عائلات في زامبيا لا تعرف مصير أبناءها بعد تفشي الكوليرا
عندما التقيت بأندرو كازادي، بعد وفاة ابن أخيه البالغ من العمر 26 عاماً، بسبب الكوليرا في مركز العلاج في لوساكا عاصمة زامبيا، بدا أنه مصدوم للغاية.
وكشف لنا كازادي، بعض الأمور التي ذكرتنا بالقيود التي فرضتها الحكومات خلال جائحة فيروس كورونا، وقال “أخبرونا (في المستشفى) أن نبحث عن نعش، لكن إذا تأخرنا، فسوف يدفنونه بهذه الطريقة”.
والآن، تعاني زامبيا من فوضى بسبب تفشي مرض الكوليرا، وهي عدوى بكتيرية ناجمة عن تلوث المياه أو الغذاء، حيث تم تسجيل أكثر من 15 ألف حالة إصابة وما يقرب من 600 حالة وفاة، معظمها في المنطقة الساخنة في لوساكا، منذ بداية موسم الأمطار في أكتوبر/تشرين الأول.
ومع تجمع السحب في السماء تمهيدًا لهطول أمطار غزيرة أخرى، قال كازادي “علينا أن نسارع في الحصول على التابوت”.
كان لقاء كازادي خارج ملعب هيروز لكرة القدم والذي يتسع لحوالي 60 ألف متفرج، وتم تحويله إلى مركز علاج يضم حوالي 800 طبيب يعالجون المرضى من جميع أنحاء البلاد.
صوت صفارات سيارات الإسعاف مستمر، يُحضر المرضى أو يؤخذون للدفن بعد انتصار المرض عليهم.
بالنسبة لكازادي، فإنّ رؤية جثة تشارلز، ابن أخته، كانت بمثابة صدمة.
أصيب تشارلز بنوبة من الإسهال وكان يتقيأ، ونُقل إلى عيادة، حيث علمت أسرته بأنه مصاب بالكوليرا، ليتم نقله إلى ملعب هيروز، حيث توفي بعد ثمانية أيام.
وقال كازادي “كنا نتوقع أنه سيكون على ما يرام مع مرور الوقت، نحن نشعر بالحزن حقاً كعائلة”، مشيراً إلى أنّ ابن أخيه ترك وراءه طفلا ًيبلغ من العمر ثلاث سنوات.
لكنه أشار إلى إيمان العائلة العميق، وأضاف “عندما يمرض شخص ما، نترك الأمر كله بيد الله – يمكن لهذا الشخص إما أن يموت أو ينجو. ومع كل التحديات التي مررنا بها، علينا فقط أن نشكر الله”.
وتماشياً مع اللوائح الحكومية للحد من انتشار المرض، لُفّت جثة تشارلز في كيس جثث، قبل أن يضعها رجال يرتدون ملابس واقية في التابوت.
ولم يُسمح للعائلة بلمس الجثة لحمايتهم من خطر العدوى. لكن خمسة فقط من أقاربه سُمح لهم بحضور الدفن.
وتتشابه المبادئ التوجيهية الحكومية مع إرشادات منظمة الصحة العالمية، التي تنصح العائلات بالحد من التعامل مع الجثث، ويفضل أن يتم الدفن في غضون 24 ساعة.
وتقول منظمة الصحة العالمية “يمكن بسهولة أن تنتقل التهابات الجهاز الهضمي (مثل الكوليرا) عن طريق أيّ مخلفات تتسرب من الجثث”.
ومن المؤسف أنّ بعض الأسر في لوساكا تعاني من صدمة مختلفة عن تلك التي تعيشها عائلة كازادي، إذ أنّهم لا يعرفون مصير أحبائهم، حيث لم يتمكن العاملون الصحيون المنهكون من إخبارهم عن حالتهم، أو ما إذا كانوا على قيد الحياة.
وأخبرتني يونيس تشونغو، أنها لا تعرف مصير ابنها بونيفاس، 34 عاماً، بعد أن أحضرته سيارة إسعاف إلى الملعب قبل حوالي أسبوع.
وقالت السيدة يونيس، بادياً عليها الأسى “كل ما أريده هو أن تخبرني الحكومة بالحقيقة بشأن مكان وجود ابني”.
وأنشأت الحكومة مركز اتصال لحث الأشخاص مثل يونيس على الإبلاغ عن أفراد عائلتهم المفقودين حتى يتمكنوا من المساعدة في تعقبهم.
وشهدت زامبيا تفشي وباء الكوليرا 30 مرة على الأقل منذ عام 1977، وقالت منظمة ووتر أيد WaterAid الخيرية إنّ آخرها هو الأسوأ منذ عام 2017.
وذلك على الرغم من تعهد الحكومة في عام 2019 بالقضاء على المرض بحلول عام 2025.
