اليوم العالمي للمرأة 2024: تاريخ، مسيرات واحتفالات
منذ أكثر من مئة عام، جرى تخصيص الثامن من مارس/آذار يوما عالميا للمرأة.
ربما تكون قد سمعت عبارة “اليوم العالمي للمرأة” تتردد في وسائل الإعلام أو بين أحاديث الأصدقاء.
ولكن ما سبب تخصيص هذا اليوم بالذات للمرأة؟ وما هو تاريخه المحدد بين أيام السنة؟ وهل ثمّ يوم عالمي للرجل في المقابل؟ وما أهمية مثل هذا التقليد؟
كيف بدأ الأمر؟
خرج اليوم العالمي للمرأة من رحم الحركة العمالية ليصبح حدثا سنويا معترفا به من قبل الأمم المتحدة.
وكانت بذور هذا اليوم قد غُرست في عام 1908، عندما خرجت 15 ألف امرأة في مسيرة جابت مدينة نيويورك مطالبات بتخفيض عدد ساعات العمل، وبزيادة الأجور، وبالحق في التصويت.
وفي العام التالي، أعلن الحزب الاشتراكي الأمريكي عن اليوم العالمي للمرأة لأول مرة.
وكانت فكرة أن يكون هذا اليوم عالميا قد تفتّقت عنها ذهنية امرأة تدعى كلارا زيتكن. وكانت كلارا ناشطة يسارية وحقوقية نسوية.
واقترحت كلارا الفكرة في عام 1910، وكان ذلك في مؤتمر دولي للمرأة العاملة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، وسط حضور 100 امرأة أخرى من 17 دولة، وقد لقيت فكرة كلارا موافقة الحضور بالإجماع.
ليكون الاحتفال الأول بهذا اليوم عالميا في عام 1911، وذلك في كل من أستراليا والدنمارك وألمانيا وسويسرا. وفي عام 2011 جرى الاحتفال بمئوية اليوم العالمي للمرأة.
واكتسب الاحتفال باليوم العالمي للمرأة طابعاً رسميا في عام 1975، عندما بدأت الأمم المتحدة تحتفل بذلك اليوم.
ومن بعدها، أصبح يوم الثامن من مارس/آذار تاريخا للاحتفال عالميا بالمرأة أيّا كان موقعها من المجتمع، سياسيا أو اقتصاديا، بينما كانت الجذور السياسية لذلك الحدث تعني إضرابات ومظاهرات نُظّمت بالأساس لرفع الوعي بعدم المساواة القائمة بين الجنسين.
لماذا يوم الثامن من مارس/آذار تحديدا؟
عندما اقترحت كلارا زينكن إطلاق يوم عالمي للمرأة، لم تحدد يوما بعينه.
ولم يتخذ الأمر طابعا رسميا قبل إضراب جرى تنظيمه في زمن الحرب وتحديدا في عام 1917، عندما طالبت نساء روسيات بـ “الخبز والسلام”– ومع دخول ذلك الإضراب يومه الرابع، اضطر القيصر إلى الإذعان لمطالب هؤلاء النسوة المضربات، كما أقرّت لهن الحكومة بالحق في التصويت.
وكان اليوم الذي بدأت فيه الروسيات إضرابهن هو الأحد 23 فبراير/شباط بالتقويم اليولياني (الرومي) الذي كان معمولا به في روسيا آنذاك. وكان ذلك اليوم يوافق الثامن من مارس/آذار تبعا للتقويم الغريغوري (الميلادي) المعمول به الآن.
لماذا يرتدي الناس ملابس أرجوانية اللون؟
يعتبر اللون الأرجواني، إضافة إلى اللونين الأخضر والأبيض، هي الألوان المميزة للاحتفال باليوم العالمي للمرأة.
ويرمز اللون الأرجواني للعدالة والكرامة. أما الأخضر فيرمز للأمل، بينما اللون الأبيض يرمز للنقاء.
ويعود مصدر تلك الألوان إلى الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة في المملكة المتحدة في عام 1908، وفقاً للموقع الإلكتروني لليوم العالمي للمرأة.
