مهرجان يتدارس التخييل في السينما والتاريخ

احتضنت كلية اللغة العربية ومدينة اللغات والثقافات بمراكش، مؤخرا، فعاليات الملتقى السينمائي الأول لمؤسسة مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، في موضوع “التخييل في السينما والتاريخ”.
ونظم القائمون على الملتقى لقاء مفتوحا (ماستر كلاس) مع المخرج السينمائي محمد عبد الرحمن التازي، بمدرج محمد الشرقاوي، تم خلاله عرض فيلمه التاريخي “جارات أبي موسى” المقتبس من رواية الوزير أحمد التوفيق.
وفي هذا الصدد استظهر المخرج المغربي أهم لحظات إعداد وتصوير الفيلم، متحدثا عن مفارقاته وخصوصياته، وبعض من كواليس تصويره واختياراته الفنية والتقنية، كما لم يخف قلقه من تراجع مستوى الإقبال على السينما، في ظل المتغيرات التكنولوجية الجديدة، وتداعيات أزمات العصر على أم الشاشات، داعيا إلى “إعادة تأسيس حوار تربوي فني ينطلق من المدرسة والجامعة والأسرة”.
مائدة نقدية سينمائية حول “التخييل بين السينما والتاريخ”
على هامش الملتقى نظمت ندوة مسائية بقاعة المؤتمرات بمدينة اللغات والثقافات، في موضوع: “التخييل بين السينما والتاريخ”، سيرها الأستاذ محمد أيت لعميم، وأطرها كل من النقاد عبد الجليل لبويري، وبوبكر الحيحي، وبوشتى المشروح، ومحمد البوعيادي، وحسن نرايس.
وساهمت الجلسة العلمية النقدية في كشف وتمحيص علاقات التاريخ والرواية بالتخييل والسينما، ومكامن ثورة سينما التخييل وعناصر قوة الأخيرة بفضل انتصارها للأبعاد التاريخية وآثارها في الوجدان الإبداعي والفني.
واستحضر المتدخلون، كل من زاوية مقاربته الخاصة، مواطن ابتعاث التاريخ في النص السينمائي، وحضور التخييل في هذا النص، وكيف يمكن للسينما أن تفرح بهذا التوارد الفريد.
كما كانت للسينما المغربية، في نموذج تعاطيها مع النصوص التاريخية، حلقة نقاش مطول، أثارته بعض مداخلات الحاضرين من صناع السينما وأكاديميين، خصوصا في ما يتعلق بمداخلة الناقد بوبكر الحيحي، التي تمحورت حول بنية التأطير من خلال قراءته النقدية لفيلم “جوقة العميان” للمخرج محمد مفتكر.
كما ناقش المشاركون أجزاء مختصرة من فيلم “ياقوت” للمخرج السينمائي جمال بلمجدوب، الذي دافع عن مضمون فيلمه وسياقات حضوره في السينما المغربية، وظروف إنتاجه، عبر شرح علاقة الكتابة السينمائية بالمتخيل وانسجام نسقيهما، لافتا إلى أن “الإخراج مسؤولية أخلاقية فنية قبل أي شيء آخر”.
توقيع كتاب “تاريخ السينما..” لبوشتى المشروح
كما جرى في الموعد ذاته توقيع آخر إصدارات الدكتور بوشتى المشروح، “تاريخ السينما في المغرب: من أواخر القرن التاسع عشر إلى سنة 1912”؛ وهي دراسة تسعى حسب المؤلف إلى الإسهام في التأريخ للفعل السينمائي بالمغرب، وإعادة كتابة تاريخ بدايات السينما بالمملكة، ومراجعة المسلمات اليقينية بعد إخضاعها للبحث الأكاديمي.
وأضاف الناقد السينمائي أن الإصدار يبحث ترميم الذاكرة الوطنية والتاريخية في علاقتها بالسينما، وإثارة تساؤلات تهم منعطفات كبرى في التاريخ العام للمغرب، الذي ظل يعتمد على المصادر الكلاسيكية المتبعة في الكتابة التاريخية، دون الاعتماد على الأفلام السينمائية التي وثقت للأحداث التاريخية الكبرى، ما يستدعي البحث عن تلك الأشرطة ووضعها رهن إشارة الباحثين.
إشراك تلميذات زلزال الحوز
وتوج ملتقى مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، الأحد بثانوية محمد السادس، بلقاء مفتوح، بتنسيق وتعاون مع جمعية أصدقاء المدرسة العمومية، لفائدة أكثر من مائتي 200 تلميذة من ضحايا زلزال الحوز، أطره المخرجان السينمائيان محمد عبد الرحمن التازي وجمال بلمجدوب.
وتابعت التلميذات بشغف كبير شريطا مصورا قصيرا عن أهم إنجازات المخرجين السينمائية. كما اشتبكت أسئلة التلميذات براهن السينما المغربية، وموقع المخرجين المشاركين في خريطة السينما الوطنية، ومستقبل الإنتاج السينمائي، ومدى أهمية اختيار السيناريو لدى المخرجين، وكواليس التصوير.
وفي تجاوب التازي وبلمجدوب، أضاء الضيفان جوانب هامة من مسار شاق وعسير، بين زمنين متفارقين شهدت السينما المغربية في سياقهما تحولات سريعة إنتاجا وجودة والتقائية ثقافية فنية.
وعبر التازي في اللقاء عن رغبته الملحة في إعادة إحياء الأندية السينمائية المدرسية والجامعية، مؤكدا على “ضرورة انخراط المدرسة والأسرة في تحبيب الفن السينمائي للمتعلمين”.
كما أوضح بلمجدوب، في السياق ذاته، أن “العلاقة الرابطة بين السينما والحياة تفرض البحث عن المعرفة بها والإصغاء لفورتها”، معتبرا أن “الوجود الرمزي الآن للصورة أضحى علامة بارزة في السيرورة والحياة”.
من جهته، أشار الدكتور محمد أيت لعميم، عضو مؤسسة مهرجان السينما والتاريخ، إلى أبعاد اكتشاف النصوص الجديدة التي تحتفي بالفضاءات ذات القيمة الجغرافية والتاريخية والثقافية ببلادنا، كالجبال والبوادي والمداشر، وهو ما يفرض ـ يضيف ـ الاهتمام بالاقتباسات الروائية الذكية، وإبرازها كشكل من أشكال التوظيف الجمالي الفني والإبداعي.
وختمت الأستاذة ليلى بنسليمان، رئيسة جمعية أصدقاء المدرسة العمومية، اللقاء بالتأكيد على الحاجة الملحة إلى تبسيط بيداغوجيات التلقي الفني عموما والسينمائي على وجه الخصوص، مقترحة أن “يتم التعاون مستقبلا مع المهرجان في تقديم موسوعة تختصر تاريخ السينما المغربية والعالمية”، من أجل إبراز معلومات أولية تبدأ عرض المفاهيم في السينما وتاريخها وعلاقتها بالفنون المجاورة، وأسماء المخرجين، وكتاب السيناريو.