من الرابح والخاسر من “انسحاب” قوات التحالف الدولي من العراق؟
- Author, أحمد يحيى
- Role, بي بي سي نيوز عربي – القاهرة
استؤنفت مؤخرا المحادثات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة، بشأن انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق.
وقال بيان للمتحدث باسم الجيش العراقي اللواء “يحيى رسول”، يوم الأحد الماضي، إن المحادثات تبحث جدولا زمنيا “لخفض مدروس وتدريجي وصولا إلى إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية” في العراق.
وتأتي هذه المحادثات على وقع تزايد الهجمات المتبادلة، شبه اليومية، بين الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران والقوات الأمريكية المتمركزة في العراق وسوريا. وتعرضت تلك القوات لأكثر من 165 هجوما، منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وكانت بغداد وواشنطن قد أطلقتا هذه المحادثات في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، في إطار “لجنة عسكرية عليا” مشتركة، لكنها عُلقت في الثامن والعشرين من الشهر نفسه، عقب هجوم بطائرة مسيرة أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن على الحدود مع سوريا. واتهمت واشنطن جماعات متطرفة مدعومة من إيران بالمسؤولية عن الهجوم، وهو الأمر الذي نفته طهران.
ما هو التحالف الدولي؟
في العاشر من شهر سبتمبر/ أيلول عام 2014، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما عن تشكيل تحالف دولي لمكافحة والقضاء على تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وذلك من خلال عمليات عسكرية مشتركة تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم.
وتمثل القوات الأمريكية القوام الرئيسي لقوات التحالف الدولي، الذي بدأ عملياته العسكرية بضربات جوية استهدفت مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا، واستمر القتال لأكثر من ثلاث سنوات.
وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2017، أعلنت الحكومة العراقية وقوات التحالف النصر على داعش.
وتنشر واشنطن حاليا نحو 2500 عسكري في العراق، ونحو 900 في سوريا في إطار مكافحة تنظيم الدولة.
لماذا يطالب العراق بانسحاب القوات؟
وردا على هجمات الفصائل المسلحة الموالية لإيران، شنت قوات التحالف ضربات استهدفت قادة عسكريين لفصائل عراقية موالية لإيران، ما دفع بغداد للمطالبة بإنهاء مهمة التحالف في البلاد.
ومن أبرز هذه الهجمات ما حدث في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، حين أسفر هجوم أمريكي عن مقتل “مشتاق طالب السعيدي” المُلقب بـ “أبو تقوى” القيادي بحركة النجباء إحدى الميليشيات العراقية المنضوية ضمن فصائل الحشد الشعبي.
وبينما بررت واشنطن هذه العملية باعتبارها ضمن حقها في الدفاع عن النفس، اعتبر العراق أن مثل هذه الضربات تُعد أعمالا عدائية من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية والمساس بسيادة وأمن واستقرار البلاد، وتتجاوز الأهداف المُتفق عليها لمهمة التحالف ضد داعش.
وفي يوم الأربعاء 7 فبراير/ شباط الجاري، لقي القيادي في كتائب “حزب الله” العراقية التابعة للحشد الشعبي، أبو باقر الساعدي، ، مصرعه في غارة أمريكية استهدفت سيارة كانت تقله شرقي بغداد.
وقال مسؤول أمريكي، لشبكة سي إن إن، إن واشنطن لم تبلغ العراق بالضربة إلا بعد تنفيذها، بسبب “مخاوف أمنية عملياتية”.
ردا على ذلك، أكدت بغداد أن تكرار القوات الأمريكية لضرباتها على البلاد يدفع الحكومة العراقية “أكثر من أي وقت مضى” إلى إنهاء مهمة التحالف الدولي.
وفي يوم السبت 10 فبراير/ شباط، دعا مجلس النواب العراقي إلى إنهاء مهام القوات الأجنبية في البلاد، وأحال للحكومة مقترح قانون بهذا الشأن.
ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي يطالب فيها العراق بإنهاء مهمة قوات التحالف، ففي أعقاب مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” على يد الجيش الأمريكي في بغداد، في يناير/ كانون الثاني عام 2020، صوّت البرلمان العراقي لصالح إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.
وفي منتصف أغسطس/ آب عام 2023 أكّد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن العراق لم يعد بحاجة إلى قوات أجنبية على أراضيه، لكن المطالبات هذه المرة تأتي بضغوط شعبية وضغوط من الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
هل يمكن أن تنسحب القوات الأمريكية فعلا من العراق؟
الجواب باختصار هو “لا”.
هذ ا ما يراه حيدر البصير، صحفي وناشط حقوقي عراقي، ويقول إن القوات الأمريكية لن تنسحب من العراق في الأجل القريب وإن هذه المفاوضات لكسب المزيد من الوقت من جانب واشنطن.
وأضاف في اتصال مع بي بي سي: “لن تنسحب القوات الأمريكية من العراق في القريب العاجل، وأظهرت واشنطن عدم رغبتها في ذلك علنا، وهناك مؤشرات قوية على ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن الظرف الإقليمي لا يسمح بذلك الانسحاب، لأن إيران قد تملأ الفراغ الذي سينتج سياسيا وعسكريا”.
