يوم المرأة العالمي: لماذا تُمنع النساء من الجري في العراق؟
على ضفاف شط العرب وفي مدينة البصرة جنوبي العراق، كانت سهى، الطالبة الشابة ذات الـ 22 عاماً، تلتزم بروتينها الرياضي اليومي، استعداداً للمشاركة في فعالية الماراثون المقرر إقامته في شهر فبراير/ شباط.
وكانت سهى تبذل قصارى جهدها لتحقيق هدفها في إتمام السباق، عن طريق ممارسة التمارين الرياضية وزيادة مسافة الجري اليومي.
لكن قراراً مفاجئاً أفسد آمالها، فاستبعدت من المشاركة في الماراثون فقط لأنها امرأة.
اندلع الجدل حينما تدخلت قيادات دينية في تفاصيل فعالية الماراثون التي كانت المشاركة فيها بالبداية مفتوحة لجميع أطياف المجتمع، وسجل فيها أكثر من 15 ألف شخص. كان تحديهم هو قطع مسافة 13 كم من منطقة سفوان إلى جبل سنام جرياً.
وعلى الرغم من تحقيقها لتقدم ملحوظ في التدريبات، إلا أن سهى وغيرها من مئات المشاركات وجدن أنفسهن أمام حظر مفاجئ.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تشهد فيها مدينة البصرة فعاليات مماثلة، ولكن الضجة التي أثارها الماراثون هذا العام كانت غير مسبوقة، إذ أصبح الماراثون محط اهتمام رجال الدين وزعماء العشائر، الذين طالبوا السلطات بإلغائه فوراً، وهددوا باتخاذ مواقف حازمة في حال عدم الاستجابة.
وأشاروا إلى أن الماراثون قد يؤدي إلى “فقدان العفة والشرف” لنساء البصرة، ما زاد من حدة الجدل والتوتر في المدينة.
وبالفعل، بعد تداول فيديو لرجل دين ينتقد فيه الماراثون بشكل واسع، أعلن منظمو الفعالية أن ماراثون البصرة “سيكون للذكور فقط، حفاظاً على سلامة الجميع”، لتقام الفعالية الرياضية في التاسع من فبراير/ شباط الماضي من دون أي مشاركة نسائية.
فتوى ضد جري النساء
“كنت أطمح لإظهار قدراتي ومهاراتي في الماراثون، وكان هذا التحدي يشكل هدفاً شيقاً بالنسبة لي، فأنا أحب الرياضة والتزم بالتدريب بانتظام”، تقول سهى (وهو اسم مستعار) لبي بي سي.
وتضيف أن قرارها بالانسحاب كان “مؤلماً”، فهي كانت تحدد أهدافها وتعمل عليها بجدية، فبدأت بالركض لمدة 30 دقيقة يومياً، ثم زادت المدة تدريجياً إلى 45 دقيقة، وبعدها إلى ساعة كاملة، حتى استطاعت أخيراً الركض لمسافة تسعة كيلومترات في أقل من ساعة وعشر دقائق.
لكن سرعان ما تحول الحديث عن الماراثون من فعالية رياضية، كان من شأنها الترويج للسياحة في المدينة العريقة، إلى قضية سياسية مجتمعية تناقش أحقية المرأة بالمشاركة في الماراثون، وتشوبها تهديدات من قبل بعض رجال الدين، جعلت سهى تتراجع عن قرارها بالانضمام.
“بعد أن سمعت عن التهديدات الموجهة ضد المشاركات، غمرتني مشاعر الخوف والقلق، ودفعني ذلك للانسحاب والاستسلام للأمر الواقع”، تضيف سهى.
لكن لماذا استخدم رجال الدين شعبيتهم الواسعة ومنصاتهم للحديث عن الماراثون وجري النساء؟ رجل الدين الشيعي، صالح الجيزاني، وصف المشاركة النسائية بـ”الانفتاح المنحرف”.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل قال رجل دين آخر إن الرقم 13، وهو عدد الكيلومترات التي يجب على المتسابقين أن يركضوها، هو “رقم ماسوني”.
كذلك شكك رجل الدين نفسه بدوافع النساء للمشاركة في سباق للجري بسبب “خصائص أجسادهن المختلفة عن الرجال”.
أثارت هذه التصريحات قلقاً وضجة بين نشطاء ومدافعين عن حقوق المرأة في البلاد، وطالب بعضهم بمقاطعة الماراثون بشكل كامل.
في حديث مع بي بي سي، قال أحد منظمي الماراثون، والذي فضّل عدم الكشف عن هويته، “تعرضنا لتهديدات كبيرة خاصة من قبل رجال الدين، ولكن تجاهلناها في البداية، وبعدها تحولت إلى ضغوطات وتهديدات من قبل مسؤولين في السلطة، وحتى آخر لحظة لم نكن راغبين في إلغاء مشاركة النساء بالماراثون”.
