بياناتك الشخصية متاحة للجميع، فهل هناك طريقة أفضل للحفاظ على خصوصيتها؟
- Author, شون ماكمانوس
- Role, مراسل شؤون التكنولوجيا
قال تيم برنرز لي، مخترع شبكة الإنترنت: “منذ البداية، كنت أهدف إلى أن تكون هذه الشبكة منصة للإبداع والتعاون”.
وأضاف: “في العقد الأول من ظهورها، كانت الشبكة تساعدني على الوفاء بوعدي هذا، لكن ليس هذا ما رأيناه على مدار نحو عشرين سنة مضت”.
وأعرب برنرز لي عن مخاوفه تجاه مشكلة محددة تتمثل في الطريقة التي يتم التعامل بها مع البيانات الشخصية عبر الإنترنت. فعندما تدخل إلى حسابك على موقع إلكتروني ما وتخزن بياناتك عليه، يكون لهذا الموقع الحق في استخدام بياناتك داخله فقط.
لكن برمجيات المصدر المفتوح، التي تُدعى “Solid”، طُورت لتقلب هذا الوضع رأساً على عقب.
وتقوم هذه البرمجيات على فكرة تتضمن أن يكون لكل شخص مكان لتخزين البيانات الخاصة وله الحق أن يختار أي من المنظمات التي يمكنها الوصول إليها، وتحديد الغرض من الوصول إلى تلك البيانات، وإلى متى يُصرح لها بالوصول إليها.
ويُطلق على هذه البرمجيات اسم مخزن البيانات الشخصية عبر الإنترنت، أو “حاوية البيانات”، إذ يساعد المستخدمين على التحكم في بياناتهم، وحرية جمعها أو مشاركتها بين التطبيقات.
وتيم برنرز لي هو شريك مؤسس في شركة (Inrupt)، التي تقدم خدمات تعتمد عليها تكنولوجيا “Solid”. ويرى أن استخدام هذه التكنولوجيا يعني أن تخزين البيانات “سيرتبط بالأشخاص أكثر من ارتباطه بالتطبيقات”.
كما تقدم شركات أخرى خدمات برمجيات “Solid”؛ هي (Graphmetrix) و(Digita).
وفي فلاندرز في بلجيكا تعمل شركة (أثومي) على عدة مشاريع تعتمد بصفة أساسية على هذا النوع من البرمجيات.
وأسست الحكومة الفلمنكية في المملكة البلجيكية هذه الشركة للمساعدة في تحقيق التعافي الاقتصادي بعد الطوارئ التي شهدتها البلاد أثناء انتشار وباء كوفيد-19. وتلعب الشركة دور الوسيط المحايد الذي يربط الشركات في القطاعات المختلفة ببعضها البعض ويمكنها من الوصول إلى البيانات الحساسة الخاصة بالشركات والمواطنين.
وأطلقت شركة (أثومي) أول مشروع باستخدام تكنولوجيا “Solid” العام الماضي بالتعاون مع شركة التوظيف (راندستاد) قبل طرحه أمام شركات توظيف أخرى. كما تخطط الشركة للوصول بعدد مستخدمي هذا التطبيق الإلكتروني إلى 30.000 مستخدم.
ويوفر هذا التطبيق حلا لمشكلة تواجه المتقدمين للوظائف في بلجيكا. وقال بيورن دي فيدتس، الرئيس التنفيذي لشركة أثومي: “غالباً ما يتعين عليهم (المتقدمين للوظائف) تقديم نسخ من شهاداتهم- عادةً ما تكون نسخ ضوئية ترسل بالبريد. وأحيانا ما يواجهون صعوبة في العثور على شهاداتهم، مما يضطرهم إلى استخراج بدائل ما يؤدي إلى استهلاك للوقت والمال. لقد جعلنا العملية سهلة للغاية”.
