتحول إلى إصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، الذي يؤثر على أكثر من نصف مليار شخص حول أنحاء العالم، وغيره من الحالات المرضية الخطرة.
فكيف تحدث مقاومة الإنسولين وما أعراضها؟ هل يمكن الشفاء منها؟ وهل باستطاعة الصيام المساعدة في السيطرة عليها؟
ما هو الإنسولين؟
يعد الإنسولين، الذي يفرزه البنكرياس، من الهرمونات المهمة في جسم الإنسان. وظيفته تنظيم مستويات السكر (الغلوكوز) في الجسم، من خلال السماح للجسم بتحويلها إلى طاقة. وإذا لم ينتج البنكرياس كمية كافية من الإنسولين، أو لم يتمكن الجسم من استخدامه كما ينبغي، فإن ذلك يتسبب في مشكلات صحية كثيرة.
ويعمل الإنسولين في الجسم بالطريقة التالية:
- يحول الجسم الطعام الذي تتناوله إلى غلوكوز، والذي يعتبر مصدر الطاقة الأساسي للجسم.
- ينتقل الغلوكوز إلى مجرى الدم، مرسلا إشارة إلى البنكرياس لإفراز الإنسولين.
- يساعد الإنسولين الغلوكوز الموجود في الدم على الدخول إلى خلايا العضلات والدهون والكبد كي تتمكن من استخدامه للحصول على الطاقة، أو تخزينه للاستخدام في وقت لاحق.
- عندما يدخل الغلوكوز خلايا الجسم وتنخفض مستوياته في الدم، فإن ذلك يرسل إشارة إلى البنكرياس للتوقف عن إنتاج الإنسولين.
ماذا تعني مقاومة الإنسولين؟
مقاومة الإنسولين عملية معقدة، تحدث عندما تضعف استجابة الخلايا في العضلات والدهون والكبد للإنسولين، وتتوقف عن امتصاص الغلوكوز من الدم أو تخزينه بشكل فعال. وينتج عن ذلك أن يعكف البنكرياس على إنتاج المزيد من الإنسولين للتغلب على مستويات الغلوكوز الزائدة في الدم، ويسمى ذلك فرط الإنسولين، أو فرط الإنسولينية.
وطالما أن البنكرياس يضخ كميات من الإنسولين تكفي للتغلب على استجابة الخلايا الضعيفة له، تبقى مستويات السكر في الدم ضمن معدل صحي. ولكن إذا ازدادت مقاومة الخلايا للإنسولين، فإن ذلك يؤدي إلى مستويات مرتفعة من الغلوكوز في الدم، وهو ما قد يؤدي مع مرور الوقت إلى الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وغيره من الحالات المرضية الأخرى.
يقول البروفيسور فرانك جوزيف، استشاري أمراض الغدد الصماء والسكري ومؤسس عيادة Dr Frank Joseph Clinic المتخصصة في مساعدة المصابين بالسمنة على إنقاص أوزانهم باستخدام أحدث العلاجات الطبية، إن مقاومة الإنسولين “مرتبطة بمزيج من العوامل البيئية والوراثية وأنماط الحياة”، مضيفا أن لها العديد من الأسباب، منها:
- السمنة: تراكم كميات كبيرة من الدهون في الجسم، ولا سيما حول البطن (وتعرف بالدهون الداخلية وتشكل خطرا صحيا)، يرتبط بشكل قوي بمقاومة الإنسولين. فالخلايا الدهنية تفرز أحماضا دهنية ومواد مسببة للالتهاب من الممكن أن تعرقل عمل الإنسولين.
- قلة النشاط الجسماني: من الممكن أن تسهم في حدوث مقاومة الإنسولين. فالحركة والتمرينات الرياضية تساعد العضلات على استخدام الغلوكوز لإنتاج الطاقة، وهو ما قد يؤدي إلى تحسين حساسية الإنسولين (مدى استجابة الجسم له).
- العوامل الوراثية أو الجينية: بعض الأشخاص مستعدون وراثيا للإصابة بمقاومة الإنسولين، فبعض التنويعات والاختلافات الجينية من الممكن أن تؤثر على الكيفية التي يتعامل بها الجسم مع الإنسولين والغلوكوز.
