العابرون جنسيا: هل تتصالح الكويت مع مجتمع الميم-عين؟
“من يغسل جثة العابر جنسيا قبل الدفن”؟
سؤالٌ رفعته إدارة الجنائز في بلدية الكويت منذ فترة قصيرة لإدارة الإفتاء التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد وصول جثث عابرين جنسيا، بعضها خضع لعملياتٍ جراحية تصعّب معرفة جنس الميت.
سؤالٌ أعاد تسليط الضوء على واقع هذه الفئة اجتماعيا وقانونيا، حيث أصبحت هوية العابرين جنسياً جزءًا من الحروب الثقافية حول العالم.
الترانسفوبيا أو رهاب العبور الجنسي، ما زال من المواضيع المحظورة في المجتمعات العربية، وسط رفضٍ من قبل الأفراد والمجتمع لتقبّل الأشخاص العابرين جنسيا أو جندريا.
“أنت مش ابننا… أنت في النار”
هكذا كان ردّ فعل أهل “أمل” (اسم مستعار) لدى مصارحتهم بشعورها أنها أنثى.
“أمل” هي عابرة جنسيا تبلغ من العمر 30 عاما، تعيش اليوم في إحدى الدول الأوروبية حيث تكمل دراستها.
تحدثت لبي بي سي نيوز عربي عن المعاناة التي عاشتها في الكويت، والضغوط النفسية التي تعرّضت لها جراء رفض الأهل والمجتمع لها.
في عمر الثانية والعشرين، اختارت “أمل” أن تخضع لعملية تغيير للجنس في تايلاند، وأوّل ردّ فعل من قبل الأهل، النكران، فهي “عار على العائلة”، أو هكذا كان يُنظر إليها، كما تقول.
وبحجة الإدمان على المخدرات، أُدخلت “أمل” إلى مستشفى للأمراض النفسية وأمراض الإدمان في بلد خليجي قريب.
وبالتوازي مع رفض الأسرة لها، واجهت رفضا قاطعا من قبل المجتمع أيضا.
تعرّضت لتوقيفات أكثر من مرة بتهمة التشبه بالجنس الآخر، وزجّت في السجن في قسم الرجال تحديدا.
هناك، تتحدث “أمل” عن تعرضها لمختلف أنواع التحرّش اللفظي والجسدي حتى من طرف مسؤولين في السجن.
وكما تخبر عن حالها، دخلت حال اكتئاب وعانت من صدمة التعامل مع المجتمع، فانطوت على نفسها في منزلها، إلى أن قررت منذ نحو سنتين أن تسافر إلى الخارج، حيث حصلت على مساعدة من منظمات حقوقية.
“هنا فُتحت لي فرصة جديدة للعيش”، تقول “أمل”، التي تتابع دراستها في اختصاص الفنّ التشكيلي وتصميم الأزياء.
قصة “أمل” هي واحدة من القصص التي يعيشها مئات من مجتمع الميم عين في منطقة الخليج، وتحديدا في الكويت.
كثير منهم يعيشون في الظلّ، يُضطرون أحيانا لإخفاء ملامحهم نظرا لعدم تقبّل المجتمع والدّين والدولة لهم … حتى أن بعضهم يُجبَر على ترك البلاد والسفر للخارج بحثا عن مساحة من الحرية الشخصية.
الوضع النفسي للعابرين جنسيا ولمجتمع الميم في الكويت
وفي هذا الإطار تقول نائبة مدير حقوق مجتمع الميم-عين في هيومن رايتس ووتش، رشا يونس، لـ بي بي سي نيوز عربي إن “الأشخاص العابرين والعابرات جندريا في الكويت يواجهون عنفا ممنهجا وتمييزا بنيويا على يد الشرطة وأجهزة الدولة بناء على هويتهم الجندرية، ولا يحميهم القانون”.
