زلزال تركيا وسوريا: “منزلنا مخيف، لكن علينا البقاء فيه حتى لو انهار فوق رؤوسنا”
- Author, ديمة ببيلي
- Role, بي بي سي نيوز عربي
“شعرنا وكأن صوت الرعد يخرج من الأرض، رميتُ أولادي خارج المنزل واحدا تلو الآخر بدون تفكير، تحت مطر شديدة الغزارة”، نجى أحمد وعائلته من الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، إلا أن صدى صدمة الزلزال ما تزال ترافقهم حتى يومنا هذا.
فمنزل أحمد، الذي كان يعيش فيه مع أولاده وأحفاده (19 فردا)، لم يُدَمَّر بشكل كامل، إلا أن التصدعات والشقوق الكبيرة التي أصابت المبنى جعلته غير صالح للعيش.
عائلة أحمد ما هي إلا واحدة من مئات العائلات، التي تنصب خياما إلى جانب منازلها المتصدعة في قرية الحمزية شمالي غرب إدلب، وتستخدمها كمكان آمن للنوم، مخافة انهيار المنازل على رؤوسهم في ساعات الليل.
ووسط ما تبقى من منزلها، تصف أم عبده، زوجة أحمد، مسكنها قائلة: “منزلنا مخيف .. لكن خلال النهار، علينا البقاء فيه حتى لو انهار فوق رؤوسنا. لا خيار لنا إلا البقاء فيه. أما في الليل فنذهب إلى الخيمة لننام هناك فقط. الليل مخيف أكثر من النهار”.
وبعد مرور عام على ذكرى الزلزال المدمر، تلاشى أمل أم عبده بالعودة إلى بيتها الذي ألفته، إذ تسبب الزلزال بتشريد أكثر من 300 ألف شخص شمالي سوريا وحدها، بالإضافة إلى أضرار جسيمة لحقت بالمؤسسات التعليمية والقطاع الطبي والبنية التحتية.
ورغم جهود بعض الجمعيات الإنسانية لتوفير مساكن لمتضرري الزلزال، إلا أن المساكن المشيدة لا تتجاوز نسبتها 4٪ من إجمالي المساكن المطلوب تشييدها في مدينة إدلب مثلا، كما يخبرنا المهندس محمود بدوي، مدير دائرة الدراسات الهندسية في مديرية شؤون المخيمات والذي يقول إنه لا يرى أفقا محددا لإيواء جميع متضرري الزلزال في شقق سكنية، بسبب أعدادهم الكبيرة، وقلة المشاريع المنفذة، ولذلك “لا يستطيع تقديم جدول زمني محدد لإتمام عملية إيواء جميع متضرري الزلزال في شقق سكنية”.
كارثة مضاعفة
يعاني شمال غربي سوريا من كارثة مضاعفة تجتمع فيها تبعات الزلزال مع حرب مستمرة منذ أكثر من 12 عاما، إذ يعيش سكان المنطقة في ظروف إنسانية صعبة، وتحت قصف وهجمات عسكرية مستمرة من قبل الجيش السوري وحليفه الروسي.
ويشكل عدد النازحين المقيمين في المخيمات وخارجها أكثر من مليوني نسمة.
وحسب إحصائيات “منسقي استجابة سوريا” في تموز/ يوليو 2023 فإن ما يقارب من 15 ألف من المباني في مناطق محافظة إدلب وريفها، درع الفرات، غصن الزيتون بحاجة إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة، ومنهم أكثر من 5 آلاف منزل تضرر بشكل جسيم ويجب هدمه بشكل عاجل لأنه غير آمن وغير قابل للتدعيم.
ويقول المهندس محمد حلاج، مدير فريق منسقي استجابة سوريا، إن جهود الترميم كانت “ضعيفة”، وفي مناطق كثيرة توقفت عمليات الترميم لأن الأبنية كانت بحاجة إلى هدم كامل.
