فاعلون يفككون “الوصفة المغربية” لتجويد عمل المجلس الحقوقي الأممي
بإعلان رسمي، كشفت الرئاسة المغربية السنوية لمجلس حقوق الإنسان الأممي الملتئم في الدورة العادية الـ55 بجنيف إلى غاية شهر مارس 2024، “خطتها الإصلاحية ووَصْفَتَها المقترحة” لتطوير المجلس وتعزيز فاعليّته.
وتضمنت “الوصفة” التي جاءت على لسان الوزير بوريطة، أمس الثلاثاء، “عقد دورة استثنائية للمجلس حول موضوع توافُقي يتم اختياره بالتشاور مع كل الأطراف”، و”احتضان المغرب خُلْوة لمجلس حقوق الإنسان لتقييم فعاليّته ورسم توصيات عملية كمُساهمة في مسار مراجعة أساليب عمله المرتقبة سنة 2026″، و”إطلاق مبادرة، مع الشركاء، حول المرأة في العمل الدبلوماسي، خصوصاً في مجال حقوق الإنسان”.
قبل بوريطة، كان رئيس مجلس حقوق الإنسان السفير الممثل الدائم للمغرب بجنيف، عمر زنيبر، قد أبرز “التأثير الحاد لأزمة السيولة التي تعاني منها الأمم المتحدة على المجلس وآلياته، خصوصاً على صعيد المرونة في تنظيم الاجتماعات واستخدام الوسائل الهجينة في إدارة فعالياته”، موردا أن “الدورة 55 هي الأطول منذ إنشاء المجلس، بحيث ستقارب عدة تحديات ينبغي رفعها في مناخ من الثقة، بهدف تحقيق تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان رغم الوقع الكبير للأزمات الجيو-سياسية”.
“إصلاح هذا الجهاز الأممي يكتسي أهمية مركزية للحفاظ على ثقة الدول والمجتمع المدني والشركاء في دوره الحيوي للنهوض بحقوق الإنسان”، التأكيد هنا لعمر زنيبر خلال افتتاح الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان، مشددا على أن “ورش الإصلاح يمر عبر إجراء تقييم دقيق للإنجازات الإيجابية وتقويم الثغرات على مستوى الفعالية وجدول الأعمال، في أفق القرار المتخذ بشأن الإصلاح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2026”.
“رؤية ثلاثية”
عائشة الدويهي، خبيرة مغربية في مجال حقوق الإنسان، أفادت بأنه “خلال اليومين الأوليْن للدورة الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان توضّحت الرؤية المغربية لرئاسة المجلس”، مسجلة أن الخطة تنقسم إلى شقين، “الشق الأول مرتبط بالانكباب على القضايا الجوهرية والكبرى التي سيشتغل عليها المجلس، وهي قضايا تتعلق أساسا بالتنمية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، فيما يرتبط الشق الثاني، حسب المتحدثة، بالجانب “التنظيمي والإصلاحي، الذي يهدف إلى تطوير والمساهمة في تحسين عمل المجلس”.
الحقوقية التي أسَّست “مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان” (مقره جنيف) قالت، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الكلمة التي ألقاها وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، فصّلَتْ أكثر في الرؤية الإصلاحية المغربية”، موضحة أن “الوزير حدّد خطة الرباط التي أخذت بعين الاعتبار ذلك السياق الصعب والدقيق الذي يمر منه العالم في الظرفية الحالية، واضعاً الأصبع على الإنجازات الإيجابية للمجلس، مُنبها في الآن نفسه إلى أن مجلس حقوق الإنسان هو الآن في مفترق الطرق، في ظل هيمنة استقطابات حادة تنسف كل فرص التفاوض”.
وبالنسبة للدويهي، فإن عمل المجلس الأممي لحقوق الإنسان أصبح “مُقوَّضاً”، في وقت يرجى منه “النظر في قضايا حقوق الإنسان وتعزيز هذه الحقوق وحمايتها”، لافتة إلى أن رؤية المغرب نابعة من “اجتهاد المملكة عبر اعتماد مبادئ التقارب والتوافق، وابتكار أساليب متنوعة وفق سياسات ذكية ومتبصرة”.