ويذَّكر البصير بتجربة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021، والتي اعتبرت بمثابة “نقطة معنوية ضد واشنطن ودافعا معنويا لصالح المعادين لها، ومن ثم فإن الانسحاب الأمريكي من العراق سيعد هزيمة لها وليس انسحابا من خلال المفاوضات”.
“توازن إقليمي”
ويرى البصير أن الوجود الأمريكي في العراق يحقق لواشنطن توازنا مهما مع النفوذ الإيراني في العراق، وكذلك النفوذ التركي والخليجي هناك.
ويقول : “كما أن سوريا تشهد حفاظا على قواعد الاشتباك بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن العراق يشهد حفاظا على قواعد الاشتباك بين الولايات المتحدة وإيران”.
“والدليل على ذلك أن القصف الإيراني (الذي تشنه الفصائل العراقية الموالية لإيران) محدود والرد الأمريكي محدود أيضا مهما بلغت قوته التدميرية”، ومن ثم فإذا انسحبت واشنطن فسوف تفقد هذا التوازن المهم لصالح إيران.
ولكن هل هناك سبب آخر قد يدفع واشنطن للانسحاب؟
يجيب الدكتور محمد عباس ناجي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية بالقاهرة، قائلا إن وجود تلك القوات في العراق وسوريا يعرضها للتهديد المستمر، فمنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى تعرضت لأكثر من 160 هجوما وسقط 3 قتلى من الجنود الأمريكيين لأول مرة، في الهجوم الذي استهدف قاعدة البرج 22 في الأردن، و”هذا دافع قوي للانسحاب”.
من الخاسر والرابح؟
وعن الأطراف الخاسرة من انسحاب أمريكي محتمل، يقول البصير أن حكومة إقليم كردستان العراق والسنة العراقيين سيكونون أبرز الخاسرين.
ويقول: “الأكراد والسنة يرفضون جلاء القوات الأمريكية، لأنهم يعلمون تماما أن الحكومة العراقية ضعيفة، وأن نفوذ إيران ربما يفوق نفوذ واشنطن في بلادهم”.
ويضيف “إيران تمتلك الميلشيات الشيعية الموالية لها، وتركيا تحارب حزب العمال الكردستاني التركي النشط في شمال العراق، وسوف يصب الانسحاب في صالح البلدين”.
وبالتالي يخشى السنة والأكراد من ذلك الانسحاب لأنه سيحدث فراغا كبيرا، في وقت تُفقد فيه الثقة مع إيران التي لم ينعكس تحسن علاقاتها مؤخرا مع السعودية على علاقاتها بالسنة والأكراد في العراق، وفق حيدر البصير.
ويرى محمد عباس ناجي أن الحكومة والميلشيات العراقية وإيران هم أبرز الرابحين حال الانسحاب.
وأضاف في اتصال مع بي بي سي: “الانسحاب معناه أن إيران ستملأ تلقائيا الفراغ الناجم، وبالتالي سيكون المستفيد الأول هو الخصم الإقليمي الرئيس للولايات المتحدة. ستصور إيران الأمر على أنه انتصار لها – كما فعلت في أفغانستان -وسوف تستفيد منه بشكل كبير”.
إلى جانب ذلك سوف تستفيد الميلشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران، وسوف “تسعى لتعزيز مكانتها واستنساخ تجربة حزب الله اللبناني في العراق”.
كما أن حكومة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، سوف تستفيد أيضا لأن إخراج قوات التحالف جزء من برنامجها السياسي، ومن ثم سوف تعلن ذلك نجاحا لبرنامجها السياسي، وفق ناجي.
“كما سيعطي الانسحاب فرصة كبيرة لكل من روسيا وتركيا وإيران، لوضع الترتيبات الأمنية والسياسية في العراق وسوريا، في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي”.
تداعيات محتملة
يتفق كل من حيدر البصير وعباس ناجي، على أن الانسحاب سوف يقلب التوازن الإقليمي الحاصل الآن لصالح إيران.
ومن التداعيات الأخرى إمكانية عودة تنظيم داعش من جديد، وفق عباس.
ويقول: “تنظيم داعش ممكن أن يعود للظهور من جديد. هو موجود بالفعل في شكل فلول صغيرة، لكن يمكن أن ينشط ويقوى من جديد”.
كما سيعطي الانسحاب إشارات سلبية لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة – السعودية ودول الخليج وإسرائيل – ومن ثم يدفعهم إلى عدم التعويل على الولايات المتحدة وتطوير علاقاتهم بمنافسيها، الصين وروسيا.
ويستشهد عباس برعاية بكين لاتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران مؤخرا، وعدم تجاوب الرياض مع مطالب واشنطن برفع سقف إنتاج النفط “لأن السياسات الأمريكية في المنطقة تبدو أنها تسعى لتعزيز مصالحها بصرف النظر عن مصالح الشركاء”.
ويقول عباس: “مثال على ذلك موقف الإدارة الأمريكية من الحوثيين في اليمن، إذ صنفتهم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب كمنظمة إرهابية، وجاءت إدارة بايدن لتلغي ذلك التصنيف رغم غضب السعودية، ثم أعادت تصنيفهم مرة أخرى فقط بعدما هاجموا المصالح الأمريكية وسفن الشحن في البحر الأحمر”.
ويضيف: “سيزيد الانسحاب الأمريكي من العراق من شكوك الحلفاء الإقليميين في مصداقية الحليف الأمريكي”.