فنانات مغربيات يرفضن الرقابة المجتمعية والسياسية على الإبداع والحرية
قالت الفنانة المسرحية لطيفة أحرار، مديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، إن اشتغال الفنانة خاصة، والفنان بشكل عام، على الجسد، ومسّها إبداعيا نقاشات ومواضيع “مازالت طابو قليلا”، “يوقظ شياطين أحيانا”، ويتم “إخراج الأمر عن سياقه، فيُقتطع، مثلا، مشهد عرض بمسرح مغلق ولو كان فضاء عموميا، ويوضع في عنوان الصفحة الأولى لجريدة”.
جاء هذا في لقاء حول المرأة في المشهد الفني والثقافي، استقبلته سينما النهضة بالرباط، مساء أمس الخميس، ذكرت فيه أحرار أن الهجومات الإعلامية والرقمية التي تعرضت لها بسبب صور ومشاهد مسرحية لها قبل أزيد من عقد، “كانت لحظة صعبة عليّ كامرأة، لكنها مكنتني من التفكير فنيا في هذه الأصوات التي أرادت موتي فنيا، وجسديا أيضا، لأني كنت موضوع دعوات للقتل في صفحات فيسبوكية”.
وتابعت: “أقول لطلبتي (اليوم) ينبغي أن تكون لديكم أدوات الدفاع عن رؤيتكم للعالم (…) وما حدث لي أعطاني فكرة (…) والمغرب الذي أحمله تقدميٌّ، وبلدي في حاجة لصوتي ورؤيتي، وهي رؤية عليّ أن أفرضها لا بالتكرار، بل عن طريق خلق فضاءات للحديث، والنقاش، واللقاء (…) والبحث عن صوت الفن كسلاح للمقاومة والاستدامة”.
وأوردت الفنانة المسرحية ذاتها أن “المغرب مجتمع أبوي لا يحترم أحيانا الاختلاف”، لكن “عمل الفنان هو تحطيم الأحكام المسبقة والحدود، وخلق عوالم جديدة. وبالنسبة للمرأة، فينبغي أن تجعل صوتها مسموعا، وهو ما يتطلب جهدا أكبر مقارنة بالرجل”.
من جهتها، قالت التشكيلية كنزة بنجلون إن الفنون التشكيلية “وسيلة أيضا للنضال (…) في لوحتي نضال، وأحس معها بما يخرج من داخلي بأريحية، وهذه مقاومة”.
وزادت: “استوعبت الأبوية مع قدوم حزب العدالة والتنمية للحكومة، ومسألة القوانين الدستورية، وكنت أخاف أن يُفرض عليّ كنموذج وحيد، ويحد من حرياتي، فخرجت من التشكيل الصامت إلى عالم متحدث بصور وأداءات للتعبير”.
ثم أردفت قائلة: “عشت في مجتمع حديث وتقليدي في الآن نفسه. جدتي أبوها صوفي تيجاني وكانت تلبس لباس السباحة دون عقدة. هناك تراجع”، لكن صدمتها “كانت حين تحدث وزير إسلامي عن الفن النظيف، في مواجهة الممثلتين فاطم العياشي وسناء عكرود، فأحسست بحيطان سجن تغلق عليّ كامرأة خلال ‘حكم العدالة والتنمية’، ثم جاءت محاولة الرقابة على فيلم ‘الرجل العنكبوت’ بسبب قبلة، وهنا أحسست بمشكل حرية”.
وتحدثت المتدخلة عن مبادرة “المقاومة بصور القبل” التي نتج عنها فقدان حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، و”الهجومات باللفظ والصور على زوجي موليم العروسي، وتهديدات بالموت بسبب صورة قبلة معه، وكان هذا نفاقا كبيرا”.
وقالت: “النساء والرجال تحدثوا عن هذا النفاق المجتمعي، بقولهم افعلوا ما تريدون لكن ‘استتروا’، ولو أننا زوجان”، كما تطرقت إلى “مفاهيم قدحية موجهة ضد المرأة، تستعملها حتى نساءٌ تحولن إلى حارسات للمعبد المقدس للأبوية”، قبل أن تختم بقول إن “الفن الملتزم يمكّننا من قول أشياء”.
الباحثة مريم عبد الحق سردت بعض خلاصات بحثها في سلك الدكتوراه حول حضور المغربيات في فنون الشارع، قائلة إن عدد الفتيات أقل في مجال السيرك مقارنة بالذكور، وتجارب علاقتهن بالأسرة أصعب “عند إرادة ممارستها كنشاط وأكثر كمهنة”.
ثم وضحت أن “ألبسة العروض تطرح مشكلا، ورؤية لاعبات السيرك في مجال عمومي، والأحكام عند إظهار الجسد، مع وجود استثناءات”.
وأضافت شارحة: “هناك رؤى محكومة بالنوع في التخصصات المختارة، فالنساء أكثر تركيزا على مجال التجميل، وممارسات مثل الألعاب البهلوانية رجالية أكثر، مع وجود استثناءات (…) وفي تاريخ فنون الشارع بالمغرب، كانت المرأة تمارس الحكي والقصّ في شرفات المنازل، أو داخلها مع الجدّات، أو في الحمامات”.
وذكرت أيضا أن “خصوصية السيرك كونه بين الفن والرياضة”، علما أن “للنساء في الرياضة تجربة خاصة، لأنه مجال ذكوري الطابع”.
المستشارة الثقافية مريم الصحراوي تحدثت من جهتها عن مبادرة نسائية بهولندا من أجل “الجهر بأصوات النساء القادمات من الهجرة، وسرد قصص أخرى غير ممثلة في الساحة الثقافية الهولندية”.
وقالت: “قبل 25 سنة، كان هذا أمرا مهما جدا للنساء القادمات من الهجرة اللائي كانت لهن حاجةُ الظهور وإبداء مجتمعاتهن المحلية”، مضيفة: “كنا نحتاج الظهور في مجموعة لنكون في أمان”.
واسترسلت قائلة: “بفضل الفن والثقافة نخلق سياقات مسرحية تمكن للناس مشاركة حقيقية”، وهو ما قاد إلى عروض بمختلف مدن هولندا، ودول أخرى من بينها المغرب، مع فكرة تقدم صوت فنانين وممثلين مسرحيين و”مواطنين غير محترفين في المسرح، تكون لهم جرأة المشاركة في المهرجان”.
الناقد موليم العروسي، الذي سير اللقاء، ذكر بدوره أن “المجتمع المغربي في تطور، لكنه يعاني من مشاكل موروثة عن الماضي واللحظات الصعبة التي يعيشها كل مجتمع”، فهو “مجتمع ذكوري على نيته، يقول إن أكبر تكريم ممكن للمرأة هو تجاهلها”.
كما علق على النقاش المثار في اللقاء بقول: “عبارة ‘الفن النظيف’، التي عبارة ابتدعها شخص صار وزيرا، تهم النساء فقط، مثل لطيفة أحرار وسناء عكرود وفاطم العياشي، ونعيمة زيطان التي حكموا عليها من عنوان المسرحية دون مشاهدتها … أما الرجال فإذا قاموا ‘بْشي حاجة ما شي هي هاديك’ فلا يخاطبون بالفن النظيف”.