الحقيقة حول علاقة كوكو شانيل بالنازييين
- Author, كارين جيمس
- Role, بي بي سي كالتشر
يتتبع مسلسل “ذا نيو لوك” الجديد الذي تنتجه منصّة “آبل تي في بلاس” قصة مصمّمي الأزياء الشهيرين كوكو شانيل وكريستيان ديور أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية. ولكن إلى أي مدى يصيب هذا العمل أو يخطئ؟
كان خيال كوكو شانيل بلا حدود. في عام 1910، ابتكرت ملابس بخطوط بسيطة من قماش الجيرسي المريح، وحررت النساء من الكورسيهات، وأعطت العالم لاحقاً الفستان الأسود القصير والعطر الكلاسيكي شانيل رقم 5.
كانت سيدة اختراع الذات أيضاً. رفضت الاعتراف بطفولتها الفقيرة حيث ربتها راهبات بعد وفاة والدتها وهجر والدها للعائلة.
بعد نجاحها، دفعت لشقيقيها اللذين كانا سيحرجانها بوضعهما الاجتماعي المتواضع، لكي يسكتا عنها. كانت ناجية وبراغماتية، وكانت عرضة لرواية حكايات مبالغ فيها عن حياتها، ولكن هناك حقيقة عنها لا يمكن إنكارها: أنها تعاونت بالتأكيد مع النازيين. ربما تكون قد ساعدت المقاومة الفرنسية. المرأة التي كانت مصممة بشكل كبير على التحكم يصورتها وإرثها، تركت خلفها تشابكاً فوضوياً.
مسلسل “ذا نيو لوك” (الإطلالة الجديدة) الجديد والنابض بالحياة على خدمة “آبل تي في بلاس”، يتناول دور كريستيان ديور وشانيل خلال الحرب العالمية الثانية، ويغوص بتعاون شانيل مع الاحتلال، وربما يقدّم أفضل تفسير ممكن لذلك التعاون.
في عرض مليء بالحوارات المليئة بالدلالات، لا يوجد جملة أكثر وضوحاً من رد ديور (بن مندلسون) الذي كان نجماً بارزاً في عالم الموضة، على طالبة من جامعة السوربون في عام 1955، تطلب منه تبرير سبب تصميمه لزوجات وصديقات النازيين أثناء الاحتلال الألماني لباريس في وقت أغلقت فيه شانيل (جولييت بينوش) دار الأزياء الخاصة بها.
يقول: “هناك الحقيقة، ولكن هناك دائماً حقيقة أخرى تعيش وراءها”. المسلسل الذي سرعان ما يعود بالزمن من عام 1955 إلى سنوات الحرب، هو بالتأكيد خيال مستوحى من التاريخ. لكنه يشير بدقة إلى حقيقة أن هناك استجابتين مختلفتين تماماً للحرب.
الحقيقة الخاصة بديور أبسط. لقد كان مخلصاً بثبات لفرنسا. استمر بتصميم الملابس للنازيين من أجل كسب لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة، واستخدم المال لدعم جهود مقاومة أخته كاثرين (مايزي ويليامز) البطولية.
وقد ألقي القبض على كاثرين في النهاية وعذّبت وسجنت في معسكر اعتقال. قد يكون تاريخ كاثرين ديور غير المعروف كثيراً، الاكتشاف الأعظم للمسلسل والعنصر الأكثر تأثيراً فيه.
الواقع الذي يتعلّق بشانيل غامض في تفاصيله، وموضوع لتفسيرات مختلفة بشكل كبير حتى الآن. من المعروف جيداً أنها كانت تعيش علاقة طويلة مع عميل نازي، هو هانز غونتر فون دينكلاج، المعروف باسم “شباتز” (كلايس بانغ في المسلسل).
ساعد شباتز، مع معارف نازيين آخرين، في إطلاق سراح ابن أخيها أندريه العزيز على قبلها، عضو الجيش الفرنسي، من معسكر اعتقال ألماني. ولا شك في أنها شاركت في عملية “مودلهات”.
كانت تلك العملية عبارة عن خطة ساذجة، إذ عمد جنرال نازي متمرد لتجنيد شانيل، وكلّفها بالسفر إلى مدريد المحايد،ة على أمل إرسال رسالة إلى صديقها القديم وينستون تشرشل، مقترحاً التفاوض على نهاية الحرب، ومتجاهلاً هتلر بكل طيش.
كان اسم شانيل الرمزي “ويستمنستر”، في إشارة إلى صلاتها القوية ببريطانيا وربما بعلاقتها التي استمرت عقدين من الزمن، بدءاً من عشرينيات القرن العشرين، مع دوق ويستمنستر.
كما حاولت، بنجاح محدود، استخدام القوانين الآرية النازية التي تمنع اليهود من امتلاك الشركات لمحاولة السيطرة على شركة العطور الخاصة بها من شركائها اليهود.