ويضيف: “بدأنا نستقبل رسائل تهديدية تقول إن شاركت النساء في الفعالية، فسيتعرضن للقتل والتحرش، وهذا ما جعلنا نتراجع، حفاظاً على حياتهن وخوفاً من تعرض المشاركات للأذى”.
وكان منظمو الماراثون قد أعلنوا في البداية عن وجود قوى أمنية تحمي النساء من أي مضايقات خلال الفعالية، واعتبرت بعض المشاركات هذا الأمر “خطوة مشجعة”، لكن أخريات لم يجدنها كافية.
تقول أمل، وهي مدربة سباحة في البصرة، “أفضل لو كانت للذكور والإناث أماكن مختلفة مخصصة للجري والتحضيرات، قبل وبعد الفعالية مثل خيم الانطلاق، هذا قد يجعلنا نشعر بالأمان أكثر.”
قرار سياسي أم عشائري؟
بعيداً عن تداعيات القرار المباشرة التي منعت سهى ومئات العراقيات المتطلعات للمشاركة في الماراثون، تعبّر هيلين حسن، مديرة منظمة تحمل اسم “فريق نسويات البصرة”، عن قلقها من تبعات القرار المستقبلية، إذ وصفت الحقوقية والناشطة النسوية القرار بـ”المخيف”، فدور الأعراف العشائرية في المجتمع العراقي، والتي تحكم واقع المرأة، حسب هيلين حسن، لم يكن يتجلى بشكل واضح بالقرارات الاجتماعية الحكومية، أما الآن فما شهدته البصرة من “خضوع الحكومة المحلية لأصوات متطرفة يثير القلق”.
وتشكك حسن بما وصفته بالرواية التي تروج لها الحكومة عن انفتاح مدينة البصرة ترحيبها بالسياحة وتبني قرارات تقدمية تحت قيادة المحافظ أسعد العيداني مثل في استضافة كأس الخليج 2023، وهو أول حدث رياضي بارز يستضيفه العراق منذ عقود.
وتتحدث هيلين حسن عن علاقة وثيقة تربط رجال الدين بالسلطة المحلية. وتقول إن الماراثون ليس “المثال الوحيد على قمع المرأة وإبعادها عن الحياة تحت ذريعة الشرف”، وتستشهد بقضية تزامنت مع الماراثون في شهر شباط/فبراير، إذ أثار عرض أزياء في مركز شنشل التجاري ضجة في البصرة، بعدما رفع المحافظ دعوى ضد المركز التجاري وأمر بإغلاقه، معتبراً العرض “خادشاً للحياء”، كما قال في بيان إن الحكومة تتخذ إجراءات قانونية ضد “الذين يقومون بكسر القواعد الاجتماعية ويخلّون بالعفة وخدش الحياء العام”.
وترى هيلين حسن أن الحكومة وزعماء العشائر يتبعون نفس المدرسة الفكرية. “لا أقتنع بهذه الصورة المدنية التي يسوقون لها”. وتؤكد على ضرورة الحفاظ على الأصوات المدنية في البصرة، “ضد من يستخدمون السلاح والخوف لفرض سلطتهم.”
ويقول منظمو الماراثون لبي بي سي إنهم مصممون على مشاركة النساء في العام القادم حتى لو تعرضوا للتهديد “سنستخدم الضغط الإعلامي قبل الفعالية للتأكيد على ذلك، وسنتعلم من أخطائنا ونقيم الماراثون داخل مدينة البصرة من أجل السيطرة عليه أمنياً بشكل كامل”.
وتتميز البصرة بتاريخها العريق، إذ تفيد كتب التاريخ الإسلامي بأنها شيدت في القرن الأول الهجري أي منذ أكثر من 1400 عام. وخلال تلك الفترة اشتهرت المدينة بكونها واحدة من مراكز الثقافة الإسلامية بشعرائها وفقهائها.
كما كانت البصرة مقراً لمدرسة شهيرة في النحو كما هو الحال مع إحدى جماعات فرقة المعتزلة. ويبلغ عدد سكانها أكثر من 1.4 مليون نسمة، كما تعد الميناء الرئيسي للعراق.
يختتم أحد منظمي الماراثون حديثه مع بي بي سي بالتطلع للمستقبل مرة أخرى ويقول: “سننتصر ونحصل على المدينة التي نريدها، سنظهر الجانب الإيجابي لمدينتنا، وسنقاتل من أجل تحقيق مدنية البصرة”.