- النظام الغذائي غير الصحي: النظم الغذائية التي تحتوي على كميات عالية من الأطعمة المعالَجة، والكربوهيدرات والسكريات المكررة من الممكن أن تسهم في حدوث مقاومة الإنسولين. هذه الأطعمة من الممكن أن تؤدي إلى ارتفاع سريع في سكر الدم، وهو ما يؤدي إلى زيادة إنتاج الإنسولين مع مرور الوقت.
- التوتر المزمن: هرمونات التوتر مثل الكورتيزول من الممكن أن تؤثر سلبا على قدرة الإنسولين على تنظيم مستويات السكر في الدم، وهو ما يؤدي إلى حدوث مقاومة الإنسولين.
- اضطرابات النوم: قلة النوم أو رداءة نوعيته من الممكن أن يؤثرا على حساسية الإنسولين. والحرمان من النوم من الممكن أن يكون له تأثير سلبي على مستويات الهرمونات بما يؤدي إلى حدوث مقاومة الإنسولين.
- بعض الحالات المرضية: حالات مثل متلازمة المبيض متعدد الكيسات ومتلازمة كوشينغ ومرض الكبد الدهني من الممكن أن تؤدي إلى خطر الإصابة بمقاومة الإنسولين.
- الشيخوخة: كلما تقدمنا في العمر، كلما أصبحت خلايا أجسامنا أقل استجابة للإنسولين، وهو وما يؤدي إلى مقاومته.
الأعراض
يقول البروفيسور جوزيف إنه قد يكون من الصعب ملاحظة المؤشرات الأولية لمقاومة الإنسولين، التي ” أحيانا لا تكون مصحوبة بأعراض ظاهرة في بداية الأمر. ولكن قد تكون هناك أعراض أولية ربما تشير إلى حدوث مقاومة الإنسولين، ومنها الإرهاق الناتج عن تذبذب مستويات السكر في الدم، صعوبة فقدان الوزن رغم اتباع حمية غذائية وممارسة التمرينات الرياضية، ظهور بقع داكنة على الجلد، ولا سيما على الرقبة أو الفخذ أو تحت الإبط، ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية (أو الكوليسترول الضار ) وانخفاض مستوى الكوليسترول النافع، ومتلازمة الرحم متعدد الكيسات”.
ويضيف أنه إذا ما أدت مقاومة الإنسولين إلى الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وارتفاع هائل في مستويات الغلوكوز في الدم، فإن الشخص قد يعاني من أعراض أخرى مثل كثرة التبول وزيادة الشعور بالعطش وضبابية الرؤية.
ويشدد البروفيسور جوزيف على أن هذه الأعراض والإشارات “قد تتفاوت من شخص إلى آخر، والإصابة بمقاومة الإنسولين لا تعني أن المصاب سيعاني من كل تلك الأعراض. كما أن تلك الأعراض قد تكون مؤشرا على الإصابة بحالات مرضية أخرى، ولذا من الضروري استشارة الطبيب والحصول على تشخيص دقيق..التشخيص المبكر والسيطرة على هذه الحالة في غاية الأهمية لمنع حدوث تعقيدات مثل النوع الثاني من مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية”.
ما احتمال أن تؤدي مقاومة الإنسولين إلى حالات أخطر؟
يقول البروفيسور جوزيف إن الدراسات أظهرت أن نحو 70 إلى 80 في المئة ممن يعانون من مقاومة الإنسولين يصابون لاحقا بالنوع الثاني من مرض السكري إذا لم تُعالج أو تتم السيطرة عليها.
“لكن ذلك يعتمد على عدد من العوامل، مثل الجينات والسمنة وقلة النشاط الجسماني والنظام الغذائي والسن والعِرق – فبعض الجماعات العرقية، ولا سيما تلك التي تستوطن جنوب شرق آسيا، تزداد لديهم خطورة الإصابة بالنوع الثاني من السكري مقارنة بالبيض القوقازيين”.