قام بعض كتّاب السيرة الذاتية والمؤرخين بشيطنتها بسبب كل هذا، بما في ذلك الراحل هال فوغان في كتاب فظيع صدر عام 2011 بعنوان “النوم مع العدو: الحرب السرّية لكوكو شانيل”.
روندا جاريليك، واحدة من أكثر كتّاب سيرة شانيل دقةً وذكاءً، تخلص في “مادموزيل: كوكو شانيل ونبض التاريخ” (2014)، إلى أنها ربما كانت تؤمن بقضية النازية، وكانت مدفوعة أيضاً بالنفعية والمصلحة الذاتية ومعاداة السامية.
كتبت جاريليك: “كانت الوطنية تعنيها أقل من السلطة”، وتقول: “لم تعترف أبداً بالآثار المترتبة على محاولة تذرعها بقوانين الآرية النازية البغيضة ضد شركائها في العمل”.
مع ذلك، فإن جوستين بيكاردي التي نشرت كتابها “كوكو شانيل: الأسطورة والحياة” في طبعة جديدة العام الماضي، والتي كتبت أيضاً سيرة ذاتية لكاثرين ديور بعنوان “الآنسة ديور” (2021)، تقول لبي بي سي كالتشر، “من السهل جداً القول إن شانيل كانت نازية”.
تعتقد بيكاردي أن شانيل كانت محبة للغاية للثقافة الإنجليزية وتؤمن بشدّة بالحرية بحيث لا يمكنها اعتناق النازية، حتى لو استخدمت من دون إبطاء العلاقات النازية. تقول بيكاردي إن “عملية مودلهات مثيرة للاهتمام، لكنها لا تعرّفها حقاً”.
إرثٌ معقد
يتناول مسلسل “ذا نيو لوك” زاوية خاصة، تشير إلى أن تعاون شانيل، بمعزل عن استخدام القوانين الآرية، كان متردداً في الغالب. (فهي، في النهاية، شخصية رئيسية، ونادراً ما تكون الشخصيات الرئيسية شريرة بصورةٍ بحتة).
رؤيتنا الأولى لها في زمن الحرب، في عام 1943، تصوّر وصولها الدرامي في ظلام الليل لإخراج أندريه من المعسكر، وهي محطمة ومضطربة ويائسة، تريد إنقاذ ابن أخيها الذي يعتبر شخصية متعاطفة.
في هذا العالم الخيالي، اعتمدت على صديق متعاون مع النازيين، البارون لويس دو فوفرلاند، لترتيب الإفراج، ولم تفكر بشكل كامل بالعواقب.
لكن البارون سرعان ما يصر على أنها يجب أن تلتقي بشباتز، وإلا سيكون هو نفسه في خطر، وتبدأ علاقة عاطفية بين شانيل وشباتز. فهي ليست مستعدة فحسب، بل هي مغرمة تماماً، وساذجة بشكل غريب بشأن نواياه. لكنها أيضاً أصبحت محاصرة بشكل متزايد في الزاوية، مدججة بالسلاح ومهددة للانضمام إلى عملية مودلهات التي تقاومها بشدة.
في الحياة الواقعية، بدأت علاقة شانيل مع شباتز قبل ذلك بكثير، في عام 1941، على الأرجح كجهد محسوب ويقظ للمساعدة في إطلاق سراح ابن أخيها. تقول بيكاردي: “أعتقد أنها كانت ستفعل أي شيء لإنقاذه. وهذا هوالوقت الذي بدأت فيه إقامة علاقة غرامية [مع سباتز]”.
استغرق الأمر 18 شهراً، قبل أن تتمكن الاتصالات النازية المناسبة من إطلاق سراح أندريه. يتفق معظم كتّاب السيرة الذاتية على أن تحرير أندريه كان على الأرجح الدافع الأصلي لتعاونها. ولكن مع مرور الوقت، كما كتبت جاريليك “تجاوزت شانيل نداء الواجب العائلي في جهودها من أجل النازيين”.
كما يقول تود كيسلر، مبتكر المسلسل، لبي بي سي كالتشر: “الهدف كان تصوير روح كوكو شانيل بأقصى دقة ممكنة”، وفي الوقت نفسه إنشاء دراما متسلسلة قد تجعل المشاهدين يغيرون آراءهم حولها، اعتماداً على أفعالها. ويتابع: “ليس من الملهم كتابة شخصيات شرّيرة أو بطولية. ما هو ملهم هو استكشاف المنطقة الرمادية لديهم، لأن ذلك يقربني من فهم الشخصيات والقرارات التي كان عليهم اتخاذها”.
يشير كيسلر وبيكاردي إلى أهمية الحكم على تلك الخيارات في السياق المروع لتلك الحقبة.
يلاحظ كيسلر أنه بعد عامين من الاحتلال، لم يكن أحد يعلم أنه سيستمر لأربعة سنوات. كان من الممكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى. يقول: “كانت جميع الشخصيات تتخذ قرارات، وأحياناً قرارات متعددة يومياً، حول كيفية البقاء على قيد الحياة وكيفية الوصول إلى اليوم التالي. الخوف والرعب الذين واجهوهما بشكل يومي، يوسع تعاطف المرء مع القرارات والخيارات التي كانوا يتخذونها، مثل كوكو شانيل في تلك الحقبة”.