وتضيف يونس إن هذا التمييز يطال مختلف تفاصيل حياتهم، في السكن والتعليم والتوظيف وفي الصحة، ولا سيما عندما لا تتطابق أوراقهم الثبوتية مع شكلهم الجندري الجديد، وهو ما يسبب خطرا كبيرا عليهم من قبل أفراد يرون أنّ لهم الحق بالتعدي لفظيا أو جسديا أو حتى إلكترونيا على الأشخاص بناء على هويتهم الجندرية، لأنهم ببساطة يستطيعون الإفلات من العقاب، بحسب يونس.
من جهتها، تعتبر الناشطة الكويتية في مجال حقوق الإنسان المحامية، نيفين معرفي، أن الكويت دولة إسلامية لها عاداتها وتقاليدها، وبالتالي هذه الفئة من الأشخاص تتعرّض لمضايقاتٍ وتنمّرٍ وضغوطٍ نفسية يمارسها المجتمع والدولة، وأحيانا الأهل.
تتحدث معرفي لـ بي بي سي نيوز عربي عن حالاتٍ قصدتها، عايشت ظروفا قاسية منذ نشأتها، كمن تعرّض لاغتصاب من قبل أحد أفراد عائلته أو أحد المقرّبين، وبالتالي هؤلاء مجني عليهم ولا يجوز وضعهم في خانة الاتهام والإجرام، كما تقول.
وتضيف معرفي أن العلاج النفسي واجبٌ لا بل ضرورة في كثيرٍ من الحالات، وعلى الدولة توفير هذا العلاج بدل إصدار تشريعات تُتعب وترهق هذه الفئة، على حد تعبيرها، ولكن للأسف لا جمعياتٍ في الكويت تُعنى بهكذا حالات، الأمر الذي يضطرّ بالبعض منهم إلى السفر للخارج ليخضعوا لعلاجٍ نفسي خاص.
الوضع القانوني للعابرين جنسيا في الكويت
لطالما اعتبر التشبه بالجنس الآخر في الكويت مجرّما ويُعاقب عليه، ولكن عام 2022 حصل تطوّرٌ قضائي ملفت: قضت المحكمة الدستورية الكويتية بعدم قانونية ودستورية المادة 198 من قانون العقوبات التي تجرّم التشبه بالجنس الاخر.
ولكن حتى بعد تلك الخطوة، ما زال هناك خلافٌ قانوني وضبابية في ما خصّ تجريم تلك الفئة.
نائبة مدير حقوق مجتمع الميم-عين بالإنابة في هيومن رايتس ووتش رشا يونس اعتبرت أن المادة 198 من قانون العقوبات التي تم تعديلها في العام 2007 استخدمت على مدى أكثر من 15 عاما ضد الأشخاص العابرين جنسيا خصوصا ضد النساء العابرات جندريا، وذلك لتبرير اعتقالهنّ تعسفيا وسجنهنّ أحيانا مع الرجال أو في حبس انفرادي والاعتداء عليهنّ من قبل الشرطة ورجال الأمن في السجون جنسيا ولفظيا وجسديا.
يونس أضافت أن ما حصل عام 2022 خطوة مهمة وإيجابية، أدت إلى توازن وعدالة اجتماعية وسياسية وقانونية للأشخاص العابرين جندريا، لكنها أعربت عن قلقها من عدم اتخاذ مجلس الأمة الكويتي حتى اليوم قرارا بإلغاء تعديل تلك المادة.
وشددت يونس على وجوب إزالة المادة 198 من قانون العقوبات كخطوة أولى، ليحلّ مكانها قانون حمايةٍ قانونية للأشخاص العابرين جندريا من التمييز والعنف الذي قد يتعرّضون له.
بحسب الناشطة في مجال حقوق الإنسان المحامية نيفين معرفي، يطالب كثيرٌ من المشرّعين بتجديد وتغليظ العقوبات على هؤلاء الأشخاص، بينما يعتبر آخرون أن الموضوع عبارة عن حرية شخصية طالما أن الأفعال والممارسات بعيدة عن الفعل الفاضح الذي يحاسِب عليه القانون.
