سياقات الجولة المغاربية لوزير خارجية الجزائر .. تثبيت وجود أم تعزيز نفوذ؟
حطت طائرة وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، بموريتانيا في سياق جولة مغاربية تحمل الكثير من الأسئلة حول سياقاتها ودلالاتها. وإن كان التقارب المغربي الموريتاني قد تم تجديد دمائه الشهر الماضي، فإن الجارة الشرقية عادت لتعلن زيادة نفوذها في نواكشوط.
وأفرجت زيارة عطاف إلى الجارة الجنوبية للمملكة عن وجود “انشغالات عميقة لكلا البلدين تجاه التوترات الإقليمية”، و”ارتياح لمسار العلاقات التي تعيش أبهى مراحلها التاريخية”، وفق تعبيره.
وحمل وزير الخارجية الجزائري رسالة خطية إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وقدم رسالتين مماثلتين لزعيمي تونس وليبيا، في وقت تعيش فيه الجزائر تحديات غير مسبوقة، خاصة بعد تشديد جيشي النيجر ومالي السيطرة على حدودهما الشمالية.
في سياق ذلك، تشير العديد من وجهات نظر مراقبين إلى “تسريع الجزائر جهودها لتقوية نفوذها مغاربيا، خاصة في موريتانيا، التي تم الإعلان رسميا عن دخولها مبادرة الأطلسي المغربية كطرف أساسي”.
وتعيش نواكشوط على وقع حركية ديبلوماسية قوية بداية السنة الجارية، في ظل حديث تقارير متطابقة عن “تهافت إقليمي ودولي كبير على هذا البلد الذي أصبح يفرج عن مؤهلاته الاقتصادية الوفيرة”.
سياق ليس بريئا
يرى وليد كبير، ناشط سياسي جزائري معارض، أن هاته الزيارة “ليست عادية، ولا يمكن أن يكون سياقها الزمني بريئا، إذ تأتي في ظل تخوف واضح للنظام الجزائري من توسع نفوذ دول أخرى على المستوى المغاربي”.
وقال كبير، ضمن تصريح لهسبريس، إن الجزائر ترى أن استمرار عدم وجودها في موريتانيا بالشكل المطلوب، ستكون له انعكاسات جادة على موقف نواكشوط من قضية الصحراء.
وأضاف الناشط الجزائري المعارض: “واضح للعيان أن الزيارة محاولة للتشويش على التقارب مؤخرا بين الرباط ونواكشوط، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي”.
ومبادرة الأطلسي هي الأخرى ضمن دوافع هاته الزيارة، وفق المتحدث عينه، الذي أكد أن “دخول موريتانيا في هاته المبادرة يزعج الجزائر كثيرا، ورغم أنها لا تستطيع التأثير على المبادرة، إلا أنها تسعى حاليا إلى المحاولة لا غير”.
وبخصوص المشاريع الجزائرية في موريتانيا، شدد كبير على أنها “مجرد حبر على الورق، ولا يمكنها أن تنافس الرباط في هذا المجال، ما يعني أنها مجرد فقاعات سياسية ليس إلا”.
ومن التخوفات الأخرى للجزائر، ذكر المتحدث أن “تسير موريتانيا على نهج مالي، وتبعد تخوفها من النظام الجزائري”، معتبرا في السياق عينه أن “الدخول الجزائري إلى موريتانيا ليس استراتيجيا، بقدر ما هو أدنى من ذلك ومحاولة للمعاكسة فقط”.
صعوبة التخمين
لكن عبد الحق باسو، خبير استراتيجي، يرى أن “زيارات المسؤولين الجزائريين إلى دول مثل موريتانيا، لا يمكن أن نطلق حولها تخمينات حتى نصل إلى سببها الرئيسي”.
وقال باسو، ضمن تصريح لهسبريس، إن “موريتانيا لا يمكن لأي دولة أن تؤثر عليها، حتى المغرب والجزائر، فهي تسير وفق مصالحها، وحاليا تحقق ما تريد بشكل ناجح”.
وبين الخبير الاستراتيجي ذاته أن “الحديث عن مسألة الدخول الاقتصادي الجزائري إلى موريتانيا، يجب أن يكون ملموسا حتى يتم تقييمه، فحاليا لم نر شيئا على الإطلاق”.
وشدد على أن “الجزائر لا يمكن أن تشكل ثقلا على موريتانيا، فهذا البلد ذكي وله علاقات أكبر بكثير مع دول عديدة، منها الصين وأمريكا وغيرها، ويحقق مصالحه كما يريد”.
وأبرز باسو أن “نواكشوط تعي جيدا موقعها الاستراتيجي، ولا تدع أحدا يسيطر عليها، وتسير وفق مصالحها”، مشيرا إلى أن “زيارات المسؤولين الجزائريين إلى موريتانيا ليست جديدة، وبالتالي ماذا تغير إلى حدود الساعة؟”.