انقسمت آراء النقّاد حول العمل، و لكن أكثرها حدة يتعلّق بطريقة تجاهل العمل الذي قامت به شانيل لصالح النازيين. يقول موقع صحيفة الغارديان: “تم تجاهل المحرقة النازية أساساً من القصة لصالح التنافس على قماش التول”. (وهو نقد عادل بالنسبة للمحرقة، على الرغم من أن العرض بالنسبة لي، وبشكل فاجأني، لا يقدم الكثير حول الفساتين بشكل عام).
يسمّيها موقع روجر إيبرت “معالجة تنقيحية صريحة لشانيل”، حيث: “يبدو أن الكتاب ملتزمون بفعل كل ما في وسعهم لتقليل أو إخفاء” حقيقة علاقات شانيل النازية.
إذا كانت قد ساعدت المقاومة أيضاً، فقد كانت مشاركة شخصية أقل مما كانت عليه في تعاونها مع النازيين. تقول بيكاردي إن منزل شانيل على الريفييرا كان يخفي جهاز إرسال لاسلكي استخدمته المقاومة وكان ملجأ لليهود الذين يحاولون الفرار من فرنسا.
وتدرج الوثائق التي تم إصدارها مؤخراً من الأرشيف الفرنسي شانيل كعضوة في المقاومة. هناك على الأقل مؤرخ واحد متشكك في هذه الادعاءات. لكن عرض “مانيفستو الموضة” لغابرييل شانيل في معرض فيكتوريا وألبرت يعرض الوثائق التي لم يتم عرضها من قبل للجمهور، ويدرجها كعضوة في المقاومة، إلى جانب أدلّة على تورطها مع النازيين. وقالت أوريول كولين، مديرة المعرض، لصحيفة الغارديان: “الأدلة الجديدة لا تبرّئها. إنها تجعل الصورة أكثر تعقيداً فقط”.
لم يتم تضمين عمل شانيل المحتمل في المقاومة في مسلسل “ذا نيو لوك” لأن كيسلر قال إنه يريد على الأقل مصدرين راسخين لكل حقيقة، والدليل على مساعدتها للمقاومة “لم يظهر بشكل متكرر”.
في الواقع، بعد فترة وجيزة من تحرير باريس، استجوبت السلطات الفرنسية شانيل بشأن علاقاتها بالنازيين، ولكن تم إطلاق سراحها في غضون ساعات. يفترض المؤرخون على نطاق واسع، على الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة، أن صداقتها مع تشرشل كانت مسؤولة بطريقة ما عن هروبها بسهولة، سواء تدخل مباشرة أم لا.
لاحقاً غادرت إلى سويسرا هرباً من أي انتقام، وبقيت لمدة تقارب عقداً. واصلت علاقتها مع شباتز لسنوات بعد الحرب، ولم تواجه أي عواقب رسمية لأنشطتها في زمن الحرب. يغطي المسلسل تلك السنوات، ولكن لا يوجد تسريبات هنا بالنسبة للحلقات التي لم تصدر بعد، باستثناء القول إن بعض ما يصوّره المسلسل حقيقي، فيما يبتعد الكثير منه، بما فيه دور شباتز، بشكل كبير عن هذا السجل التاريخي.
ربما يكون تعاون شانيل قد شوّه إرثها، لكنه لا يزال يُحتفى بها باعتبارها ربما المصممة الأكثر تأثيراً في القرن العشرين. والحقائق المظلمة عن المبدعين لا يتم تجاوزها باعتبارها شيئاً من الماضي. على سبيل المثال، فيلم كيفن ماكدونالد “هاي أند لو” هو فيلم وثائقي جديد مدهش حول المصمم الشهير جون غاليانو الذي تتقاطع حياته المهنية مع شانيل. أصبح المدير الإبداعي لدار ديور وفقد وظيفته في عام 2011 بعد ظهور مقاطع فيديو له وهو يصرخ في حالة سكر بعبارات معادية للسامية.
لكنه عاد بتوبة، وحصل عرضه الأخير لدار مايسون مارجيلا، قبل شهر فقط، على استحسان واسع النطاق.
في الوثائقي، تتحدث عنه روبن جيفان، الناقدة في صحيفة واشنطن بوست المتخصصة في الأزياء والثقافة والفائزة بجائزة بوليتزر، بكلمات يمكن أن تنطبق بسهولة على شانيل. “حتى لو كنت تعتقد أن غاليانو يستحق فرصة ثانية”، تقول جيفان، “لا يزال بإمكانك أن تشعر بعمق بما قاله. من الممكن أن تحتفظ بهاتين الفكرتين المتناقضتين في ذهنك في نفس الوقت”.
مسلسل “ذا نيو لوك” متوفر الآن على “آبل تي في بلاس”.