ترشيد استهلاء الماء في المغرب يتطلب عدم الإسراف وتفعيل القوانين الزجرية
أثار القرار العاملي القاضي بترشيد استهلاك الماء الصالح للشرب عبر إغلاق الحمامات التقليدية ومحلات غسل المركبات لمدة ثلاثة أيام من كل أسبوع، بهدف مواجهة العجز المائي الناتج عن دخول المغرب السنة السادسة على التوالي من الجفاف، تذمرا كبيرا من طرف المهنيين والمستخدمين والخبراء، وطرح علامات استفهام كثيرة بخصوص نجاعة هذا الحل، والطرق الكفيلة بضمان اقتصاد هذه المادة الحيوية.
هذا القرار الذي أصدره ولاة جهات وعمالات المملكة المغربية من أجل تقنين استعمال الماء في هذه الأنشطة المهنية، والمرتبط بتكثيف الجهود لرفع تحديات الإجهاد المائي وعقلنة وترشيد استعمال المياه، من سلبياته أنه أحادي الجانب، لأن الحمامات لا تستهلك من هذه المادة الحيوية سوى 0.5 من الكميات التي يستهلكها القطاع الفلاحي (87%)، بحسب المحجوب امغيزلات، صاحب حمام ومهتم بهذا القطاع.
وأضاف المتحدث نفسه في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “بلغة الإحصائيات تستهلك القطاعات الأخرى أكثر من الحمامات، فقطاعا التعليم والصحة على سبيل المثال يستهلكان 5%، أما قطاع البناء فنسبة ما يستهلك من الماء هي 2%، والمقدار نفسه هو حصة قطاعات أخرى خدماتية”.
وتابع امغيزلات موضحا أن “ما تستخدمه الحمامات هي المياه الجوفية الضحلة، التي تتعرض للتبخر إذا لم تستهلك، وهي مياه مالحة الطعم، لأن طبقات المياه الجوفية تنتقل عبر الكثير من الصخور الأساسية والرمال والتربة، لذلك فهي قليلة الملوحة لاحتوائها على مواد صلبة مذابة، مثل المعادن والأملاح وما إلى ذلك”، ملتمسا من المواطنين العمل على ترشيد استعمال هذه المادة الحيوية.
التحدي أكبر
ليلى ماندي، أستاذة التعليم العالي سابقا بكلية العلوم السملالية، أوضحت في السياق ذاته أن “البلاد كباقي البلدان التي توجد بالمناطق ذات المناخ الجاف، أو شبه الجاف، تعاني من الإجهاد المائي، وهذه إشكالية تعود لعدة عوامل، منها التغيرات المناخية؛ لكن المعضلة أن ما تبقى من هذه المادة الحيوية يشكو من التبذير، ومشكل التلوث، لأننا لم نستطع بعد معالجة جميع المياه العادمة التي ننتجها؛ وأكبر التحديات قلة وعي المواطنين، سواء الفئة المتعلمة أو التي لم تنل حظها من التعليم”.
وفي تصريح صحافي للجريدة الإلكترونية هسبريس ضربت ماندي مثلا حيا حين قالت: “حين تتجول بشوارع عدة مدن مغربية تصادف شاحنات تجر صهاريج مليئة بماء الشرب أو الآبار لسقي الحدائق، إلى درجة يستحم فيها عشب هذه المناطق الخضراء بالماء، وهذا هو عين التبذير”، مردفة: “يحضر هذا الاستنزاف كذلك بالمؤسسات العمومية، من قبيل الجامعات والمؤسسات السياحية وغيرها، التي تعتمد الآبار الجوفية كذلك، لذلك تجب مواجهة عدم الاكتراث بهذه المعضلة بتطبيق القانون بصرامة ضد كل من يبذر الثروة المائية”.