وأضاف أن “الخطوة الأولى هي تنشيط حاويتك، وهي المتطلبات القانونية اللازمة للبدء، إذ لا نستطيع تقديم الخدمات لشخص لم يمنحنا السلطة لتنشيط حاوية بياناته الشخصية. والخطوة الثانية هي أن تمنح الإذن بتحميل شهادتك فيها. وتشير الخطوة الثالثة إلى منح حق الوصول إلى هذه البيانات لشركة (راندستاد) للتوظيف لفترة محددة لتستخدم الشهادة الموجودة في حاويتك لتقديم طلب وظيفة محدد”. كما يمكن للمواطنين الوصول إلى حاويات البيانات الخاصة بهم وإدارتها من خلال متصفح الإنترنت.
وأحيانا عند التقدم إلى بعض الوظائف، يطلب أصحاب العمل التحقق من أن المؤهلات التي يتضمنها طلب الوظيفة حقيقية.
وقد يستغرق إجراء التحقق الكثير من الوقت عند استخدام المستندات الورقية. لكن تطبيق “Solid” يوفر لكل شهادة رمزاً مميزاً يضمن أن البيانات الواردة بها صحيحة وأنها لم تتعرض لأي تغيير.
كما تستخدم هذه التكنولوجيا في نظام الرعاية الصحية.
وتبدأ هذا العام خمسة مستشفيات بلجيكية بتخزين البيانات الخاصة بزيارات المستشفى في حاويات “Solid” للبيانات الخاصة بالمرضى. وتتضمن الفكرة أن التطبيق سوف يسهل على المرضى مشاركة بياناتهم الطبية. على سبيل المثال، يمكنهم مشاركة فحص طبي موثق حديث عند التقدم للوظيفة، بذلك لا يتعين عليهم إجراء فحص آخر عند الالتحاق بها.
وتعمل شركة (أثومي) أيضاً مع العديد من شركات الوسائط لإنشاء حسابات مستخدمين مشتركة تشمل خدمات البث، حتى يتمكن المشاهدون من الحصول على خدمات مخصصة أفضل.
وتخزن هذه الحاويات الإلكترونية البيانات بتنسيقات قياسية، بحيث يمكن إعادة استخدامها في بيئات إلكترونية متعددة. وقال دي فيدتس: “تكتمل ما أسميها المتعة الحقيقية في اقتصاد البيانات عندما نكون قادرين على الجمع بين عناصر البيانات المختلفة هذه”. وأضاف: “سيؤدي ذلك إلى ظهور حالات استخدام لهذه البيانات لا يمكننا حتى التنبؤ بها اليوم. وعندما يكون لديك ما يكفي من النقاط المثيرة للاهتمام على صعيد البيانات، نعتقد أن مصممي التطبيقات سيدخلون إلى حاوية البيانات الخاصة بك لتصميم تطبيقات جديدة”.
وأشارت الدراسة التي تُجرى لصالح الحكومة الفلمنكية في بلجيكا إلى أن المواطنين قد يكون لديهم استعداد لاستخدام حاويات المعلومات عندما يشعرون أن ذلك سيوفر عليهم وقتاً ومالاً أو عندما يدركون أن ذلك يساعدهم في تحسين حالتهم الصحية.
ويستضيف حاويات البيانات الفلمنكية خادم إلكتروني معروف اسم “Enterprise Solid Server” الذي تشغله شركة (Inrupt). وقال جون بروس، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، إنه من الممكن أن يكون لديك عدة حاويات تستضيفها لك شركات مثل: شركات خدمات الإنترنت أو شركات السياحة والسفر التي تستخدمها بشكل متكرر. ورغم تعددها، يمكن الوصول إلى جميع هذه الحاويات بتسجيل دخول واحد.
وصُممت حاويات البيانات هذه بطريقة تجعل من الصعب على القراصنة الإلكترونيين اختراقها.
