ما هي حسابات إيران بشأن الهجمات الأمريكية على أهداف في سوريا والعراق واليمن؟
أكدت إيران أنّها لا تريد الدخول في حرب ضد الولايات المتحدة، لكنها تعهدت بالرد بقوة على أيّ هجمات على أراضيها أو ضد مصالحها في الشرق الأوسط.
وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي آخر الرموز الإيرانية الذين أكدوا على رسالة مفادها “لن نشن أيّ حرب، لكن إذا كان هناك بلد أو معتد أو بلطجي يريد أن يستأسد علينا، فسوف نكون حازمين في ردنا على ذلك”.
وجاءت تصريحات الرئيس الإيراني بعد أن تصدرت عناوين الأخبار الخطة الأمريكية لشن غارات على أهداف إيرانية في سوريا والعراق – في إطار رد واشنطن على هجوم بطائرة مسيرة على قاعدة عسكرية أمريكية صغيرة تُعرف بـ “برج 22” في الأردن بالقرب من الحدود العراقية.
وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 30 آخرين، وهو ما يشير إلى المرة الأولى التي يُقتل فيها جنود أمريكيين وسط الاضطرابات الإقليمية الأوسع نطاقاً التي أثارها هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي نفذته حركة حماس على مناطق داخل إسرائيل وتصعيد الجيش الإسرائيلي بإطلاق حملة عسكرية موسعة على قطاع غزة.
وحمَّل الرئيس الأمريكي جو بايدن الميليشيات المدعومة من إيران مسؤولية الهجوم على القاعدة الأمريكية، كما أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أنّ الطائرة المسيرة التي نفذت الغارة إيرانية الصنع.
وأَضاف أنّ هذه الميليشيات استهدفت قواعد وقوات عسكرية أمريكية 160 مرة على الأقل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. رغم ذلك، أشار الوزير الأمريكي إلى أن أغلب تلك الهجمات كانت غير مؤثرة على الإطلاق.
وتنفي إيران طوال الوقت أنّها وراء هذه الهجمات التي تُشن بالوكالة، مؤكدة أنّ الجماعات المسلحة لا تتلقى أوامرها من طهران.
ولا يزال الغموض يغلف تفاصيل الطريقة التي قد ترد بها الولايات المتحدة على مقتل ثلاثة من جنودها في الشرق الأوسط. ورجح أوستن أن الضربات الأمريكية محتملة من مستويات مختلفة، وأنّها قد تستمر على مدار عدة أيام، مستهدفة مصالح إيرانية وجماعات مسلحة مدعومة من طهران في العراق وسوريا.
وقالت تقارير إنّ مسؤولين أمريكيين يضعون في الاعتبار العوامل ذات الصلة بالطقس، مفضلين تنفيذ تلك الضربات في سماء صافية حتى يقلل ذلك من خطر إصابة المدنيين.
لكن الاهتمام الرئيسي لدى واشنطن هو تفادي القيام بأي شيء من شأنه أن يؤدي إلى اتساع نطاق الحرب في المنطقة. وتتعرض الإدارة الأمريكية لضغوط من قبل الجمهوريين في اتجاه استهداف إيران نفسها، مرجحين أنّ رداً صارماً ضد إيران من شأنه أن يحد من الهجمات المحتملة على المصالح الأمريكية.
لكنّ إدارة بايدن قررت تفادي ضرب أهدافٍ في الأراضي الإيرانية، وهو ما من شأنه أن يبعث برسالة إلى طهران تفيد أنها لا تريد أن تخرج الأمور عن السيطرة.
ولا يتضح حتى الآن ما إذا كانت إيران تجهز للهجمات، لكنّ تقارير ظهرت في الفترة الأخيرة أشارت إلى أن طهران استدعت الكثير من قواتها من جميع أنحاء المنطقة.
وكانت هناك حالات في الماضي أبلغت فيها إيران والولايات المتحدة بعضهما البعض قبل الضربات لتجنب وقوع إصابات.
لكنّ قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي حذر الولايات المتحدة، قائلاً “لقد اختبرتمونا في ميدان المعركة واختبرناكم نحن أيضاً. ولن نترك أيّ تهديد دون اتخاذ إجراء مضاد له، وبينما لا نسعى إلى الحرب، لسنا خائفين أو نهرب منها”.
ويبدو أنّ إيران تحاول التقليل من سخونة الموقف بطرق أخرى، إذ كان قائد “فيلق القدس”، التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاني في زيارة إلى بغداد في الأيام القليلة الماضية.
وحث قاني الميليشيات المدعومة من إيران في العراق بالحد من هجماتها، وهو ما أسفر عن موافقة جماعة مسلحة هامة منها على وقف عملياتها. إذ أعلنت ميليشيات “كتائب حزب الله” العراقية، المشتبه في تنفيذها هجوم الأحد الماضي على القاعدة الأمريكية، وقف استهدافها للقوات الأمريكية بناء على طلب إيران.
ولكنّ جماعات مسلحة أخرى أعلنت بوضوح أنّها ستواصل هجماتها التي تهدف إلى إخراج القوات الأمريكية من المنطقة.
وترجح هذه التصريحات أنّ إيران قد لا تكون لها السيطرة المطلقة على تلك الجماعات رغم تمويلها وتسليحها، لكن لا يبدو أنّ ذلك أثر على حسابات الولايات المتحدة، إذ قال وزير الدفاع أوستن “نستمع دائماً إلى ما يقوله الناس ونراقب أيضاً ما يفعلونه”.
ومن الواضح أنّ إيران تحرص على ألا تنجر إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً في المنطقة، لكن في حالة الاعتماد على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور، سوف يكون من الصعب عليها أن تبقى بعيداً عن التصعيد.
ويُتخذ القرار فيما يتعلق بالرد الإيراني المرشد الأعلى الإيراني آية الله على خامنئي الذي يضع ويدير سياسات إيران في الشرق الأوسط عبر الحرس الثوري الإيراني.
ويلتزم خامنئي الصمت حيال هذا الموضوع حتى الآن.، فهو أيضاَ يعلم تماماً أنه لا تكافؤ بين إيران والولايات المتحدة، لكنّه يعلم أيضاً أن الحرس الثوري يمكنه أن يتسبب في الكثير من المتاعب في المنطقة.
(ملاحظة: كتب هذا المقال قبل ساعات من توجيه الولايات المتحدة ضربات جوية ضد أهداف في كل سوريا والعراق واليمن)