وتابعت المتحدثة ذاتها: “القطاع الذي يستهلك الماء أكثر هو الفلاحة، إذ يستهلك كميات كبيرة، ما يفرض منع أنواع من المنتجات الفلاحية، كالفاكهة الخضراء الأفوكادو، وغيرها من الزراعات المستهلكة للمياه، والانخراط في عملية التشجير وإحياء الغابات والمناطق الخضراء، والتطبيق الصارم للقوانين على المقاولات الصناعية التي تستعمل مواد معادية للبيئة، وإيلاء العناية الضرورية لتحلية مياه البحر، ومعالجة المياه العادمة التي لم نصل بعد إلى معالجة كميات كبيرة منها، لذا يجب تسريع إحداث محطات تحترم المعايير الدولية لمعالجة 900 مليون متر مكعب وإعادة استعمالها، سواء في سقي المساحات الخضراء أو في الفلاحة”.
وبهذا الخصوص ذكرت صاحبة شهادة دكتوراه الدولة في ميدان العلوم المرتبطة بالماء والبيئة سنة 1994 بتنزيل القانون خلال مرحلة الوباء، أو عند تطبيق مدونة السير، موردة: “الجميع أضحى ينتبه إلى ضرورة استعمال الكمامة، والأمر ذاته بالنسبة إلى حزام السلامة، وغيره من قوانين السير والجولان”، ومشيرة إلى أن “المذكرات لا تكفي، لذا وجب على شرطة الماء القيام بجولات وحملات زجرية وفرض الغرامات المالية ضد من ضبط يبذر هذه المادة الحيوية”.
وعن قرار السلطات بخصوص الحمامات ومحلات غسل السيارات فالحل في نظر ماندي لا يكمن في إغلاقها، لأنها مصدر عيش حوالي 200 ألف من الشغيلة، سيحرمون من دخلهم اليومي لمدة أيام الإغلاق، “بل في تغيير تصرفاتنا وعاداتنا في التعامل مع هذه المادة الحيوية؛ لذا يجب تحسيس المعنيين بالطريقة الفضلى لممارسة عملهم، كحثهم على غسل السيارات بكميات قليلة جدا من الماء”، وزادت: “لسنا كذلك مجبرين على غلق المحلات، بل يجب إبداع طرق كتخفيض الصبيب، أو تحديد مدة الاستحمام…”.
وعلى مستوى الأسر، كوسط أول لتنشئة الأطفال، تدعو الباحثة إلى أن “تكون فضاء لتحسيسهم بأهمية الحفاظ على الماء، مع قطع هذه المادة الحيوية عنها لفترات، والرفع من الكلفة المالية للاستهلاك، كسبيل لحمل المبذرين على الاقتصاد في استعمالها، والكف عن استعمال العشب، لكونه يستهلك كمية كبيرة من الماء، واستبداله بنباتات أخرى صديقة للبيئة المائية، لأن المعضلة تحتاج إلى تفكير إبداعي في الحلول”.
الاقتصاد وعدم الإسراف
لأن الدين الإسلام عند المغاربة فمن الصعب فهم عادات الإسراف التي أضحت تصرفا شبه عام، وهو ما يتناقض مع الآية القرآنية الكريمة التي تقول نهيا عن التبذير: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [سورة الإسراء:27]. عبد الحق الأزهري، رئيس المجلس العلمي لشيشاوة، أكد في تصريح لهسبريس أن الإسلام دعا إلى الاقتصاد في استعمال الماء وعدم الإسراف فيه، ففي حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ).
وأردف الأزهري يشرح هذا الحديث: “نحن هنا مع دعوة صريحة منه صلى الله عليه وسلم إلى عدم تجاوز الحد في الماء في كل ما يفعله الإنسان، وضوءا كان، أو سقيا أو غير ذلك، فالاقتصاد في استعمال المياه مطلب شرعي، تمليه ضوابط الدين في التعامل مع الموارد ومقابلة النعم بالشكر اللائق، فالحاصل أن الإسراف في الوضوء وغير الوضوء من الأمور المذمومة”.