تبعاً لذلك، وصف الناشطة الحقوقية الرؤية المغربية بـ”الخطة الثلاثية”، من خلال “محاولة خلق جلسة استثنائية موضوعاتية، بالإضافة إلى الدعوة إلى خلوة من أجل إصلاح عمل المجلس، لفتح فضاء للنقاش والتداول بين مختلف أعضاء المجلس، فضلا عن بلورة مبادرة مع باقي الشركاء حول دور المرأة في العمل الديبلوماسي”.
وخلصت عائشة الدويهي إلى أن “أدوار الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان أصبحت واضحة المعالم بفضل هذه المبادرات التي تطمح إلى تخليد بصمة المغرب، الذي عكَسَ صورة من الحكمة والتبصر والحنكة الدبلوماسية من أجل إصلاح المجلس”.
المجتمع المدني
ذكر سامي المودني، رئيس “المنتدى المغربي للصحافيين الشباب” (منظمة غير حكومية تهتم بحقوق وحريات التعبير والإعلام)، أن السياق الدولي المعقَّد، خصوصاً بعد أزمة “كوفيد-19″، “تميَّز بتراجع في مستوى احترام حقوق الإنسان بمجموعة من دول العالم، بحيث سجل الفاعلون المدنيون والمدافعون عن حقوق الإنسان تراجعا كبيرا في الاهتمام بهذه الحقوق”.
هذا كان له انعكاس، بحسب الفاعل المدني المغربي الحاضر حالياً لدورات المجلس بجنيف، ضمن إفادات لهسبريس، على “عمل آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان التي تعمل تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في ظل تسجيل تصاعُدٍ لافت لخطابات الكراهية والعنصرية بسبب موجة صعود التيارات الشعبوية في عدة دول”.
وضرب المصرح مثالا “على مستوى حرية التعبير” بملاحظة أنه “بقدر ما يتخذ الفاعلون الرقميون من الفضاء الرقمي فضاء لحرية التعبير والرأي، بقدْر ما يشكل هذا الفضاء منصة لنشر خطاب الكراهية والتطرف والتحريض على العنف”.
رئيس الهيئة الحقوقية التي راكمت تجربة في التفاعل مع آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، سجل “وجاهة المقترَح المغربي المستمدة من هذا السياق الدولي الصعب، مع ما يكرسه التوظيف السيّء من طرف بعض الأطراف الدولية لملفات حقوق الإنسان، والحال أن مجلس حقوق الإنسان يقوم على فلسفة التعاون وتبادل التجارب للنهوض بهذه الحقوق والحزم ضد كل أشكال الانتهاكات الجسيمة مهما كانت الجهة التي تقف وراءها”.
“الخطوات التي أعلن عنها وزير الشؤون الخارجية المغربي من منصة المجلس، يجب في نظري أن تُشرك المنظمات غير الحكومية النشطة في مجال الآليات الأممية لحماية حقوق الإنسان، والانفتاح على مقترحاتها وتوصياتها”، يخلص المودني، معتبرا أن ذلك “يساهم في وضع مراجعة أساليب عمل مجلس حقوق الإنسان، المرتقب خلال سنة 2026 بناء على مقاربة تشاركية”.
“محاولات ابتزاز”
عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، لفت الانتباه إلى أن “وزير الخارجية قد أعلن بطريقة مباشرة عن غايات مُطالبته، باسم الدولة المغربية، بإصلاح مجلس حقوق الإنسان حين أكد أن هذا الأخير يُواجِه تحديات تُعيق مسيرته”، مستحضِراً إشارته البليغة إلى كون مجلس جنيف “مُعرّضٌ للتسييس والانتقائية والكيل بمكياليْن واستغلال بعض القضايا وتحريفها عن أهدافها من أجل خدمة أجندات لا تمُتّ بصلة لحقوق الإنسان”.
وفي حديث لهسبريس، أبرز المسؤول عن “العصبة الحقوقية” العضو في “الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان”، أن رئيس الديبلوماسية المغربية “لم يُغفل إشارةً بشكل مباشر إلى المحاولات الابتزازية باسم حقوق الإنسان التي تقوم بها بعض الأطراف لتصفية الحسابات مع أطراف أخرى على حساب القضايا الحقوقية الحقيقية التي تطفو على سطح الأحداث الدولية”.
وفي اعتقاد الفاعل الحقوقي المغربي فإن “الكلام هنا كان موجَّهاً إلى الجزائر وشبيهاتها من الدول التي تساوم بقضايا إنسانية في مجالس أممية من أجل خدمة مصالحها وأجنداتها”.