وقال يانخو ماتايا، مدير منظمة ووتر أيد في زامبيا، إنّ الحكومة لن تحقق هدفها “دون زيادة الاستثمار وتحسين التنسيق لمعالجة السبب الجذري – وهو عدم الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي اللائق”.
وأظهرت الأبحاث المنشورة في عام 2019 أنّ عدداً كبيراً من سكان زامبيا، حوالي 40 بالمئة، يعيشون بدون مياه نظيفة كافية، في حين أنّ ما يصل إلى 85 بالمئة يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الإدارة المناسبة للنفايات الصلبة.
وقال منسق وحدة إدارة الكوارث والتخفيف من آثارها في زامبيا، غابرييل بولين، إنّ البيانات لا تزال قيد التجميع لتقييم التقدم الذي أُحرز منذ عام 2019 لتحسين مرافق المياه والصرف الصحي.
وأضاف “الأرقام مثيرة للقلق للغاية، ونحن نرى هنا إحجاماً من جانب المجتمعات فيما يتعلق بالنظافة”.
وتمثل المناطق الفقيرة النقاط الساخنة للكوليرا في لوساكا، المعروفة محلياً باسم المجمعات، حيث يعيش الناس في ظروفٍ سيئة.
وفي كثير من الأحيان تُحفر المراحيض الأرضية بالقرب من الآبار الضحلة، حيث تُسحب مياه الشرب منها.
وعندما تهطل الأمطار، يرتفع منسوب المياه، إلى جانب خطر تلويث المياه من المخلفات البشرية، ويتسبب سوء الصرف في غمر المياه للمنازل.
ولمكافحة المرض، اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير، بما في ذلك حظر حفر الآبار الضحلة، وبيع المواد الغذائية في ظروف غير صحية.
ووعد الرئيس هاكيندي هيشيليما، في خطابٍ ألقاه في وقت سابق من هذا الشهر، بتحسين أوضاع سكان هذه المجمعات غير الرسمية سيئة التخطيط، ومنع ظهور مجمعات سكنية جديدة.
وقال الرئيس إنّ بعض الشباب “يتسكعون ولا يفعلون شيئاً” في المدن والبلدات بدلاً من الانتقال للعمل في المناطق الريفية للزراعة.
وأضاف “هناك مساحات كبيرة من الأراضي في القرى، وهناك مياه نظيفة، ويمكننا بناء منازل جميلة في القرى غير الملوثة”.
وفي حين قد ترى الحكومة أنّ تخفيف الازدحام في المدن هو حل طويل الأمد، فإنّ أولويتها الآن هي منع المزيد من الخسائر في الأرواح من خلال حملة التطعيم.
وقد تلّقت حوالي 1.6 مليون جرعة في وقت سابق من هذا الشهر، وقدمت غالبيّتها لسكان لوساكا.
وقالت وزيرة الصحة سيلفيا ماسيبو، في مؤتمر صحفي عام، إنّ “الاستجابة كانت شاملة، نحن قلقون فقط بشأن ما إذا كنا سنتمكن من تغطية النقاط الساخنة بالجرعات المتوفرة لدينا”.
لكنّها قالت إنّ هناك بعض التردد في تلقي لقاحات الكوليرا، بما في ذلك بين بعض الجماعات الدينية.
ولم تشرح الوزيرة سيلفيا تفاصيل ما تقصد، لكن من المعروف أنّ البعض يعتقد أنّ اللقاحات تجعل أرواحهم غير طاهرة.
وكانت رسالة الوزيرة لهم “من فضلكم دعونا لا نتأثر بمثل هذه المعتقدات، فنحن نعلم جميعاً أنّ الدين الحقيقي يهدف إلى حماية صحة المؤمنين به”.
وتحدثت الوزيرة سيلفيا أيضاً عن تردد فئات من الشباب في تلقي اللقاح.
ومرة أخرى، لم تدخل في التفاصيل، ولكن يبدو أنّها تشير إلى حقيقة أن بعضهم يعتقد أنهم لا يحتاجون إلى التطعيم لأن لديهم جهاز مناعة قوي.
واتجه بعض الرجال لتناول جرعات كبيرة من المشروبات الكحولية، لاعتقادهم أنّها تقتل البكتيريا المسببة للكوليرا.
وفي ما يبدو أنها رسالة موجهة إليهم، قالت الوزيرة إنّ الناس يجب أن ينفقوا أموالهم على الكلور – الذي يقتل البكتيريا في الماء – بدلاً من المشروبات الكحولية.
لكن يبدو أنّ الوزيرة ستحتاج إلى مواصلة إطلاق هذه الدعوات، قبل تغيير معتقدات الشباب الذين يترددون بشكل متزايد على قاعات البيرة في لوساكا.