مشروع التطبيع مع إسرائيل مستحيل.. و”حرب غزة” أقبرت قيَم الغرب

قال الأكاديمي والكاتب المغربي محمد نور الدين أفاية إن الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل في قطاع غزة ليست حربا ضد الإرهاب كما يروج لذلك الكيان وحلفاؤه في الغرب، “بل هي حرب إبادة ضد شعب بأكمله لاستئصاله من أرضه وتجويعه وتهجيره وتدمير مقدراته”، مبرزا أن الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بددت وهم التطبيع مع الكيان المحتل.
جاء ذلك في مداخلة خلال ندوة نظمتها “مؤسسة أبي بكر القادري” بمدينة سلا، مساء الجمعة، في ذكرى وفاة مؤسسها، حول موضوع “القضية الفلسطينية وحقيقة الصهيونية”، بحضور السفير الفلسطيني بالمغرب وثلة من المثقفين.
وقال أفاية إن “وهم التطبيع مع هذا الكيان، الذي انكشفت حقائقه وعدوانه، هو التطبيع الذي أريد له أن يكون على حساب القضية الفلسطينية، وما جرى ويجري يُظهر، بالملموس، أن هذا المسار غير ممكن دون أن تراعى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”. وانتقد “وهَن الأنظمة العربية وعجزها، وأحيانا تواطؤ بعضها مع سياسات الدولة الصهيونية”. كما انتقد “مساومات الدول الإقليمية على القضية الفلسطينية حسبما تمليه مصالحها الاستراتيجية”.
ونبّه الأكاديمي المغربي إلى أن تركيا وإيران لهما حسابات خاصة في المنطقة “يتعين الانتباه إليها، ولو أعلنتا عن دعمهما المباشر للقضية الفلسطينية”. كما انتقد موقف الدول الغربية من الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وتضييقها على حرية التعبير عن طريق توجيه وسائل الإعلام لتبني خطاب في صالح إسرائيل.
واستهل أفاية مداخلته بالإشارة إلى أن المغاربة تعوّدوا، في أدبياتهم وقاموسهم، على التمييز بين اليهودية، التي لا يتعدى عدد المنتسبين إليها في العالم 15 مليونا، والصهيونية وإسرائيل، ذلك أن الحديث عن اليهودية في المملكة، يردف المتحدث، له خصوصية بحكم التجذّر البشري والعقائدي والثقافي لهذا المكوّن في تاريخ المغرب، وبحُكم الأدوار التي لعبها.
واستطرد قائلا: “لنا علاقة خاصة بهذا المكوّن، ونحن مطالبون اليوم، ونحن نتناول موضوعا حارقا هو حقيقة الصهيونية، بأن نتوفّق في الجمع بين الجانب الوجداني الذي يتألّم جراء ما نراه من إهدار إنسانية الإنسان واجتثاث كل مظاهر الحياة والعيش، وبين التزام درجةٍ من التعقُّل من أجل فهم الحركة الصهيونية وما أوصل من يمثلها، سياسيا وعسكريا وإعلاميا، إلى هذه الدرجة من الهمجية ومن التوحش والسادية”.
وأوضح أفاية أن الصهيونية “لم تكتفِ باغتصاب فلسطين فحسب، بل اغتصبت اليهود المغاربة وهجّرتهم وحرمت المغرب من هذا المكوّن، إذ راهنوا (يقصد الوكالة اليهودية التي أنشأتها الحركة الصهيونية) على ما كانوا يسمّونه البؤر اليهودية، واعتبروا أن المغرب وجْهة يجب الاشتغال عليها، واستهدفوا المناطق التي كانت فيها كثافة سكانية من اليهود منذ بداية القرن العشرين من أجل دفعهم إلى الهجرة”.
وذهب إلى القول إن الحركة الصهيونية مارستْ، عن طريق الوكالة اليهودية، “ما لا يُتخيل بعد أن تأسست إسرائيل عام 1948 وتأسس الموساد والأجهزة المصاحبة له، إذ نظموا عمليات إرهابية في الأراضي المغربية من أجل إرغام اليهود المغاربة على الهجرة”، مبرزا أن الحركة الصهيونية نجحت في تهجير الفقراء من اليهود المغاربة، في حين رفض 80 ألفا من المنتمين إلى الطبقة الوسطى الهجرة إلى فلسطين المحتلة، وهاجروا إلى كندا، فيما هاجر آلاف آخرون إلى فرنسا وإسبانيا “لأنهم لم يقتنعوا بالمشروع الصهيوني”.
ولفت إلى أن إسرائيل “دولة حربية صنعتْ مجتمعا حربيا، فبعد 7 أكتوبر (تاريخ تنفيذ الكتائب العسكرية لحركة “حماس” عملية “طوفان الأقصى”)، تعبّأت جميع الأوساط والحقول والقطاعات من أجل الدخول في الحرب”، مشيرا إلى أنها “تحتقر الإرادة الدولية والقانون الدولي منذ نشأتها”.
وانتقد أفاية موقف الدول الغربية العظمى من الجرائم التي يشنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ حوالي خمسة أشهر، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، مشيرا إلى أنها لا تكتفي فقط بحماية إسرائيل بالمال والسلاح والتكنولوجيا، بل تدعمها أيضا بتهديد الدول التي تعارض السياسات الإسرائيلية. كما أشار إلى “تخصيص ما لا يقل عن مليار و200 دولار، منذ سابع أكتوبر، لشراء هيئات تحرير في صحف وتلفزيونات وإذاعات وفي مواقع التواصل الاجتماعي”.
وتابع قائلا: “ما جرى ويجري برهن مرة أخرى على سقوط قيم حقوق الإنسان في مقبرة غزة، فلم يعد الأمر يتعلق بالكيل بمكيالين، بل بنزعة عدوانية سادية أسقطت كل أقنعة الغرب بشكل بشع”، مضيفا “لقد سبق للغرب أن خان هذه المبادئ، أما اليوم فقد داسها وألغاها بشكل مطلق من قاموسه”.
وتوقف أفاية عند بعض المفاهيم المستعملة لوصف ما يجري في فلسطين، مبرزا أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة “أنهتْ سردية ما يسمى بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالأمر لا يتعلق بصراع، وإنما باحتلال واغتصاب وبحركة التحرر”. وأضاف أن “هناك احتلالا واغتصابا وقوة إحلالية عنصرية تريد طرد شعب بأكمله من أرضه، وهناك بالمقابل شعب يقاوم ويناضل من أجل مواجهة قوة من أعتى القوى الموجودة في التاريخ الراهن”.
واختارت “مؤسسة أبي بكر القادري للفكر والثقافة” تخصيص موضوع اللقاء، المنظم بمناسبة ذكرى وفاة مؤسسها، للقضية الفلسطينية “لتجديد العهد بهذه القضية المقدسة، مستلهمين من هذه الذكرى (ذكرى وفاة أبي بكر القادري) وهذه الشخصية الدروس التي ما أحوجنا إلى التعمق فيها لمواجهة الهجمة الشرسة للاستعمار الصهيوني على إخواننا في غزة وفي الضفة الغربية “، حسب تعبير رئيس المؤسسة خالد القادري.
ويُعد الراحل أبو بكر القادري من الشخصيات المغربية التي ساندت ودعمت القضية الفلسطينية بقوة، إذ كان من مؤسسي “الجمعية المغربية لمساندة كفاح الشعب الفلسطيني” عام 1967.