المرأة السوسية الأمازيغية .. تمرد وكفاح ومساهمة فاعلة في التنمية المحلية
مما لا شك فيه أن تحقيق التنمية والرقي الاقتصادي في أي بلد أو مجتمع يظل رهينا بتحسين الوضعية السوسيو-اقتصادية للمرأة وتمكينها من كل الوسائل التي تجعل منها فاعلا مُنتجا ومُساهما أساسيا في إنعاش الدورة الاقتصادية وتحريك عجلة التنمية التي لا يمكن أن تُراوح مكانها دون إشراك نصفي المجتمع وضمان مساواتهما في الحقوق والفرص بما يُمَكن من الاستفادة من قدراتهما، والحديث هنا عن الرجل والمرأة.
حقيقة ومطالب ينادي بها الجميع وتشتد إلحاحا مع احتفال النساء بيومهن العالمي الذي يصادف يوم 8 مارس من كل سنة؛ فإذا كان هذا اليوم فرصة سنوية للتذكير بوضعية الكثير من النساء اللواتي ما زلن تعانين من التهميش والإقصاء والتمييز في عدد من الدول والمجتمعات، فإنه في الوقت ذاته فرصة لتسليط الضوء على تجارب نساء أخريات استطعن فرض وجودهن في مجتمعاتهن ومساهمات أساسيات في خلف فرض الشغل وحاملات لمشعل التعريف بثقافتهم.
والنموذج هنا من المغرب، وبالضبط في جهة سوس ماسة، حيث تمردت المرأة السوسية الأمازيغية على الأعراف والتقاليد الذكورية التي تنكر دورها في البناء الاقتصادي وتُقزمه لصالح أدوار لا تتعدى جدران بيت الأسرة؛ من خلال مشاركتها الفاعلة في النسيج التعاوني باعتباره مكونا رئيسيا من مكونات قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمملكة، ومساهمتها في خلق القيمة المضافة وتحسين مستواها المعيشي وبالتالي الحفاظ على الاستقرار الأسري والتماسك الاجتماعي.
دور مجتمعي ومساهمة فعالة
ومن هؤلاء النساء يامنة اكليو، رئيسة تعاونية “أكري فام” للمنتجات البحرية بمنطقة “تيغرت” التابعة لعمالة أكادير إداوتنان، التي صرحت لهسبريس بأن “أكري فام، التي تأسست قبل أقل من ثلاث سنوات، يشتغل بها اليوم حوالي 68 امرأة اللواتي تساهمن في التعريف بالمنتج البحري المحلي على الصعيدين الوطني والعالمي خاصة بلح البحر المدخن والمجفف”.
وأضافت اكليو أن “التعاونية ما زالت تعتمد على زبنائها التقليديين وتراهن على الحصول على شهادة الجودة من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية من أجل تسويق منتجها بشكل أكبر وتصديره إلى الخارج مع ما سيكون لذلك من انعكاس إيجابي على الوضعيتين الاقتصادية والاجتماعية للنساء أعضاء التعاونية”، مشيرة إلى وجود “أزيد من 500 امرأة في جهة سوس تزاولن مهنة جمع بلح البحر وينتظمن في إطار تعاونيات وتسعين إلى تطوير إنتاجهن وبالتالي التعريف بثقافتهن المحلية التي يشكل البحر واحدا من أهم مكوناتها”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول دور الانخراط في التعاونيات في تغيير الصورة النمطية حول المرأة في المجتمع، أشارت المتحدثة ذاتها إلى أن “المرأة في سوس خطت خطوات مهمة في اتجاه تغيير هذه الصورة وسجلت حضورا قويا في المشهد الاقتصادي المحلي، ولم تعد أدوارها مقتصرة على تحمل مسؤوليتها الأسرية فحسب؛ بل أيضا مسؤوليتها المجتمعية من خلال المساهمة في التنمية المحلية”.
إكرام العلوي، رئيسة التعاونية النسوية “البركة” لإنتاج وتسويق المنتوجات المحلية بتافراوت، نموذج آخر للمرأة السوسية الأمازيغية التي أثبتت دورها في البناء الاقتصادي من خلال مشاركتها الفاعلة في النسيج التعاوني؛ فقد أوضحت إكرام العلوي أن هذه “التعاونية تهتم بتثمين المنتوجات الفلاحية المحلية، على غرار زيت أركان ومشتقاته وأملو والعسل وغيرها من المنتجات الأخرى”، مسجلة هي الأخرى أن “التعاونية تُشغل في الوقت الحالي حوالي 14 امرأة تكافحن وتجتهدن من أجل الحفاظ على جودة المنتوج وتطوير مهاراتهن”.
وأضافت رئيسة التعاونية النسوية “البركة” لإنتاج وتسويق المنتوجات المحلية بتافراوت، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المرأة في سوس أصبحت منتجة ومساهمة أساسية في إنعاش الدورة الاقتصادية المحلية؛ بل وفي خلق فرص الشغل”، مشددة على أن هذه المرأة “استطاعت، من خلال عملها التعاوني، أن تنتزع الاعتراف بها وبجهودها من طرف المجتمع المحلي وفرضت وجودها في هذا الأخير الذي كانت تهيمن عليه النزعة الذكورية إلى وقت قريب”.
فرص عديدة ودعم مؤسساتي
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال العرب عروب، رئيس الشبكة الإقليمية للاقتصاد الاجتماعي التضامني بتيزنيت، إن “حوالي 80 في المائة من التعاونيات في جهة سوس ماسة هي تعاونيات نسوية، وهو ما يدل على الدور الفعال الذي تلعبه المرأة في تثمين المنتج المحلي وإنعاش الاقتصاد المجتمعي والحفاظ على التماسك الأسري والمجتمعي عن طريق تحسين دخل الأسرة ومستواها المعيشي وكذا الترويج للمنتجات المحلية وطنيا ودوليا من خلال المشاركة في المعارض الدولية”.
وأضاف عروب، في تصريح لهسبريس، أن “انخراط المرأة في منظومة الاقتصاد الاجتماعي التضامني من خلال التعاونيات يوفر مجموعة من فرص الشغل لفائدة عدد من الأشخاص الذين يدخلون في سلسلة الإنتاج والتسويق، أضف إلى ذلك دور المرأة على هذا المستوى في الحفاظ على الموروث الثقافي المغربي الذي غزته المكننة والإنتاج العصري من خلال مجموعة من الحرف والمهن التقليدية التي تزاولها وكذا الطقوس والأعراف التي تمارسها علاقة بعملية الإنتاج”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “النساء، ومن خلال عملهن هذا، يساهمن أيضا في نقل هذه الحرف والمهن إلى الأجيال المقبلة؛ وبالتالي المحافظة على الموروث الثقافي المحلي، وإن بأساليب وآليات إنتاج وتوسيق جديدة”، مشددا على أن “النموذج التنموي الجديد يراهن على الاقتصاد الاجتماعي التضامني كاقتصاد ثالث لامتصاص اليد العاملة وخلق المزيد من فرض الشغل وتحريك عجلة التنمية، من خلال هذه المبادرات الفردية النسائية التي تدعمها الدولة وتشجعها عن طريق مؤسساتها ووكالاتها بمجموعة من البرامج، وبالتالي تحقيق عدالة النوع الاجتماعي والعدالة الجمالية”.