مستشفى ابن سينا في جنين: ماذا نعرف عن وحدة “المستعربين” الإسرائيلية؟
قتلت فرقة من وحدة “المستعربين” الإسرائيلية ثلاثة شبان فلسطينيين منهم شقيقان داخل مستشفى “ابن سينا” في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة.
وأظهرت تسجيلات كاميرات المراقبة في المستشفى 12 جندياً من “المستعربين”، بينهم ثلاثة يرتدون أزياء نسائية واثنان بزيّ أطقم طبية، وهم يسيرون في ممر بالمستشفى ويحملون أسلحة.
وتسللّ ثلاثة من أفراد القوة الإسرائيلية إلى جناح يضم عشرة أسرّة في الطابق الثالث وقتلوا ثلاثة شبان، هم الشقيقان محمد وباسل أيمن الغزاوي، ومحمد وليد جلامنة. وكان باسل الغزاوي يتلقى العلاج في المستشفى منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بعدما أصيب خلال قصف جوي استهدف مقبرة جنين.
ويتزايد اعتماد إسرائيل على وحدة “المستعربين” في ظل تكثيف عملياتها في الضفة الغربية المحتلة، مع مواصلة الحرب التي تشنها على قطاع غزة منذ هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي قُتل فيها 1200 إسرائيلي بحسب بيانات إسرائيلية رسمية.
وقتلت إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية يناير / كانون الثاني 2024 ، 380 فلسطينيا على الأقل واعتقلت 6 آلاف و390، بحسب مصادر فلسطينية رسمية.
مم تتكون وحدة المستعربين ومتى أنشئت؟
فماذا نعرف عن وحدة “المستعربين”، وممن تتكون، ومتى أُنشئت، وما الهدف من تأسيسها، ثم ما أهم عملياتها؟
توجد وحدة “المستعربين” في كلٍ من الشرطة والجيش الإسرائيليين، واسمها مشتق من الكلمة العربية “مستعربين”، والتي تعني من يعيش بين العرب. والمستعربون الإسرائيليون هم قوات خاصة، يتخفون في زي عربي، ويعملون داخل المجتمعات العربية لإنجاز المهام التي يكلّفوا بها.
ويعرف المستعربون عادات وآداب المجتمع العربي الفلسطيني، ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة، وينخرطون فيما يمارسه الناس فيشاركون في بعض المظاهرات العامة، وقد يدعمون الاحتجاجات ومطالب المحتجين، لكنّهم في الواقع عملاء إسرائيليون سريون.
ويختار أفراد تلك الوحدة ممن يتسمون بملامح شرقية، ومن يكون مظهرهم الجسدي مماثلاً للفلسطينيين، ومن يجيدون اللغة العربية، ويتنقلون بين الناس في ملابس فلسطينية تقليدية.
وتضم الوحدة في الغالب جنوداً أنهوا الخدمة العسكرية الكاملة في الوحدات القتالية والخاصة، ويستمر عدد كبير منهم في العمل في الوحدة حتى سن 45 عاماً.
ويجب أن يتمتع الفرد المنضم إلى الوحدة بالقدرة على استخدام جميع أنواع الأسلحة ذات الصلة، وباللياقة البدنية، وبمهارات عالية في التعامل مع الآخرين، والقدرة على استيعاب البيانات في فترات زمنية قصيرة وتطبيقها في الميدان.
وينخرط هؤلاء الأفراد قبل بدء مهامهم في تدريبات شاملة، وعليهم أن يكملوا دورات خاصة بشأن العادات الاجتماعية والدينية الفلسطينية، واللغة والثقافة العربية، كما يشاركون في تدريبات ميدانية وعملية.
وتستعين الوحدة بخبراء في المكياج والتنكر للعمل مع أفرادها على مدار الساعة، ويحرص أفرادها على التنكر في زي تجار خضار فلسطينيين فيرتدون اللباس الفلسطيني الشعبي، ويتنقلون في سيارات من طراز “مرسيدس كابينة”، وهي السيارة التي يستخدمها التجار الفلسطينيون.
وقد تستغرق فترة التدريب ما بين 12 إلى 15 شهراً، حتى لا يصدر عنهم أيّ شيء يثير الشكوك بشأن شخصياتهم بين المخالطين لهم من الفلسطينيين خلال أداء مهامهم، التي غالباً ما تكون أمنية، مثل الاختطاف أو الاغتيال.
متى أنشئت؟
يقول المركز الفلسطيني للإعلام إنّ فكرة “المستعربين تعود إلى الفترة التي سبقت تأسيس إسرائيل، وإنّ من اقترحها في البداية هم البريطانيون الذين وجّهوا قيادة الانتداب إلى استغلال الإمكانيات التي يتمتع بها اليهود الشرقيون الذين استوطنوا فلسطين، عبر انتقاء مجموعة منهم وتجنيدهم في إطار استخباراتي، ثم زرعهم في صفوف الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها”.
في عام 1952 وعقب إنشاء إسرائيل كان التصور السائد داخل الجيش هو أنّ “الجيوش العربية ستغزو إسرائيل عاجلاً أم آجلا”، ولذلك تقرر إنشاء وحدة “مستعربين” في وكالة الأمن الداخلي “الشاباك”، وكانت تلك الوحدة الأولى السرية التي أنشئت لمواجهة المسلّحين الفلسطينيين.
