“العودة إلى الوراء” .. حبل الثقة يهتز بين المغرب والمبعوث الأممي للصحراء
وضع المغرب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، في وضع “حرج” بعد تأكد عدم استشارته الرباط خلال توجهه إلى بلد جنوب إفريقيا المعادي.
الوضع “الحرج” يضع دي ميستورا أيضا في موقف “المساءلة السياسية”، بعد هاته الزيارة الغريبة إلى بلد يحرص على الهجوم على الوحدة الترابية للمملكة في جل المناسبات، وباستخدام مختلف الوسائل.
وتحدث عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة، عن قيام الرباط بإبلاغ دي ميستورا بمعارضتها زيارته نحو بريتوريا، محذرا بذلك الدبلوماسي الإيطالي من “تحدي المملكة المغربية”.
ووضع هلال الإطار الأساسي الذي ينطلق منه الرفض المغربي لهاته الزيارة، وهو ضرورة “انحصار المشاورات التي يخوضها دي ميستورا مع أطراف النزاع، وهي الجزائر وموريتانيا، والبوليساريو، والمغرب”.
وشدد المسؤول المغربي على “ضرورة تكريس دي ميستورا جهوده في إقناع الجزائر بالعودة إلى طاولات المفاوضات”، وهي المهمة التي مازال عاجزا عن تحقيقها.
إلى هنا يظهر جليا أن حبل الثقة بين المغرب والمبعوث الأممي “قد اهتز بشدة”، والسيناريوهات المستقبلية لوظيفة دي ميستورا تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات، لعل أبرزها “سحب الثقة من قبل الجانب المغربي، أو الاعتذار وتقديم أجوبة مقنعة للرباط”.
تخفيف الخناق على الجزائر
عبد الفتاح الفاتحي، محلل سياسي مختص في قضية الصحراء، قال إن استجابة دي ميستورا لدعوة بريتوريا بـ”مثابة العودة إلى الوراء في ما يتعلق بالبحث عن تسوية سياسية وفق توصيف القرارات الأخيرة لمجلس الامن الدولي”.
ويضيف الفاتحي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “انجرار دي ميستورا للاستماع إلى مقترحات جنوب إفريقيا فيه خروج عن نص الإجماع الأممي، لاسيما أن مساهمتها في ملف الصحراء منعدمة تماما”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “عدم تحقيق ميستورا أي تقدم على مستوى تنفيذ توصيات مجلس الأمن الدولي وإقراره البحث عن مخرج بالتنسيق مع جنوب إفريقيا هو خروج عن النهج الأممي”، لافتا إلى أن “جنوب إفريقيا تعترف بجبهة البوليساريو وتقيم معها علاقات دبلوماسية وعسكرية ومالية، ما يجعلها جزءا ضارا من النزاع حول الصحراء”.
“عدم تقدير دي ميستورا أن التحرك الجنوب الإفريقي الأخير بمثابة عملية لتبادل الأدوار لتخفيف الضغوط الدولية على الجزائر والبوليساريو، بعد استمرار عدم انصياعهما لقرارات مجلس الأمن الدولي، هو عملية مقصودة ساهم فيها المبعوث الشخصي إلى الصحراء للالتفاف على النهج الأممي بخصوص مستقبل إيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء”، يردف الفاتحي.
وشدد المختص في قضية الصحراء على أن “دي ميستورا في موقف مساءلة سياسية عن حوافز التوجه إلى جنوب إفريقيا فيما لا تربطها علاقة بنزاع الصحراء، سوى كونها معرقلا ضارا، ولا يمكن أن تكون مفيدة في تنفيذ توصيات المجتمع الدولي”.
أفق نهاية مهمة دي ميستورا
سجل رشيد باجي، خبير في العلاقات الدولية، أن “المبعوث الأممي أصبح عاجزا عن إيجاد وابتكار طرق من شأنها أن حل ملف الصحراء المغربية، فكانت وجهته جنوب إفريقيا؛ وحتى إن كان ذلك من قبيل البحث عن تأثير أو وساطة مع جبهة البوليساريو والجزائر فإن بريتوريا لم تكن مواقفها محايدة من البداية، والأكثر من ذلك ومن خلال تحليل سلوكها السياسي نجدها متخندقة في الجبهة المعادية للمغرب، وتبذل دبلوماسيتها جهدا كبير في الإضرار بمصالح المملكة”.
بعد الرد المغربي الواضح، بحسب باجي، الذي يستند إلى قرارات الأمم المتحدة التي حددت بشكل صريح الأطراف المعنية بالنزاع المفتعل، وفي مقدمتها الجزائر التي ترفض الجلوس إلى طاولات التفاوض، “من المتوقع من دي ميستورا أن يعطي توضيحات دقيقة بشأن الزيارة إلى جنوب إفريقيا، وهو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يتقبله منه المغرب”.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن “التفسير الوحيد المقنع هنا لدى ديميستورا هو أن زيارته حملت طلبا لبريتوريا للضغط على الجزائر من أجل الجلوس إلى طاولة التفاوض التي أقرتها الأمم المتحدة، أما غير ذلك فلا يمكن قبول أي تبريرات أخرى، لاسيما أن المبعوث الأممي رجل قانون ويعلم جيدا فحوى قرارات الأمم المتحدة”.
ويضيف الخبير في العلاقات الدولية أن “نهاية فترة دي ميستورا بدأت تظهر في الأفق، لأنه بدأ يفقد ثقة الطرف الأساس والحائز الشرعي على الأقاليم، والباسط سيادته الداخلية والخارجية عليها”، وزاد: “يبدو أن المبعوث لم يقرأ جيدا واقع التحولات العالمية التي أضحت تحدث قطيعة مع مخلفات الحرب الباردة، لاسيما أن هناك تحديات أخطر من قبيل الإرهاب والجماعات المسلحة والخارجة عن القانون والتغيرات المناخية التي أصبحت تهدد الأمن الغذائي العالمي، وخصوصا بإفريقيا جنوب الصحراء”.
وخلص باجي إلى أن “رد جنوب إفريقيا يمكن أن يكون مؤثرا في حالة واحدة، إن تخلت عن مواقفها الشاذة وتبنت موقف الغالبية العظمى من الدول الإفريقية، وفهمت أنها إلى جانب المغرب ودول إفريقية كبرى كنيجيريا وغيرها يمكن أن تشكل قيادة جماعية إفريقية، سيكون لها تأثير كبير في السياسة الدولية؛ أما غير ذلك فمهما كان ردها أو تبريراتها فإن الأمر لن يغير واقعا سياسيا فرضه المغرب انطلاقا من المشروعية القانونية والسياسية والشعبية، منذ أن أخرج الاستعمار الإسباني من جنوبه سنة 1975 وساندته في ذلك كل القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا وغالبية الدول الإفريقية الصديقة والدول العربية الشقيقة”.