“فاغنر” فاعل غير تقليدي يسهم في تقويض الهياكل الأمنية بإفريقيا
قاربت ورقة بحثية حديثة الإصدار بمجلة “Eurasia Review” المتخصصة في القضايا السياسية الدولية، موضوع “الفاعلين غير التقليديين المُقوِّضين للهياكل الأمنية في إفريقيا”، مسترشدةً بـ”دراسة حالة وتحليل” عمل “مجموعة فاغنر” الروسية التي سيطرت على هيكلة التنظيم الأمني لعدد من الدول الإفريقية.
الورقة التي ألَّفها باللغة الإنجليزية الدكتور محمد عصام لعروسي، أستاذ العلاقات الدولية الخبير المغربي في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، سجلت أنه “بسبب ضعف الحكامة والفساد واسع النطاق، تتشابك الجهات الفاعلة الهجينة بشكل أعمَق مع الجماعات الإجرامية المنظمة العابرة للأوطان والحدود، التي تلعب دور عوامل تمكين للجهة الفاعلة الهجينة. في المقابل، تستفيد الجماعات الإجرامية من الحملة الهجينة مع تعزيز قدرتها على التحرك/الاشتغال مع الإفلات من العقاب”.
من هذه “الرؤية”، سعى الباحث لعروسي إلى “دراسة دور الحروب الهجينة والشركات الأمنية الخاصة في تقويض الظروف الأمنية في القارة الإفريقية”.
المقالة ركزت أيضاً على “الاستراتيجيات الرئيسية للجهات الفاعلة من غير الدول في المنافسة الدولية وديناميتها في سد فجوة البلدان المستعمِرة في إفريقيا التي تواجه تحديات لإنقاذ أهميتها في هذا المجال الحيوي”.
وقال الخبير الاستراتيجي في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية ضمن تمهيد الورقة: “في هذا السياق، يبقى رهان فرنسا حول فقدان ثقلها الاستراتيجي في إفريقيا. بدلا من ذلك، تعمل روسيا والصين على زيادة حضورهما في المشهد الإفريقي من خلال الحرب الهجينة باستخدام شركات الأمن الخاصة بشكل أساسي”، مستحضرا أن هذه الدراسة ترمي إلى “تحليل دور مجموعة فاغنر الروسية في تفاقم النظام الأمني شبه الإقليمي في إفريقيا”.
خلاصات
من خلال سعيها ونهجِها الجمعَ بين نماذج “التظلم “و”عدم الشفقة”، حاول لعروسي في ورقته البحثية “شرح دوافع الحروب الهجينة/المختلِطة وكذا الصراعات بشكل عام، في حين يتم التشكيك في تصور واستخدام نهج الحرب غير المتكافئة في السياق الإفريقي للحرب غير النظامية”.
ولفتت الورقة إلى أن “القيم الديمقراطية، مثل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، تفتقر إليها المجتمعات المنكوبة بالصراعات حيث تتنافس قوى غير متكافئة على السيطرة السياسية والاقتصادية أو السيطرة على الموارد الشحيحة”، قبل أن تخلص إلى أنه “لا يمكن أن تنجَح عمليات حفظ السلام ما لم يتم إرساء أساس المشاركة المُنصفة في المجتمعات الإفريقية وتقاسم الثروة والسلطة فيها”.
في السياق نفسه، تستخلص الورقة أن “عدة مقاربات منهجية للتخفيف من حدة المعضلة الأمنية في إفريقيا التي تجسد مشاركة فريق فاغنر في النطاق الأمني، لا تخلو من المخاطر”. ضاربة المثال بأن “معاقبة الحكومات التي تتعاقد مع مجموعة فاغنر تنطوي على خطر دفع هذه الدول إلى مدار وفلَك روسيا”.
وتضيف الوثيقة التحليلية المعنونة بـ “Unconventional Actors Undermine Security Structures In Africa: Russia’s Wagner Group As A Case Study – Analysis”: “مع تزايد نظام العقوبات ضد روسيا الذي أدى إلى تعميق عزلة الكرملين بعد غزوه لأوكرانيا عام 2022، قد تحتاج موسكو إلى التركيز بشكل أكبر على الأسواق البديلة”.