وعلى الرغم من أن هذه الحاويات قد تشترك في خادم إلكتروني واحد، إلا أن لكل منها عناصر تحكم في الوصول إليها يتم تحديدها بمعرفة المستخدم. على النقيض من ذلك، تحتوي قاعدة بيانات الشركة على مجموعة واحدة من عناصر التحكم في الوصول التي تمنح الوصول إلى كافة سجلات العملاء. وقال بروس: “أنت موجود اليوم في قواعد بيانات كبيرة. بطاقتك الائتمانية موجودة مع عشرة ملايين بطاقة أخرى”.
وأضاف: “قاعدة البيانات هذه هدف قيم، وسوف يستغرق [القراصنة الإلكترونيون] أشهراً في العمل من أجل اختراقها. وعندها يكون للبيانات قيمة داخل حاويتك فقط، وهو ما يشبه الفرق في نوع الهجوم الذي قد يتعرض له أحد البنوك وعندما تتعرض للسرقة في الشارع. فمن المؤكد أنه لن تتبعك مجموعة من الناس لثلاثة أشهر لسرقة حافظة نقودك”.
وقالت أماندا فينش، الرئيس التنفيذي لمعهد تشارترد لأمن المعلومات، إن خطة (أثومي) لإنشاء منصة بيانات مركزية ستكون لها فوائد.
وفضلا عن تسهيل تدفق البيانات عبر الاقتصاد، قد تؤدي هذه التكنولوجيا إلى المزيد من تعزيز الأمن الإلكتروني.
وأضافت فينش: “من وجهة نظر أمنية، من المفترض أن يساعد ذلك في إنشاء بيئة أكثر أماناً لتخزين البيانات. ومع وجود عدد أقل من المنصات التي يجب تأمينها، والمسؤولية التي تقع على عاتق طرف واحد فيما يتعلق بذلك التأمين، يتوقع أن تكون هناك نقاط ضعف أقل في تأمين المنصة مقارنة بحلول أخرى عديدة”.
كما حذرت من أن التصميم الجديد لنظام تخزين البيانات يتضمن أن المواطنين أصبحوا يتحملون قدراً أكبر من المسؤولية عن بياناتهم الحساسة مقارنة بما كانوا يتحملونه من قبل. وقالت: “وضع الأمن في أيدي المستخدمين والمواطنين يشكل خطراً عندما تفكر في عدد الاختراقات التي تحدث بسبب العنصر البشري”.
وأضافت أنه “إذا تعرض شخص للخداع وشارك حاوية بياناته مع محتال، فقد انتهى الأمر لأنه من المحتمل أن يفقد كل شيء. لذا يحتاج المستخدمون إلى اتخاذ قرارات واعية بشأن ما إذا كانوا سيشاركون البيانات أم لا. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تم تثقيف المواطنين فيما يتعلق بكيفية التقليل من المخاطر من خلال استخدام أفضل ممارسات الأمان مثل: كلمات المرور القوية أو التحقق من هوية المستخدم من خلال عوامل متعددة”.
لكن هل تتخلى كل تلك الشركات التي اعتادت على تخزين البيانات عن هذه البيانات بسهولة؟ قال بروس: “الشركات لا تريد ذلك. وإن كان بإمكانهم العيش في عالم حيث لا يتعين عليهم أن يكونوا مسؤولين عن بياناتك، لكن يمكنهم الوصول إليها فقط، فلن يتوانوا في فعل ذلك”.
وبالعودة إلى شركة (أثومي)، يرى فيدتس أن “Solid” قد تكون بداية لثورة في عالم البيانات.
وأضاف: “أعمل منذ 25 عاما في التعاون في مجال البيانات بين الشركات، وهذه هي المرة الأولى التي أرى فيها تكنولوجيا لمشاركة البيانات لديها القدرة على التفوق على نماذج الأعمال الحالية من حيث التقدم التكنولوجي، إذ يمكن للمواطن أن يقرر ما هي البيانات التي سيتم إرسالها إلى أي تطبيق مستخدم، وأن يكون هو المتحكم في بياناته”.