هل هناك يوم عالمي للرجل؟
نعم، هناك بالفعل يوم عالمي للرجل في 19 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.
لكن يوم الرجل لم يعيّن قبل حقبة التسعينيات، بينما لم تعترف به الأمم المتحدة حتى الآن. على أن الناس يحتفلون به في أكثر من 80 دولة حول العالم.
ويُحتفى في يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بـ “ما يضيفه الرجال من صفات إيجابية للعالم ولعائلاتهم ولمجتمعاتهم” بحسب المنظمين للاحتفال، كما يتم تسليط الضوء على نماذج إيجابية، ورفع الوعي الصحي لدى الرجال، فضلا عن تحسين العلاقات بين الجنسين.
ما هي أجواء الاحتفال باليوم العالمي للمرأة؟
يعتبر اليوم العالمي للمرأة عطلة رسمية في عدد من الدول، بينها روسيا حيث تتضاعف مبيعات الزهور خلال الأيام الثلاثة أو الأربعة حول يوم الثامن من مارس/آذار.
وفي الصين، تُمنح نساء عديدات نصف يوم عُطلة، في الثامن من مارس/آذار، وفقا لتوجيهات السلطات.
وفي إيطاليا، يُحتفل باليوم العالمي للمرأة عبر تهادي زهور الميموزا، في تقليد لا يُعرف كيف نشأ على وجه الدقة، لكن يُعتقد أنه بدأ في روما بعد الحرب العالمية الثانية.
أما في الولايات المتحدة، فيعتبر مارس/آذار شهراً للاحتفاء بتاريخ المرأة؛ حيث يصدر في كل عام إعلان رئاسي يعدّد إنجازات المرأة الأمريكية.
ما موضوع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذا العام؟
اتخذت الأمم المتحدة عنوانا للاحتفال باليوم العالمي للمرأة لهذا العام هو “الاستثمار في النساء: تسريع وتيرة التقدم”. ويسلط العنوان الضوء على قلّة الاستثمارات في مضمار تدابير المساواة بين الجنسين.
وقد يدفع “اشتعال الصراعات، وغلاء أسعار السلع، العديد من الدول (نسبة 75 في المئة من الدول) إلى خفض الإنفاق العام بحلول عام 2025، بما يؤثر بالسلب على النساء وما يُقدّم إليهن من خدمات ضرورية”، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
وتشير التقديرات إلى الحاجة إلى 360 مليار دولار (284 مليار جنيه استرليني) إضافية سنويا، إذا كان العالم يرغب في تحقيق المساواة بين الجنسين بحلول عام 2030.
لكن ثمة موضوعات أخرى من المقرر أن تثار خلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذا العام؛ ومن ذلك فكرة “التشجيع على الاندماج” والمشاركة من أجل “كسر الحواجز وتحدّي الصور النمطية وتهيئة البيئات لاحترام وتقدير كل النساء”.
لماذا نحتاج إلى الاحتفال بيوم عالمي للمرأة؟
في العام الماضي، ناضلت نساء في دول عديدة، مثل أفغانستان وإيران وأوكرانيا والولايات المتحدة، في سبيل حقوقهن، رغم الحروب وأعمال العنف وتغيّر السياسات في بلادهن.
وفي منطقة الشرق الأوسط، تواجه النساء موجات عاتية من العنف في ظل اندلاع أحدث الصراعات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويقول خبراء في الأمم المتحدة إنهم تلقوا ادعاءات قابلة للتصديق بوقوع انتهاكات ضد نساء وفتيات في غزة، بما في ذلك حالات اغتصاب على أيدي قوات إسرائيلية، إلى جانب أدلة (اطلعت عليها بي بي سي) على حالات اغتصاب وعنف جنسي ضد نساء في أثناء تنفيذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول على أيدي عناصر تابعة لحركة حماس.
وقد شهد هذا الصراع تحمُّل النساء وطأة الأزمة؛ ففي الشهر الأول من الصراع وضعت نحو 5,500 امرأة حملها في غزة في ظل نقص الإمدادات الطبية، وفقاً لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وفي أفغانستان، لا تزال فتيات تجاوزن سن الالتحاق بالمدرسة الابتدائية محظورات من دخول المدرسة على أيدي حركة طالبان التي تُنكر على المرأة حقها في التعليم على قدم المساواة مع الرجل.