وضمن خلاصاتها، أكدت الورقة “توفر فرص لمجموعة من الدول الإفريقية، وخاصة تلك التي لديها قدرات كبيرة لإنتاج النفط والغاز الطبيعي، للاستفادة من النبذ الاقتصادي ضد روسيا، حيث يتواصل البحث من الدول الأوروبية عن أسواق طاقة بديلة لتعويض أزمات الطاقة المستقبلية”.
وترى الوثيقة البحثية التحليلية “وجوب عمل الولايات المتحدة مع الشركاء الأفارقة والأوروبيين لتسهيل الجهود التي تعود بالنفع المتبادل مع الاستمرار في معاقبة روسيا اقتصادياً، لافتة إلى وجوب تأكيدها، كما فعل الرئيس زيلينسكي خلال خطابه الأخير أمام الاتحاد الإفريقي، أن الحكومات الإفريقية تواجه خطر أن تصبح “رهينة” لروسيا.
“على الرغم من الحديث عن الحصار الذي يفرضه الكرملين على صادرات الحبوب الأوكرانية بشكل يعرّض الأمن الغذائي للخطر على مستوى العالم، إلا أن هذه النقطة يجب أن يتردد صداها لدى تلك الحكومات التي دخلت في شراكة مع مجموعة فاغنر؛ إذ مِن المرجح بشكل متزايد أن تصبح رهينة لروسيا للحصول على الدعم الأمني والعسكري”، وفق تعبيره.
“أزمة هيكلية في بلدان هشة”
المدير السابق للبحوث والدراسات في “مركز تريند للأبحاث والاستشارات” سجل ضمن ورقته أن “إفريقيا تواجه أنواعاً مختلفة من التهديدات التي تجسدت في الأزمة الهيكلية”، مُرجعاً سبب الأخيرة إلى “الأنظمة الاستبدادية التي تحكم خلال عدة عقود في إفريقيا، خاصة بعد الانقلابات العسكرية”.
هذه البلدان الهشة، باعتبارها سمة من سمات الأنظمة الاستبدادية، هي “موضوع لعبة الاستقطاب المتمثلة في تدخُّل الدول الفاعلة والدول غير الفاعلة مثل الشركات الخاصة للأمن والميليشيات والجماعات الإجرامية”. وتورد الورقة بهذا الشأن: “تساهم جميع تلك الجهات الفاعلة في حالة الفوضى التي تعيشها القارة الإفريقية. كما أن تآزُر الظروف الفوضوية يمهد الطريق أمام جهات فاعلة أخرى للجلوس في الفضاء الإفريقي لمساعدة بلدانها على تنفيذ جدول أعمالها الأمني وممارسة أهميتها في البلدان الإفريقية الرئيسية”.
حسب لعروسي، فإن “النزاعات الهجينة” في إفريقيا تكشف عن “شخصيتين أساسيتين من التحديات الهجينة التقليدية لعمل الدولة الحديثة (كما هو معروف اليوم في النزاعات الحالية)، والتي يمكن للجهات الفاعلة الوطنية والدولية (الاتحاد الإفريقي، الناتو، الاتحاد الأوروبي) دعم الدفاعات من الأحكام إلى الدفاع النشط”؛ فضلا عن “التحديات الهجينة التي تستهدف على وجه التحديد الدول التي تعيش بالفعل في ظروف هشة، والتي لن يكون هناك توازن وطني فعال ضدها بسبب فشل وظائف الدولة ومؤسساتها”.
في الحالة الأخيرة، يخلص كاتب الورقة التحليلية إلى أن “التحديات الهجينة ستؤدي إلى تفاقم الضغوط المنهجية (انعدام الأمن والاستقرار والخدمات) في هذه الدول الهشة، مما يزيد من دور الجهات الفاعلة من غير الدول كذات مصلحة في توفير الأمن”.
تبعا لذلك، “ستكافح معظم الدول الإفريقية آثار الازدهار السكاني وجميع حالات الندرة ذات الصلة، خاصة المياه والصرف الصحي والغذاء والسكن والعَمالة وما إلى ذلك، مما أدى إلى فشل الحكم وزيادة احتمالية تطور مثل هذه المساحات غير الخاضعة للحكم/المتنازَع عليها في إفريقيا والتي شهِدناها في العراق وسوريا بعد عام 2014”.