وعندما تولى إيهود باراك قيادة اللواء الأوسط، الذي يشمل الضفة الغربية، في يونيو/حزيران 1986 أسس وحدة خاصة قبل أشهر من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي عرفت بانتفاضة الحجارة.
وعرفت هذه الوحدة باسم وحدة “دوفدفان”، أو الوحدة رقم 2017. وهي وحدة خاصة لمكافحة “الإرهاب” تابعة للجيش، وتضم أفراداً ينفذون مهام عسكرية وأمنية خاصة، ويقدر عددها بالمئات، أو أكثر، وتضم الوحدة عناصر من جنود الجيش، إضافة إلى شرطة “حرس الحدود”.
وتنشط هذه الوحدة الخاصة في جمع المعلومات الاستخباراتية، وتنفذ عمليات دهم واعتقال خاصة في أرجاء الضفة المحتلة. وأهم ما تكلف به هو تنفيذ عمليات الاغتيال، وإحباط أي هجمات أو عمليات فلسطينية مسلحة.
وظل وجود هذه الوحدة سرياً حتى عام 1988، بعد أن كشف صحفيون أمرها ووصفوها بوحدة الاغتيالات التابعة لجيش الاحتلال، وأدّى ذلك إلى تجميد بطاقات اعتماد هؤلاء الصحفيين الصحفية في إسرائيل.
وتعززت وحدة المستعربين بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وانسحاب الجيش الإسرائيلي من مراكز المدن والبلدات الفلسطينية، التي عرفت فيها عمليات الدهم والاعتقال واغتيال كبار قادة الفصائل الفلسطينية التي نفذتها في أرجاء الضفة.
وكانت الوحدة أهم الوحدات التي واجهت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/أيلول 2000، وأصبحت أهم وحدات الكوماندوز ومكافحة “الإرهاب” التي تنشط ضدهم في أماكن سكناهم بالضفة.
وبدأت الوحدة في تنفيذ عمليات خارج الضفة، ومنها قطاع غزة في حرب 2008 ـ 2009، وخلال الحروب التي تلتها على القطاع.
أهم وحدات “المستعربين”:
يقول المعهد الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”، إنّه توجد حالياً أربع وحدات نشطة للمستعربين هي:
- دوفدفان: وهي وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي، وكانت تضم عند تشكلها جنوداً من وحدات الكوماندوز البرية والبحرية.
- “ي. م. س”: وحدة تابعة لقوات حرس الحدود، وتنشط أكثر في الضفة الغربية. وتعد هذه الوحدة من وحدات “النخبة” في “حرس الحدود”، وتتعاون في عملها مع جهاز الأمن العام “الشاباك”.
- “متسادا”: وحدة تابعة لسلطة السجون، وتُستخدم لقمع مظاهرات الضفة، وأسست في أوائل عام 2000، وهي متخصصة في إنقاذ وتحرير الرهائن، وإلقاء القبض على الهاربين من السجون.
- “غدعونيم”: وحدة تتبع الشرطة، وقد أُنشئت عام 1990، بوصفها وحدة مهمات خاصة، وأسس داخلها فرقة مستعربين تعمل بشكل خاص في مدينة القدس.
أهم العمليات
نفّذ المستعربون على مدار السنوات الماضية، وخاصة العامين الأخيرين، عدة عمليات اغتيال تركزت في محافظات جنين، وطولكرم، ونابلس، وغيرها من المناطق، منها:
- 6 أغسطس 2000: حاولت وحدة “دوفدفان” اغتيال محمود أبو هنود قائد كتائب عز الدين القسام شمال الضفة، لكنّ العملية فشلت وأدت إلى قتل 3 من الجنود الإسرائيليين.
- 7 أغسطس 2002: اقتحمت وحدة من المستعربين الحي الغربي من مدينة طولكرم بالضفة وقتلت فلسطينيين اثنين على الأقل، وأصابت عدداً آخر بجروح.
- 9 نوفمبر 2004: أطلقت فرقة من المستعربين الرصاص على 4 شباب فلسطينيين، كانوا يستقلون سيارة في مدينة جنين شمال القطاع.
- العام 2013: كشف سكان بلدة طمون عناصر القوة الإسرائيلية الخاصة، عندما تخفوا كتجار خضراوات، ورجموهم بالحجارة، ما أدى إلى إصابة اثنين منهم، وتدخلت قوة من الجيش، واقتحمت البلدة لإنقاذهم.
- 6 نوفمبر 2015: اعتقل مستعربون فلسطينياً، واقتادوه إلى مكان مجهول عقب مواجهات عند المدخل الشمالي لبيت لحم.
- 12 نوفمبر 2015: قتلت وحدة “دوفدفان” الشاب الفلسطيني عبد الله شلالدة (28 عاماً) في مستشفى بمدينة الخليل جنوب الضفة.
- 10 ديسمبر 2015: اعتقلت قوات من المستعربين، الفلسطيني باسم النعسان داخل فندق الوحدة، وسط مدينة رام الله بالضفة.
- 16 أبريل 2017: أوقفت الشرطة الفلسطينية عنصرين من وحدة “دوفدفان” في حي رفيديا بمدينة نابلس، وأعادتهما للجيش الإسرائيلي بعد تدخل الإدارة المدنية الإسرائيلية.
- عام 2018: قتل جندي من عناصر “دوفدفان” في مخيم الأمعري برام الله، بعد أن ألقى مقاوم فلسطيني عليه لوحاً من الجرانيت.
- عام 2024: قتلت الوحدة ثلاثة فلسطينيين في مستشفى ابن سينا في جنين.