المحامية الكويتية شهد بوقماشة تعتبر من جهتها أن المحكمة الدستورية بقرارها المتعلق بتلك المادة، ليست مؤيدة للمتشبّهين بالجنس الآخر، بل يعود لها تكييف الوقائع، مثلا يمكن لحالاتٍ أن تندرج تحت جريمة التحريض على الفجور أو الدعارة أو الفعل الفاضح، بحسب رأيها.
“من يغسل جثة العابر جنسيا قبل الدفن”؟
منذ فترة انشغل الرأي العام الكويتي بسؤالٍ رفعته إدارة الجنائز في بلدية الكويت لإدارة الإفتاء التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حول من يغسل جثة العابر جنسيا، وذلك بعد وصول جثث عابرين جنسيا، بعضها خضع لعملياتٍ جراحية تصعّب معرفة جنس الميت.
فكان جواب هيئة الفتوى حاسما، وقالت إن المرجع الشرعي هو تقرير الطبيب المسلم المختص، فإذا قضى بأنه ذَكر يُعدّ ذكراً ويغسّله الرجال، وإذا قضى بأنها أنثى تعدّ أنثى وتغسلها النساء.
بحسب خبراء قانونيين تحدثوا لـ بي بي سي عربي، فإن قرار هيئة الفتوى لا صفة إلزامية له لأنه ليس قانونا وليس قرارا إداريا ملزما، بل هو رأي ديني من ضمن اجتهادات أخرى، وبالتالي غسل الميت وتكفينه مسألة دينية لا يتدخل فيها القانون.
هل العمليات الجراحية لتغيير الجنس مسموحة في الكويت؟
الجدل في الكويت حول غسل جثث العابرين جنسيا، يطرح السؤال: هل يُسمح بإجراء عمليات جراحية لتغيير الجنس في الكويت؟
بحسب القانون رقم 70 لعام 2020 والمتعلق بمزاولة مهنة الطب، فقد نصّت المادة 19 منه صراحةً على أنه يجوز إجراء العمليات والجراحات الطبية التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير نوع جنس الشخص فقط في حالات محددة، كأن تكون ملامح الشخص الجسدية مخالفة لخصائصه الفيزيولوجية أو البيولوجية أو الجينية… بشرحٍ أن يكون انتماؤه الجنسي غامضا بين الذكورة والأنوثة.
في هذه الحالة، يُعرض الشخص على لجنة طبية شرعية، يعود لها وحدها تحديد جنسه والموافقة على خضوعه لعملية جراحية.
وفي هذا الإطار، تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان المحامية، نيفين معرفي، إن حالات مماثلة تتحمّل مسؤوليتها الدولة وتحديدا وزارة الصحة حصرا من حيث كلفة العملية الجراحية وتكاليف العلاج، على أن يُصار إلى تعديل جنس الشخص على بطاقة الهوية وتصحيح المستندات الرسمية، ولكنها تضيف أنه حتى اليوم لم تُسجّل حال مماثلة في الكويت.
إذا من يخضع لعمليات تغيير للجنس بموافقة من الطبّ الشرعي الكويتي تعدَّل أوراقُه الرسمية، أما من يأخذ الأمر على عاتقه في الخارج، فيبقى على جنسه كما جاء في وثيقة الميلاد الأساسية.
أضف إلى ذلك تقول معرفي، إن هؤلاء يواجهون مشكلة قانونية لدى عودتهم إلى الكويت بسبب التغيّر في الشكل والذي لا يتطابق مع الجنس المذكور على المستندات الرسمية عند مرورهم عبر المنافذ الرسمية، وتتمّ إحالة الكثير منهم إلى التحقيق بسبب اللُبس الذي قد يقع.