باحثون يحدّثون تاريخ الداخلة التجاري انطلاقا من وجود موقع أثري استثنائي
كشف الباحث الشيخ المامي أحمد بازيد “وجود موقع أثري استثنائي مهم في قلب صحراء جهة الداخلة وادي الذهب، يعيد إلى الجهة مركزيتها التاريخية كملتقى تجاري ونقطة رئيسية لتجارة قوافل الصحراء في الغرب الإفريقي”.
ووفق ما استقته هسبريس فإن هذا جاء بعدما استعرض الباحث، في لقاء بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط، خرائط ووثائق تاريخية تشير إلى بناية برتغالية تعود إلى القرن الخامس عشر في منطقة تنواكه الواقعة بإقليم وادي الذهب.
وذكر بازيد أن هذه المصادر من بينها وثيقة صادرة سنة 1887 عن البعثة الاستكشافية الإسبانية، التي ترأسها المهندس الإسباني خوليو سيرفيرا، خلال زيارة للموقع الذي وصفته قائلة: “في نكجير توجد آبار تينواكا، التي مازال بإمكانك رؤية أنقاض مصنع برتغالي قديم في محيطها”، وهو ما تضاف إليه تقارير استعمارية أخرى “من أبرزها تقرير المجلة الفرنسية (Revue du monde musulman) في عددها الصادر سنة 1921، إذ قال إن هذه المنشأة البرتغالية تقع في سبخة تنواكه”، واعتبرتها “من أهم مناجم الملح بعد تاودني بمالي وإيجيل بموريتانيا”.
وذكر الشيخ المامي أن “احتكاك البرتغاليين بسواحل جهة الداخلة وثَّقَهُ المؤرخ البرتغالي خواو دي باروس (القرن 16)، حيث يصف كيف لقي القائد البرتغالي سنترا حتفه نتيجة مقاومة الساكنة للاستعباد، في حادثة شهيرة بين سنتي 1445 و1444، وخلدها المكان الذي مازال يحمل اسمه إلى اليوم في ساحل جهة وادي الذهب”، وهي “الحادثة التي دفعت البرتغال إلى مراجعة سياستها الاستعمارية ومحاولة توسيع مجال تجارتها ليشمل العمق الصحراوي”.
وواصل الباحث ذاته: “تؤرخ لذلك رحلة جوآو فرنانديش في صحراء جهة وادي الذهب التي مكث فيها سبعة أشهر(1445م) ليخرج لنا أحد أقدم النصوص التاريخية حول وضعية هذه الجهة ومحيطها من زاوية برتغالية دونها المؤرخ غوميش أيانيش دي آزورار”.
وقُدّمت هذه التفاصيل في لقاء جمَع أطر وطلبة المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وجمعية السلام لحماية التراث البحري، وشهد تدخل عيسى يوسف، المدير العام لهيئة الشارقة للآثار بدولة الإمارات، لمناقشة “التراث الثقافي الساحلي والمغمور بالمياه”، بتزامن مع إطلاق شعبة التراث المغمور بالمياه بالمعهد، وفق ما كشفه مديره عبد الجليل بوزوكار.
وتوجه هذا اللقاء إلى طلبة المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث من أجل “دراسة تاريخ السواحل الذي مازال خصبا”، علما أن “معرفة الساحل تمكن من العثور على مواقع أثرية جديدة في عمق البحار واليابسة”، وفق ما ذكره الشيخ المامي، رئيس الجمعية المهتمة بحماية التراث البحري، الذي استحضر أيضا مضامين دراسة أصدرتها الجمعية حول “التراث الثقافي المغمور بالمياه.. ثروة الصحراء المجهولة”، قائلا إنها “تتضمن مؤشرات ومعطيات تاريخية جديدة”.
ومن بين ما عرفته أطوار لقاء المعهد الوطني لعلوم الآثار تقديم عز الدين كرا، ممثل اتفاقية اليونسكو 2001 بالمغرب، مضامين الاتفاقية، وتأطير ربيعة حجيلة، أستاذة التعليم العالي بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث محور مستقبل البحث الأكاديمي في التراث المغمور بالمياه بالمغرب؛ في حين قدمت شميشة كون، رئيسة قسم التراث المنقول والتراث المغمور بالمياه، عرضا حول إستراتيجية مديرية التراث الثقافي في التدبير الإداري للتّراث المغمور بالمياه.
وجاء هذا اللقاء مع الباحثين والطلبة المتخصصين في علوم الآثار في سياق جهود حماية وتثمين التراث الثقافي الساحلي والمغمور بالمياه، التي من بينها مبادرات وأبحاث لجمعية حماية التراث المائي اكتشفت في السنوات الماضية سفينة القيصر الألماني، وجردت وحددت مواقع أولية لحطام سفن تاريخية، إلى جانب ترميم مواقع أثرية، مثل حصن الفورتي بمدينة الداخلة، وتنظيم الملتقى الدولي للساحل بشكل دوري.