ويضيف قائلا إن أهالي منطقة جنديرس، إحدى أكثر المناطق تضررا من الزلزال، بدأوا يعودون إلى أبنيتهم غير الآمنة، “بسبب فقدانهم أي أمل لإعادة الترميم أو الحصول على تعويض”. ويقول إنهم رصدوا حالات عديدة من سكان جنديرس ممن قالوا إنهم يفضلون العودة إلى منازلهم المتضررة، على بقائهم في الخيام ولا سيما في موسم الشتاء الممطر.
ويعبر حلاج عن قلقه من ظاهرة العودة، ومستقبل العائلات التي تعيش داخل بيوت متصدعة، “لأن المنطقة غير مستقرة زلزاليا، فأي هزة مستقبلية بدرجة خمسة أو أكثر قد تؤدي إلى خسائر بشرية وهدم الأبنية بشكل كامل”.
بالنسبة لأحمد في قرية الحمزية، فقد أصبح طقس الشتاء الممطر يذكره بيوم الزلزال، إذ أصبحت الصدمة النفسية تشكل عائقا إضافيا يزيد من خوفه من البيت والبقاء فيه بأمان، “كلما أصبحت السماء غائمة وممطرة، نشعر بالخوف والقلق من حصول هزة جديدة”.
وتقول أم عبده: “كل شيء يتسرب عبر الخيمة، إذ يشعر المرء كأن المطر يتساقط فوقه مباشرة. ليس كما لو كان لديه سقف فوق رأسك” كما تصف أم عبده صعوبة لياليهم في الخيمة “نقضي كل وقتنا ونحن ننقل الأواني التي تجمع الماء من تحت ثقب أو خرق إلى آخر”، وتكرر أم عبده حديثها عن الفرق بين العيش تحت خيمة بسيطة، وتحت سقف ثابت وتقول “أخافنا الزلزال، وما زلنا متأثرين ومثقلين به. الزلزال لا يزال يعيش معنا”.
استجابة “ضعيفة”
حسب الأمم المتحدة، تضرر أكثر من 8.8 مليون شخص من الزلزال في سوريا، ودمر أكثر من 23 ألف بناء.
ويقول المهندس السوري في الإدارة التابعة للمعارضة محمد ياسر غزال، إن الأبنية التي شيدت في الفترة الماضية “بدون ترخيص”، أي بدون مخططات إنشائية أو معمارية، كانت أحد أبرز أسباب حجم الدمار الكبير في المنطقة، كما وجه سهام اللوم إلى المقاولين أو “تجار الأبنية” بحسب وصفه، الذين “يخالفون المخططات الإنشائية ومخططات التسليح الخاصة بالبناء لتوفير الكلفة المالية عليهم وتنفيذ البناء بأقل التكاليف الممكنة.”
أما بالنسبة للاستجابة الإنسانية للمتضررين من الزلزال، فيصفها المهندس محمد حلاج بالـسيئة، إذ لا يزال معظم المتضررين من الزلزال يعيشون في الخيام، ويذكر عدة عوامل تزيد من صعوبة الاستجابة، مثل التعامل مع متضرري الزلزال على أنهم “نازحين”، وزيادة الاحتياجات الإنسانية بسبب الحرب والزلزال، وفي الوقت نفسه تخفيض الدعم الأممي “لأكثر من النصف”.
كما يشير حلاج إلى أمر كان له تأثير كبير على صعوبة الاستجابة الحالية، وهو إعلان برنامج الأغذية العالمي توقف المساعدات الغذائية في بداية العام الجاري.
وفي قرية الحمزية، يقول أحمد “الخيمة تعد أكثر أمانا من البيت، إذا حصلت أي هزة، قد يقع عمود عليك، ويتسبب بجرح أو شيء من هذا القبيل، لكن ذلك أفضل من وقوع سقف كامل وفقط”، ويختم متحدثا عن عائلته الكبيرة: “كانت زوجة ابني حاملا عندما ضرب الزلزال العام الماضي، لكنها أجهضت وفقدت الطفل. الآن زوجة ابني حامل مرة أخرى، لا نريد أن نخسر ولدا آخر، لقد خسرنا كل شيء في الزلزال”.