أخبار العالم

هذه دوافع اقتراف الجرائم الإلكترونية من طرف “فئات شبابية متعلمة”



خلصت دراسة حديثة أنجزها الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع الوالي عبد الغفور، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله-فاس، إلى أن “ارتفاع نسبة الفقر، البطالة وطول وقت الفراغ، عوامل تدفع بمجموعة من الشباب –المتعلّمون منهم على وجه الخصوص– إلى استثمار معارفهم في الأنشطة الإجرامية المعلوماتية، بغية الحصول على فوائد مادية (سرقة حسابات إلكترونية و”تهكير” (قرصنة) بطائق بنكية، خلق شركات وتجارة إلكترونية وهمية، انتحال شخصيات، إلخ)”.

وجاء لافتاً أيضا من بين خلاصات الدراسة البحثية، المنشورة ضمن مقال علمي في “مجلة العلوم الاجتماعية” (دولية مُحكمة) في عددها الثامن والعشرين، الصادرة عن “المركز الديمقراطي العربي”، أن “بعض الشباب يرتكبون هذا النوع من الجرائم كإحدى آليات تقدير الذات عن طريق التحدي والظهور والشهرة”، مضيفا أن “هناك مَن يستغلها، أحيانا، بهدف الابتزاز وتهديد الضحايا مقابل الحصول على مكاسب مادية وأخرى معنوية (الانتقام مثلا)”.

ولم يفُت الدراسة، المعنونة بـ”تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار السلوكيات المنحرفة والجرائم الإلكترونية لدى فئة من شباب ومراهقي مدينة مكناس – مقاربة سوسيولوجية”، أن ترصد، ضمن محاورها، “انتشار الجريمة الإلكترونية إلى جانب قيام البعض من فئة الشباب المراهق بسلوكيات منحرفة؛ كالتحرش والعمل الجنسي الافتراضيين، والتنمر، ومشاهدة الأفلام الإباحية، والتشبع بأفكار متطرفة وإجرامية وغيرها”.

“رغم الآثار الإيجابية التي خلَّفَها ظهور الأنترنيت بصفة عامة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص فقد طفت من خلاله إلى السطح سلوكيات معادية للمجتمع، وأخرى ضد القانون”، يورد الباحث السوسيولوجي عبد الغفور، مشيرا إلى سلوكيات منحرفة وجانحة يصعب ارتكابها على أرض الواقع بكل أمان رغم تشابهها مع التقليدية منها في أطراف الجريمة: مجرم ذو دافع لارتكاب الجريمة، وضحية (شخص طبيعي أو اعتباري وأداة ومكان ارتكابها).

وفي مضامينها، أكدت الدراسة من خلال تتبع دقيق أن “الجريمة الإلكترونية تتطور يوما بعد يوم، نظرا للتطور التكنولوجي والعالم الافتراضي الذي ييسّر سبل ارتكابها”، خالصة إلى أن من أبرز مميزاتها كونها “تنشأ في الخفاء، وطريقة تنفيذها أسهل وأسرع، ومردوديتها أقل خطورة”.

وتابع الباحث ضمن خلاصاته بأن “الفقر والبطالة باعتبارهما ظاهرتين جد مُنتشرتَيْن في صفوف المجتمع المغربي، وخصوصا شبابه ومراهقيه، إلى جانب طول وقت الفراغ، من دوافع الجريمة الإلكترونية؛ ناهيك عن رغبة المعني في إثبات ذاته كشخص له من القدرات ما لا يمتلكها غيره”؛ وهو ما أفضى إلى “تأثيرات سلبية لهذا النوع من الجرائم على البناء النفسي والعلائقي للفرد وكذا قيم ومعايير المجتمع”.

أهداف ومنهج الدراسة

استهدف الأكاديمي بجامعة فاس، من خلال هذه الدراسة، “التعرف على الجريمة الإلكترونية ودوافعها، كشكل من أشكال الجرائم الحديثة التي تعرف تزايدا مستمرا في أوساط فئة الشباب؛ باعتبارها الفئة الأكثر استخداماً لشبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي”؛ كما توخى “الكشف عما أفرزته هذه الظاهرة من آثار على مستوى قيم المجتمع ومعاييره من جهة، وما خلفته من تبعات نفسية واجتماعية على ضحاياها، خصوصا في ظل نقص الرقابة والضبط الاجتماعيين المصحوبين بضعف التشريعات القانونية أيضا”.

ومن أجل تحقيق أهداف الدراسة لجأ الباحث إلى توظيف “المنهج الكيفي عبر إجراء عدد من المقابلات نصف الموجهة مع عينة قَصدية من شباب ومُراهِقي مدينة مكناس”.

وأورد الأستاذ الباحث في السوسيولوجيا أن “انتشار استخدام التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال فرَضَ واقعاً جديدا أثر على حياة الأشخاص والمؤسسات، تارة على نحو إيجابي وآخر على نحو سلبي، فإذا كان تعرض الأفراد لمحتوى وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة (القنوات الإذاعية والتلفزية، الصحف والمجلات…) على نطاق شبه عالمي يؤثر بنحو خفي في جزء كبير من الأفعال الاجتماعية والمعتقدات ويُقيّدها فإن هذا التأثير سيكون أكبر وأقوى بالنسبة للمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها فضاءات رقمية، أو ما يصطلح عليها بالفضاءات السيبرانية أو الافتراضية، ولعل أهمها انتشار الجرائم الإلكترونية”.

أبرز النتائج

ضمن دراسته رصد الباحث “حجم ووتيرة ارتباط فئة المراهقين بوسائل وشبكات التواصل الاجتماعي”، مردفا: “فايس بوك Facebook وواتساب ويوتيوب من وجهة نظر مستجوبينا تشكل النسبة الأكبر من حيث الاستعمال مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لكن مِؤخرا بدأ توظيف تطبيقات أخرى كـ تيك توك، ثم سناب شات وأنستغرام وغيرها… حيث يقضون حيزا مهما من الزمن قد يتجاوز 10 ساعات في اليوم، موزّعة على فترات؛ في وقت الفراغ، وأحيانا أثناء مزاولة نشاط ما (العمل، الدراسة، التنقل، الأكل، الاستعداد للنوم…إلخ).

في المقابل، اتضح، حسب عينة الدراسة ونتائجها، أن “الإناث هنّ الأكثر استهلاكا لهذه الوسائل”، قبل أن يعلق الباحث مناقشا هذه النتيجة: “هذا راجع في كثير من الأحيان إلى طبيعة المجتمع الذي يتيح للذكور إمكانية القيام بأنشطة خارجية مقارنة بالإناث (الرياضة، التجمعات في المقاهي، التجول عبر الأزقة والشوارع…إلخ)”.

ووفق ما خلص إليه الباحث ذاته فإن “صور وأشكال الانحرافات والجرائم في العالم الافتراضي وعبر شبكات ووسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي تتعدد عبر الابتزاز الإلكتروني، النصب والاحتيال، التسول الإلكتروني ومخاطبة عواطف الناس، ثم العمل الجنسي والطرق الحديثة للدعارة”، قبل أن يختم بتحديد “دوافع السلوك المنحرف والإجرامي عبر شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي وكذا الآثار الناجمة عنه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى