غالبية مرضى الاضطرابات العقلية في المغرب لا تستفيد من العلاجات

بشكل صريح، وبعيدا عن “لغة الخشب”، تطرق فاعلون عموميون لمشكل ضعف الرعاية الطبية للأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات العقلية والنفسية في المغرب، وذلك خلال لقاء تفاعلي نظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إطار برنامجه الشهري “#خميس_الحماية”، خُصص لموضوع: “الصحة النفسية والعقلية: الآليات القانونية وفعلية الحقوق”.
عمر بورام، رئيس بالنيابة لمصلحة الصحة النفسية والأمراض المتنكسة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، استهلّ مداخلته بالتأكيد على الدور المحوري للصحة العقلية وتأثيرها الكبير على مختلف مناحي حياة الفرد والمجتمع، وهو ما حدا بمنظمة الأمم المتحدة إلى إدراجها، إلى جانب الوفاة، ضمن أهداف الألفية للتنمية المستدامة، كما صنّفتها منظمة الصحة العالمية كحق أساسي من حقوق الإنسان، مبرزا أن “لا تنمية بدون صحة عقلية”.
وفي غمرة الضغوط التي يتعرض لها الأفراد في مجتمعات اليوم، نوّه المتحدث بالدور المهم الذي يلعبه الدعم النفسي في امتصاص الضغط النفسي، وبالتالي تجنّب تطوره إلى اضطرابات عقلية.
وبالرغم من الجهود التي بذلها المغرب خلال السنوات الأخيرة من أجل تحسين الرعاية الصحية المقدمة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، إلا أن المسؤول بوزارة الصحة لم يتردد في القول إن “هناك احتياجات مهمة، ولكن الخدمات والرعاية الصحية المقدمة لهذه الفئة لا تلبي كل الاحتياجات”.
وأوضح المتحدث أن المغرب يتموقع ضمن الدول التي تصل فيها نسبة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية ويحتاجون إلى علاج دون أن يستفيدوا منه، بين 76 و85 في المئة. وفسّر ذلك بمجموعة من العوامل، على رأسها الوصم، الذي يدفع كثيرا من العائلات إلى عدم طلب العلاج.
وبخصوص وضعية المؤسسات الاستشفائية الخاصة بالأمراض العقلية، قال بورام إن هناك تفاوتا بين مؤسسة وأخرى، موردا: “هناك مؤسسات علاجية يمكن القول إنها بمستوى أوروبي، وهناك مؤسسات علاجية لا تحترم حقوق الإنسان”.
تعليقا على المعطيات التي قدمها الدكتور عمر بورام، اعتبر عبد الرفيع حمضي، مدير مديرية الحماية والرصد بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن الحاجز الذي يشمل الوصْم يتلاشى تدريجيا بفضل زيادة وعي الناس بضرورة العلاج من الاضطرابات العقلية، معتبرا أن هذا المعطى يقتضي التساؤل حول ضعف البنية الاستشفائية المخصصة لهذا النوع من الأمراض، وقلّة عدد الأطباء العاملين في هذا المجال.
واعتبر المتحدث أن الإقبال على العلاج سيشكّل ضغطا كبيرا على العرض الاستشفائي المتوفر، منبها إلى أن موضوع الصحة العقلية “خطير جدا، فإذا لم تَعتن الجهات الرسمية بالمريض فقد تستقطبه جهات أخرى، مثل الرقاة والأضرحة، وأماكن أخرى، وهنا يشكل خطرا كبيرا”.
وأظهرت دراسة أنجزتها وزارة الصحة سنة 2005 أن نسبة 48.9 في المئة من المغاربة الذين تبلغ أعمارهم 18 سنة فما فوق، لديهم، أو كان لديهم، اضطراب عقلي.
ويأتي الاكتئاب على رأس الإضرابات العقلية التي يعاني منها المغاربة، بحسب الدراسة، بنسبة 26.5 في المئة، يليه اضطراب القلق بنسية 9 في المئة، والاضطرابات الذهانية بنسبة 5.6 في المئة.
ولفت رئيس مصلحة الصحة النفسية والأمراض المتنكسة بالنيابة إلى أن “عبْء مشاكل الصحة العقلية ثقيل جدا”، حيث تفيد الإحصائيات بأن شخصا واحدا من بين كل أربع عائلات يصاب باضطراب عقلي، على الصعيد العالمي، وفي المقابل لا يمثل مهنيو الصحة الذين يهتمون بالأشخاص المصابين باضطرابات عقلية سوى 1 في المئة من مجموع مهنيي القطاع.
ويعاني مجال الصحة العقلية والنفسية في المغرب من ضعف كبير على مستوى الأطباء. وأرجع رئيس مصلحة الصحة النفسية والأمراض المتنكسة بالنيابة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية ضعف الإقبال على هذا التخصص إلى “ظاهرة الوصم”، مبرزا أن هذه المسألة تدفع الأطباء للتوجه إلى تخصصات أخرى.