هل من الممكن الشفاء من مقاومة الإنسولين؟
يقول البروفيسور جوزيف إنه من الممكن القضاء على مقاومة الإنسولين أو على الأقل تحسينها بدرجة كبيرة من خلال إدخال بعض التغييرات على نمط حياة المصاب، أو في بعض الحالات من خلال تناول عقاقير طبية.
تنصح خبيرة التغذية الأردنية ريم العبد اللات من يعانون من مقاومة الإنسولين “بالانتباه إلى غذائهم بشكل كبير، حيث يجب الابتعاد عن تناول الحلوى والتقليل من النشويات. ويفضل تناول النشويات المعقدة التي تحتوي على حبوب كاملة: يمكن على سبيل المثال تناول الفريكة بدلا من الأرز، والخبز الأسمر بدلا من الخبز الأبيض. ويفضل تناول الفواكه مع أطعمة أخرى تحتوي على دهون أو بروتين، كأن نتناولها مع منتجات ألبان أو مكسرات”.
ويلفت البروفيسور جوزيف إلى أهمية تقليل الأطعمة المعالجة وتلك التي يضاف إليها السكر، وفي الوقت ذاته الإكثار من الأطعمة الغنية بالألياف والبروتينات منخفضة الدهون المشبعة والسعرات الحرارية، ومن الدهون الصحية والخضروات والفاكهة.
وقد أشار العديد من الأبحاث العلمية إلى أن الأطعمة منخفضة المؤشر الغلايسيمي تساعد على التحكم في مستويات الغلوكوز في الدم على المدى الطويل لدى الأشخاص المصابين بالنوع الثاني من مرض السكري، كما أنها تساعد على تثبيت مستويات سكر الدم بعد تناول الطعام.
والمؤشر الغلايسيمي هو نظام يستخدم لتصنيف الأطعمة التي تحتوي على كربوهيدرات من حيث تأثيرها على نسبة السكر في الدم، إذ يظهر ما إذا كان الطعام الذي نتناوله يؤدي إلى ارتفاع سريع أو متوسط أو بطيء لمستويات الغلوكوز في الدم.
الكربوهيدرات التي تُمتص ببطء تعتبر منخفضة المؤشر الغلايسيمي، وتشمل بعض الخضروات والفاكهة والحليب غير المحلى والبقوليات والخبز الأسمر وحبوب الإفطار التي تتكون من حبوب قمح أو شوفان أو شعير كاملة. أما السكر والأطعمة والمشروبات التي تحتوي عليه والبطاطا والأرز الأبيض فهي من الأطعمة عالية المؤشر الغلايسيمي.
لكن تجدر الإشارة إلى أن المؤشر الغلايسيمي وحده لا يكفي لتحديد ما إذا كانت الأطعمة صحية أم لا. فغالبية أنواع الشوكولاته، على سبيل المثال، منخفضة المؤشر، لكنها مرتفعة السعرات الحرارية. كما أن الأطعمة عالية المؤشر الغلايسيمي ليست بالضرورة غير صحية – على سبيل المثال بعض الفواكه كالبطيخ عالية المؤشر الغلايسيمي ولكنها مفيدة. لذا ينبغي أن التركيز على أن يكون النظام الغذائي صحيا ومتوازنا.
النصيحة الثانية التي يقدمها كل من جوزيف والعبد اللات هي المواظبة على التريض. “النشاط الجسماني مثل التمرينات الهوائية وتدريبات القوى من الممكن أن يحسن حساسية الإنسولين. فالرياضة تساعد العضلات على تحويل الغلوكوز إلى طاقة، وهذا من شأنه تخفيض مستويات السكر في الدم وتقليل مقاومة الإنسولين”، وفقا لجوزيف.
فقدان الوزن، ولا سيما الدهون المحيطة بمنطقة البطن، من الممكن أيضا أن يحسن حساسية الإنسولين.
من الأشياء التي ربما لا ينتبه إليها كثيرون والتي قد تسهم في زيادة مقاومة الإنسولين التوتر المزمن. “لذا فإن إيجاد طرق صحية لتقليله، مثل ممارسة تمرينات التنفس العميق والتريض والتأمل أو قضاء وقت في أحضان الطبيعة قد تكون مفيدة في تقليل مقاومة الإنسولين”.
