واحة نخيل النقوب تصارع من أجل البقاء

بين عبق الماضي وذكريات الزمن، ما زالت بلدة النقوب التابعة للنفوذ الترابي لإقليم زاكورة، بقصباتها الساحرة المنتشرة هنا وهناك، تأخذك شغفا وحنينا لاكتشاف أسرار المنطقة التي تنام على وقع الآثار والتاريخ، بالرغم من اهتراء جدران بعضها وتأثير الأيام عليها.
لعل الزائر لبلدة النقوب، المعروفة إعلاميا بـ”بلدة 45 قصبة”، يلاحظ أن بعض القصبات التي تتميز بها المنطقة تصارع من أجل البقاء وتتشبث بجذورها لعلها تقاوم الزمن والطبيعة للحفاظ على وجودها من الزوال الذي أصابها، بالرغم من بعض الترميمات التي يقوم بها أصحاب هذه القصبات.
وبجانب القصبات الـ45، توجد واحة النخيل التي يبلغ عمرها أكثر من قرنين من الزمن حسب الروايات المحلية، وكانت رمزا لشموخ المنطقة وعزة أهلها؛ لكنها تحولت اليوم إلى واحة صغيرة بفعل الجفاف ووفاة المئات من أشجار النخيل بسبب شح الأمطار.
القصبات الخمس والأربعون الشامخة والمترابطة وسط بلدة النقوب ترسم صورة جميلة وتسافر بك من الحاضر إلى الماضي؛ لكن واقع واحة النخيل الموجودة بجانب هذه القصبات أصبحت تشوه هذه الصورة الجميلة، وتعطي انطباعا سلبيا للسياح الذين لم يسبق لهم زيارة المنطقة.
وإلى وقت قريب، كانت واحة النخيل بالنقوب تشكل مصدر رزق المئات من العائلات، بالإضافة إلى احتلالها موقعا إستراتيجيا وسط منظر طبيعي خلاب كان يمنحها خصوصية وجاذبية؛ لكنها أصبحت اليوم تشبه منطقة دمرتها الحروب، ما دفع بالساكنة إلى دق ناقوس الخطر، لتنبيه القطاعات الحكومية المعنية إلى أن الوضع أصبح لا يطاق.
في هذا الإطار، قال يدير النقوبي، من ساكنة مركز جماعة النقوب، إن “الجفاف” هو كلمة مخيفة ولها معنى واحد لدى ساكنة الواحات الجنوب الشرقي للمغرب، وهي “الموت البطيء”.
وأكد النقوبي، في تصريح لهسبريس، أن واحة النقوب أصبحت اليوم مهددة بالموت البطيء والزوال النهائي، إن لم تتدخل الجهات المسؤولة لإنقاذ ما تبقى منها في المستقبل.
وأضاف المتحدث ذاته أن هذه الواحة ظلت، إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، مصدر رزق المئات من العائلات والأسر وعدد كبير من اليد العاملة ممن كانوا يحترفون غرس أشجار النخيل، قبل أن تتحول مع مرور السنوات إلى مجرد ذكريات في ذاكرة كبار السن، بفعل الجفاف الذي أفقد الواحة جماليتها، كما أفقد أشجار النخيل “جريدها”، وزادها طيش البشر الذي كان يستعمل جريد النخل في الطبخ، وهو ما زال يهدد ما تبقى من واحة النخيل بالتلاشي.من جهتها، قالت عدجو بنت لحسن، من الساكنة المحلية، في تصريح لهسبريس، إن “أشجار النخيل متساقطة هنا وهناك، والأودية والسواقي جافة”، مشددة على أن “الفلاحين يتخوفون من مستقبل “شبح” وجفاف يهدد وجود ثروة التمور المعروفة محليا بجودة إنتاجها، هذا هو حال الواحة ببلدة النقوب أو بلدة 45 قصبة، وسط صمت رسمي وغضب الفلاحين”.
وأضافت المتحدثة ذاتها: “في حالة استمرار الجفاف في السنوات المقبلة فإن البشر سينقرض بشكل نهائي وليس فقط الواحة”، لافتة إلى أن “التدخلات التي تقوم بها القطاعات المعنية بين الفنية والأخرى غير كافية نهائيا”، مؤكدة أن “الوضع مقلق وخطير في هذه المنطقة، حيث أصبح المواطن لم يجد ما يروي به الظمأ ولم نعد نفكر حاليا في الفلاحة ولا في الواحة، وما نفكر فيه الآن هو بقاؤنا على قيد الحياة”.
مصدر مسؤول بوزارة الفلاحة أكد أن “منطقة النقوب شهدت إنجاز مجموعة من المشاريع الفلاحية والمائية، وخاصة بعض السدود التلية والعتبات المائية”.
وأوضح المسؤول عينه أن “هذه المشاريع أسهمت في بقاء واحة النقوب إلى اليوم على قيد الحياة، وستستمر هذه الواحة بفضل الله وبفضل هذه المشاريع المائية والفلاحية المهمة”.
وأفاد المصدر ذاته، في تصريح لهسبريس، بأن السلطة الإقليمية بزاكورة تدرس، بتنسيق مع باقي الشركاء، مشكل الجفاف وتأثيره على هذه الواحة، للوصول إلى حلول ناجعة وسريعة، مؤكدا أن هناك خطوات يتم اتخاذها مستقبلا من أجل تجاوز هذه المعضلة المائية.