أخبار العالم

التحولات تفرض المردودية على عمل الأجهزة العمومية في المغرب



قالت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، إن التدبير العمومي في ظل التحولات الراهنة التي تخضع لها المالية العمومية أصبح يتمحور حول “تقليص الفوارق بين التدبير العمومي والتدبير الخاص”.

وأضافت العدوي، في كلمة ألقتها في افتتاح الندوة التي ينظمها المجلس حول “نظام المسؤولية أمام الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، الحصيلة والآفاق”، اليوم الخميس في الرباط، أن تقليص الفجوة بين التدبير العمومي والخاص ينبغي أن يتم من خلال “البحث عن الفعالية في الأداء العمومي وتحقيق المردودية والأثر في عمل الأجهزة العمومية كأسس للتدبير المرتكز على النتائج، وطرق تدبير الشأن العام بشكل عام”.

وسجلت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن تحقيق هذا المبتغى يتطلب منح المسؤولين العموميين “هامشا واسعا من الحرية والتصرف في اتخاذ القرارات وأعمال التدبير، واتسامهم بروح المبادرة والإبداع مقابل تعزيز الرقابة على هذا النشاط وامتدادها لتشمل المقاربة الاقتصادية في ممارستها، إلى جانب المقاربة القانونية”، مؤكدة أن هذا التوجه يتطلب “دعم مسارات تحسين وتأهيل القدرات المؤسسية والمهنية للأجهزة العليا للرقابة”.

وأشارت المسؤولة ذاتها إلى أن الإصلاحات ستكون لها آثار قانونية نوعية على نظام مسؤولية المدبرين العموميين أمام الأجهزة العليا للرقابة، من خلال أهمية وضع أنظمة “جديدة للمسؤولية لا ترتكز فقط على ضمان مبدأ الشرعية والمطابقة؛ بل أيضا على المساءلة عن أخطاء التسيير وعن جودة الحسابات العمومية وتقييم النتائج المحققة بالنظر إلى الوسائل المستعملة”.

وزادت العدوي مبينة أن موضوع مسؤولية المدبرين أمام الأجهزة العليا للرقابة يتسم بـ”راهنية خاصة، ويحظى بأهمية بالغة لدى الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة على اختلاف نماذجها والسياقات التاريخية لتطور أنظمة مسؤولية المدبرين العموميين في بلدانها”.

وتابعت المتحدثة ذاتها قائلة: “الموضوع يتجاوز الأبعاد القانونية والتقنية الصرفة ليلامس مقومات بناء الدولة الحديثة وما تقتضيه من تعزيز للشفافية وضمان لمساءلة القائمين على تدبير الشأن العام”، مشددة على أن يشمل الأعمال الصادرة عنهم التي “قد تشوبها أخطاء أو تقصير أو تهاون؛ بل أيضا عن تقييم نتائج هذه الأعمال على مستوى كيفية قيام الأجهزة العمومية التي يشرفون عليها بالمهام والأغراض التي أحدثت من أجلها وأثرها على جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين والبنيات التحتية وتحفيز مناخ الاستثمار، باعتبارهما مصدرا، من جهة لتعزيز ثقة السلطات والمواطنين في طرق ومناهج تدبير الأموال العامة ولتدعيم التماسك والسلم الاجتماعيين، ومن جهة أخرى لخلق الثروة وفرص الشغل”.

واعتبرت العدوي أن المجال الواسع لتدخل الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة وتنوع آلياتها ومخرجاتها يمثل “عاملا رئيسيا وحاسما في تفادي حالات الإفلات من العقاب وفي إقامة نظام للمساءلة يتناسب مع طبيعة المخالفات التي لا تتسم بخطورة أكبر ولا ترقى إلى أن تكون موضوع المساءلة الجنائية”.

وزادت موضحة أن تدخل الأجهزة العليا للرقابة يمتد ليشمل نطاق ومجال المساءلة إلى “اختلالات التسيير وأخطاء الإهمال والتقصير في القيام بالواجبات الوظيفية ومهام القيادة والاشراف التي تبتعد عن القواعد العامة للتدبير الجيد ولا تعكس الكفاءة الواجبة للمسؤول العمومي، سواء على صعيد البرمجة أو الهيكلة التنظيمية في توزيع الاختصاصات وإسناد المهام داخل الأجهزة العمومية، أو على مستوى وسائل وطرق بلورة وإعداد وإنجاز وتتبع المشاريع والبرامج العمومية وتحقيق الأغراض والغايات التي أنجزت هذه المشاريع والبرامج من أجلها”.

وفي ظل تزايد الانتظارات التنموية للمجتمعات مع توالي الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية والمالية العالمية وتداعياتها، أكدت العدوي أن أجهزة الرقابية ملزمة بـ”الارتقاء إلى مراحل أكثر تقدما في الممارسات الرقابية والانخراط في دينامية جديدة، ترتكز على الاستشعار المسبق للتحولات العميقة لطبيعة وظائفنا المؤسسية والتنموية الجديدة والرهانات والتحديات التي تواجه الرقابة على المال العام من خلال المساهمة في النقاش حول المحاور الرئيسية للإصلاحات الكفيلة بتحيين وتحديث التشريعات الوطنية ذات الصلة بأنظمة المسؤولية”، مشددة على ضرورة مواكبة “الإكراهات ومستجدات إصلاحات المالية العمومية والقطاع العام والثورة الرقمية ومتطلبات الأمن القضائي المالي”.

كما أوضحت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن نجاعة تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي ضمان التكامل مع “مختلف الأجهزة الرقابية المكونة لهذا النسق، وكذا هيئات ومؤسسات الحكامة في إطار منظومة وطنية متكاملة ومتجانسة تتيح جسورا قانونية ومؤسساتية وآليات للتنسيق والتعاون بين مختلف الأطراف المعنية، بشكل يمكن من اعتماد مقاربة جامعة تشمل الوقاية وتقويم وتصحيح الوضعيات في الوقت المناسب، وعند الاقتضاء، زجر الانحرافات والأخطاء والمخالفات التي قد ترصدها المهمات الرقابية لمختلف هذه الهيئات والأجهزة بما يضمن إعمال المسطرة المناسبة بشأنها وتحسين الأداء”، وفق تعبيرها.

يذكر أن الجلسة الافتتاحية للندوة عرف حضور عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، وفوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، والحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، وعدد من المسؤولين ورؤساء أجهزة الرقابة العليا في عدد من الدول الأجنبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى