الحراس “المحاصرون” على الحدود الأكثر خطورة في الشرق الأوسط
الطريق موحش إلى بلدة ميتولا، في أقصى شمال إسرائيل. إنها هضبة محاطة بالأراضي اللبنانية من ثلاث جهات، وهو ما يعني أيضا أنها محاطة، من ثلاث جهات، بحزب الله، أقوى المجموعات المسلحة في لبنان.
والجنود المتمركزون عند نقطة التفتيش، على حافة ميتولا [أو المطلّة بالعربيّة]، كلهم من سكان البلدة، وأغلبهم في منتصف العمر، ومن جنود الاحتياط، الذين لا تخفى عليهم شراسة المجموعة، التي تقف في الجانب الآخر.
في ليلة قاتمة وممطرة، يكتنفها الضباب، أشار أحد الجنود، فضل عدم ذكر اسمه، بإصبعه فوق الخريطة إلى الحدود، ومواقع حزب الله، وقال: “إلى الغرب ربع ميل، وإلى الشمال نصف ميل، ونصف ميل آخر إلى الشرق، فنحن محاصرون بحزب الله بزاوية 300 درجة”.
أما الـ 60 درجة المتبقية، حسب الجندي، فإنها تشمل الطريق المنحدرة باتجاه باقي إسرائيل.
كانت الحرب الأخيرة على غزة مدمرة. بدأت بعد هجوم شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مواقع إسرائيلية على تخوم القطاع، وقتل فيها 1200 إسرائيلي، أغلبهم مدنيون.
وقتلت إسرائيل في حملتها العسكرية على غزة حتى الآن 27 ألف فلسطيني، أغلبهم مدنيون، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، وألحقت بالقطاع دمارا واسعا.
وأخذ التوتر الحدودي بين إسرائيل وحزب الله يتصاعد باستمرار بعد الحرب على غزة. لكن الطرفين يعرفان إلى أي مدى يمكن أن تصل إليه الأوضاع لو اندلعت الحرب بينهما. والأمر واضح تماما بالنسبة لحرس الحدود في ميتولا.
وتابع جندي الاحتياط الإسرائيلي يقول: “نعم، يمكن أن تتحول إلى حرب مفتوحة. والحرب المفتوحة مع حزب الله ليست كالحرب مع حماس، فحزب الله لديه جيش حقيقي ومدرب جيدا، ومسلح تسليحا قويا، وله خبرات كبيرة وخاض تجربة حقيقية في سوريا”.
فقد تدخل حزب الله في سوريا وقاتل مع القوات النظامية هناك.
ولا يعتزم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، زيارة ميتولا، خلال جولته في الشرق الأوسط، لكنه تعود الآن على كآبة رحلته الطويلة من واشنطن، وتنقلاته بين مختلف العواصم في المنطقة. وها هو يعود إليها، للمرة السابعة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
ولم يحاول بلينكن التهوين من حجم الأزمة في الشرق الأوسط؛ ففي نهاية يناير/كانون الثاني، وصفها، إلى جانب الأمين العام لحلف الناتو، بأنها “متقلبة بشكل خطير. يمكنني أن أقول إننا لم نشهد وضعية بهذه الخطورة في المنطقة، منذ 1973 على الأقل، وربما قبل ذلك”.
وهذه مقارنة تعبر عن كل شيء.
فقد دفعت حرب الشرق الأوسط في 1973 إلى أخطر مواجهة بين القوى العظمى في الحرب الباردة؛ فبينما كان الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، غارقا في فضيحة ووترغيت، وضع وزير خارجيته، هنري كيسنغر، القوات الاستراتيجية الأمريكية في حالة الاستنفار القصوى (ديفكون 3)، بعدما تحدثت تقارير عن نقل الاتحاد السوفييتي لأسلحة نووية إلى الشرق الأوسط.
وبعد نصف قرن، ها هو بلينكن يتحدث إثر مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة في الأردن، على يد ميليشيا دربتها وسلحتها إيران.
وردت بعدها الولايات المتحدة، بمساعدة بريطانيا، في اليمن بسلسلة من الغارات الجوية.
ويأمل الأمريكيون أن تكون ضرباتهم موجهة ودقيقة، بهدف فرض استقرار الأوضاع، وليس تفاقمها، لكن ذلك ليس مضمونا.
ويقول صقور السياسة في واشنطن، المنتقدين لبايدن، إن الضربات، التي شنها حتى الآن لا يمكنها أن تردع إيران، التي تدعم حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق. ويرى الصقور أن ضرب إيران نفسها هو السبيل الوحيد، الذي يجعل طهران تأمر أذرعها وحلفاءها بكف أيديهم.
أما إدارة بايدن فتعتقد أن ضرب إيران يحمل مخاطر تفجير نزاع أوسع في الشرق الأوسط.
وعبر بلينكن مرارا، في زياراته السابقة، عن دعمه لإسرائيل في حربها على حماس، لكنه أبدى تحفظات كبيرة على الطريقة التي تقاتل بها إسرائيل؛ فقد دعت واشنطن، دون جدوى، إلى ضبط النفس، لكنها استمرت في إمداد إسرائيل بالسلاح، الذي تحتاجه في حملتها العسكرية، على الرغم من تحفظها على الطريقة، التي يستعمل بها هذا السلاح.
ونجحت الولايات المتحدة أكثر في إرغام إسرائيل على السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية لأكثر من مليوني مدني فلسطيني عالقين في الكارثة؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي قال قادة إسرائيل إنهم لن يسمحوا بدخول أي شيء.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة العاملة في غزة تقول إن إسرائيل لم تسمح بدخول إلا القليل مما يحتاجه سكان القطاع.
وأخبرني مسؤولون متمرسون، لسنوات طويلة، في إغاثة المدنيين في مناطق الحروب، بأنهم لم يشاهدوا من قبل وضعا بهذا السوء.
أحدهم دخل غزة مرات عديدة في الأشهر القليلة الأخيرة (لا تسمح إسرائيل ومصر بدخول الصحفيين) قال إنه “لم ير في حياته كارثة بهذا الحجم”.
وأكبر أولويات بلينكن هي ضمان وقف إطلاق النار في غزة. والرئيس بايدن بحاجة إلى الهدوء في الشرق الأوسط، ليس بسبب مخاطر تصاعد التوتر، وتوسع الحرب فحسب، وإنما لأنه يواجه انتخابات هذا العام.
فاستطلاعات الرأي تشير إلى أنه يخسر الأصوات، لأن بعض الأمريكيين يعتقدون أن دعمه العسكري لإسرائيل هو الذي تسبب في الكارثة الإنسانية في غزة.
وتمخضت الهبة الدبلوماسية بمشاركة قطر والولايات المتحدة ومصر وإسرائيل عن خطوط عريضة لاتفاق، تفاصليه لا تزال غير معروفة.
وطرحت حماس شروطها، فهي تطلب مسارا من ثلاث مراحل، لمدة 135 يوما، يجري فيه تبادل الرهان والسجناء الفلسطينيين على مراحل. وقدمت قائمة طويلة من المطالب، أهمها أن إسرائيل تكون، بنهاية تلك المدة، قد أخرجت قواتها من غزة، وتكون الحرب قد انتهت.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نيتنياهو، كل هذه الشروط، في اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن.
وأعلنت إسرائيل، منذ بداية الحرب، أن الانتصار، بالنسبة لها، هو تدمير حماس وعودة الرهائن إلى أهلهم سالمين. ولم تحقق، حتى الآن، أيا من هذه الأهداف. وقال نتنياهو إن إسرائيل لن تمنح تنازلات لحماس، وكرر تأكيده على أن قواته اقتربت من تحقيق “النصر الكامل”.
وقال في الأيام الأخيرة أيضا إن إسرائيل بحاجة إلى قتل قادة حماس.
ومع ذلك، يعتقد بلينكن أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. ويتمثل التحدي الذي يواجهه الآن في تضييق الفجوة بين الموقفين المتناقضين، للوصول إلى شكل من أشكال وقف إطلاق النار.
وتفيد المعلومات، التي حصلت عليها بي بي سي، أن حماس فقدت شيئا من الثقة، التي كانت لديها قبل الحرب؛ فالهجمات الإسرائيلية الفتاكة ومقتل العدد الهائل من المدنيين جعل أهل غزة يتذمرون من حماس، وهذا ما دفع بقادتها إلى الشعور بالحاجة إلى محاولة التفاوض.
وعلى الرغم من الصرامة التي أبداها رئيس الوزراء الإسرائيلي وحلفاؤه في خطابهم، فإن الضغط يتزايد في البلاد من أجل وقف لإطلاق النار يوفر فرصة لعودة الرهائن.
وليس بيد بلينكن شيء كثير يفعله. وكل المؤشرات توحي بعدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ما لم يقدم أحد الطرفين أو كلاهما تنازلات كبيرة.