الحصول على قسط كاف من النوم في غاية الأهمية كذلك، إذ يقول البروفيسور جوزيف إن النوم لنحو 7-9 ساعات يوميا من شأنه المساعدة في تحسين حساسية الإنسولين والصحة العامة.
وأخيرا، هناك بعض الأدوية التي تساعد على تقليل مقاومة الإنسولين وبعض الحالات المرتبطة بها مثل النوع الثاني من مرض السكري مثل عقار ميتافورمين (metaformin).
يشدد جوزيف على أنه من المهم إدراك أن فعالية هذه الاستراتيجيات ربما تتفاوت من شخص لآخر “وفقا لعوامل فردية مثل الجينات والصحة العامة والالتزام بتغييرات نمط الحياة. كما أن التخلص من مقاومة الإنسولين عادة ما يكون عملية تدريجية تتطلب التزاما بالعادات الصحية على المدى الطويل”.
هل الصيام مفيد لمن يعانون من مقاومة الإنسولين؟
حظي الصيام المتقطع باهتمام كبير عبر أنحاء العالم خلال الأعوام الماضية، حيث تحدث الكثير من الأطباء وخبراء التغذية عن فوائده الصحية.
والصيام المتقاطع هو الامتناع عن تناول الأكل لفترة طويلة خلال اليوم، تتبعها فترة أقصر من تناول الطعام كالمعتاد، أو الامتناع عن الطعام خلال يوم كامل أو أكثر كل أسبوع.
يقول البروفيسور جوزيف إنه رغم أن الأبحاث المتعلقة بهذا النوع من الصيام ما تزال في مرحلة التطور، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أنه قد يساعد في تحسين حساسية الإنسولين. “على سبيل المثال، توصل بحث نشر في دورية Cell Metabolism عام 2015 إلى أن صيام يوم وإفطار يوم أدى إلى تحسين حساسية الإنسولين لدى أشخاص لا يعانون من السمنة، بدون أن يؤدي إلى تغيير أوزانهم”.
ويضيف أن الصيام المتقطع من الممكن أن يؤدي إلى نقصان الوزن، وهو شيء يرتبط بتحسين حساسية الإنسولين وصحة الأيض.
لكنه يشدد على أن “الصيام المتقطع قد لا يكون مناسبا للجميع، والاستجابة له قد تتفاوت من شخص لآخر”.
وفيما يتعلق بصيام شهر رمضان، تشير بعض الدراسات إلى أنه قد يؤدي إلى تحسين حساسية الإنسولين، ولا سيما لدى الأشخاص الذين يعانون من مقاومة الإنسولين والنوع الثاني من مرض السكري. كما أن بعض الأفراد قد يفقدون نسبة من وزنهم أو تتغير نسبة الدهون في أجسامهم خلال فترات الصوم، وهذه التغيرات من شأنها التأثير على حساسية الإنسولين وصحة الأيض، لا سيما لدى الأفراد الذين يعانون من السمنة، وفقا لجوزيف.
ويضيف استشاري الغدد الصماء والسكري أن تأثير صيام رمضان على مقاومة الإنسولين وصحة الأيض قد يتفاوت من شخص لآخر “وفقا لعوامل مثل السن والنوع والحالات الطبية الموجودة مسبقا والعادات الغذائية ومستوى النشاط الجسماني. من الضروري أن ينتبه الأشخاص الذين يصومون رمضان، ولا سيما هؤلاء الذين يعانون من السكري أو غيره من مشكلات تتعلق بالأيض، إلى أهمية مراقبة وضعهم الصحي واستشارة المختصين لضمان صوم آمن ورعاية مثلى لصحتهم خلال الشهر”.
وتنبه أخصائية التغذية ريم العبد اللات إلى ضرورة اتباع عادات غذائية صحية في الفترات التي يتناول فيها الشخص الطعام لتحقيق أكبر استفادة صحية سواء من الصيام المتقطع أو صوم رمضان.