أستاذ يتعرض للتعنيف من تلميذين .. إشكال منظومة يبلغ ممارسة مرفوضة
تعرض أستاذ لمادة الفيزياء والكيمياء بثانوية بدر التأهيلية بمدينة مكناس قبل أيام لاعتداء جسدي من قبل تلميذين يتابعان دراستهما بمستوى الجذع المشترك العلمي. وقد تطور الأمر إلى درجة تقديم شكاية إلى مصالح الشرطة، وفقا لما أفاده بيان للمكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي بمكناس.
وندد بيان المكتب المذكور بـ”تعرض الأستاذ للاعتداء على مرأى من تلامذته”، معتبرا إياه “اعتداء شنيعا ترتب عنه المساس بالكرامة”، ودعا الأساتذة إلى “التحلي باليقظة والتضامن والتصدي لكل من يحاول المس بسلامتهم الجسدية”.
وحسب مصادر هسبريس، فإن الأستاذ المعني “لا يزال متشبثا بالدعوى التي قدمها ضد التلميذين المذكورين، في الوقت الذي كانت المسألة تتجه نحو محاولة دفعه نحو التنازل. أما أم أحد هذين التلميذين فحاولت مباشرة المسطرة الإدارية لنقل ابنها إلى مؤسسة أخرى”.
وتعيد هذه الواقعة إلى الواجهة مسألة العنف المدرسي ضد الشغيلة التعليمية، حيث تقع بين الفينة والأخرى بمدارس المملكة مثل هذه الوقائع التي عادة ما تنتهي بمخافر الشرطة، وقد يصل الأمر بالتلاميذ إلى الإصلاحيات ومراكز التهذيب، الأمر الذي يقرؤه الباحثون في السوسيولوجيا على أنه “تحول جوهري في العلاقة بين التلميذ والأستاذ إلى درجة أن هذه العلاقة باتت تقنية أكثر من كونها علاقة قيمية وتربوية”.
ممارسات مرفوضة
قال زهير جعفري، نائب الكاتبة الإقليمية للجامعة الوطنية للتعليم FNE بمكناس، إن “العنف مرفوض في أي مكان، خصوصا إن كان بين التلميذ وأستاذه. وقد لاحظنا أن هذه الممارسات باتت تتكرر خلال السنوات الأخيرة، حيث إن عددا من الأساتذة تعرضوا لسلوكيات عنيفة من قبل تلامذتهم”.
وأضاف جعفري، في تصريح لهسبريس، أن “الأساتذة تابعوا بأسف كبير ما جرى بثانوية بدر التأهيلية بمكناس بعد أن تعرض الأستاذ المذكور للاعتداء على يد اثنين من تلامذته، اللذين يبقيان قاصرين إلى حدود الساعة”، ملمحا إلى أن “الشغيلة التعليمية باتت تواجه مثل هذه الحالات العنيفة، خصوصا في أوقات الامتحانات، التي يكون فيها التلاميذ عازمين على إشهار ورقة العنف ضد الأساتذة لضمان فرصة كبرى للنجاح عبر بوابة الغش”.
وأبرز أن “الوسط التربوي يحتاج إلى نشر ثقافة الحوار بين المتفاعلين داخله بشكل أكثر نجاعة لإخراج العملية التعليمية إلى بر الأمان حتى تعطي ثمارها التي وُجدت أساسا من أجلها”.
إشكال منظومة
محس بنزاكور، الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، قال إن “علاقة التلاميذ بأساتذتهم باتت تقتصر كثيرا على النقط، في الوقت الذي تنتفي مختلف الجوانب الأخرى، حيث يبدو أن هذه العلاقة صارت تتجه نحو أن تصير مرهونة فقط بهذه النقطة، وهو ما يتطور إلى ابتزاز يمارسه التلميذ ضد أستاذه أو العكس”.
وأضاف بنزاكور، في تصريح لهسبريس، أن “مثل هذه الظواهر تبقى من إفرازات المنظومة التعليمية، التي جعلت الامتحانات والاختبارات مسألة حياة أو موت، ولذلك يلجأ التلاميذ عادة إلى العنف في حالة ما تم ضبطهم في وضعية الغش”، مشيرا إلى أن “التساؤل الآن هو: هل هذه المنظومة بإمكانها أن تنتج لنا جيلا يُحكم العقل عوض العنف ويحاول فض النزاع بطرق منطقية؟”.
ولفت المتحدث إلى أن “الدولة والمجتمع تفطنا قبل مدة إلى أن العنف لا يربي، وقد صيغت في هذا الإطار أمثال شعبية كثيرة، وبالتالي كان هنالك توجه نحو إخراج علاقة الأستاذ بالتلميذ من علاقة السلطة تماشيا مع مختلف التغيرات الدولية التي همت حقوق الإنسان والطفل كذلك”.
وأضاف أنه “لا يمكن اعتبار أي نازلة يقوم فيها التلميذ بتعريض أستاذه للعنف الجسدي بعد أن حرمه من فرصة الغش مجرد ردة فعل، بل تتجاوزه لتصبح تجسيدا لعدم إيمان التلميذ بمفهوم الأخلاق في وسط لا يزال منغمسا في ثقافة الفعل وردة الفعل”، مشيرا إلى أن “المطلوب حاليا هو إعادة النظر في المنظومة برمتها بشكل يعطينا محيطا أكثر تقبلا للحوار”.