وفي السودان، أدى الصراع المحتدم بين القوات المسلحة السودانية من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى إلى آثار مدمرة.
وأفادت تقارير بتعرّض نساء وفتيات للاختطاف والاغتصاب في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث يجري إجبارهن على الزواج أو يُختطفن طلباً للفدية، وفقا للأمم المتحدة.
وتشير التقديرات إلى نزوح أكثر من 1.2 مليون إنسان من السودان إلى دول الجوار، وما يقرب تسعة من كل عشرة من طالبي اللجوء الفارين من الصراع السوداني هم من النساء والأطفال
وفي سبتمر/أيلول المقبل، يكون قد مرّ عام على مقتل الشابة مهسا أميني ذات الـ 22 ربيعا، التي لفظت أنفاسها في قبضة شرطة الأخلاق التي ألقت عليها القبض بتهمة خرق قواعد اللباس المعمول بها في إيران؛ حيث تطالَب النساء بتغطية شعرهن.
ولا تزال نساء كثيرات تتحدّين هذه القواعد المتشددة، بينما تواجه الحائزة على جائزة نوبل للسلام نرجس محمدي عقوبة مطوّلة بالسجن.
وشهد العام الماضي، رغم كل شيء، بعضا من التقدّم.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، اعتمد البرلمان الأرجنتيني قانون أوليمبيا الذي يستهدف منع العنف القائم على أساس الجنس عبر الإنترنت ومعاقبة المتورطين.
وتعرضت واحدة من بين كل ثلاث نساء في الأرجنتين للعنف عبر الإنترنت، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
شهدت تايوان موجة من ادّعاءات التعرض للعنف الجنسي، والتي أثارها أحد عروض نتفليكس الذي أشعل بدوره حركة (أنا أيضا- Me Too) في تايوان.
وحدا ذلك بالحزب الديمقراطي التقدمي إلى تشديد القوانين المناهضة للتحرش الجنسي، عبر تدابير جديدة تسهّل فتح قنوات للإبلاغ عن الحوادث والتي يتعين على أرباب العمل التحقيق فيها جميعا ورفع تقارير بشأنها إلى السلطات المحلية.
وفي المكسيك، رحبت جماعات حقوقية نسوية بإلغاء تجريم الإجهاض في البلاد في سبتمبر/أيلول الماضي. وجاء ذلك الإلغاء بعد حملة من الدعوات لتخفيف القيود المفروضة على الإجهاض في أنحاء أمريكا اللاتينية والتي يشار إليها باسم (الموجة الخضراء).
وفي فرنسا، صوّت البرلمان مؤخرا بأغلبية على تضمين حق المرأة في الإجهاض بدستور البلاد.
وفي أستراليا ونيوزيلندا، شهدت المدرجات في كأس العالم للنساء في يوليو/تموز وأغسطس/آب، حضور نحو مليونَي مشجّع، بزيادة تجاوزت 600 ألف عن أعلى رقم سُجل في هذا المضمار. ويعكس ذلك تزايدا في الاهتمام بالرياضة النسوية.
وشاهد 46.7 مليون شخص (وهو رقم قياسي) منافسات رياضية نسوية على الشاشات في المملكة المتحدة في عام 2023.
على أنّ ما كان ينبغي أن يصبح يوماً للاحتفال بالفريق الإسباني الفائز بكأس العالم، جاءت قُبلة طبعها رئيس اتحاد كرة القدم الإسباني السابق لويس روباليس على شفتَي اللاعبة جينيفر هيرموسو واختطفت الأنظار.
وقالت هيرموسو إن القُبلة لم تكن برضاها، قبل أن تتقدم بشكوى قضائية ضد روباليس الذي استقال من منصبه وأنكر ارتكاب أي خطأ.
ورغم ذلك، أثارت الحادثة جدلا واسعا حول ثقافة التمييز بين الجنسين، سواء في داخل كرة القدم النسوية أو خارجها.