جو بايدن أمام دونالد ترامب: ما هي نقاط القوة والضعف التي سوف يستغلها كل منهما؟
لم ينته بعد السباق التمهيدي للحزب الجمهوري رسميا، ولكن في ظل عدم وضوح إمكانية فوز نيكي هيلي، بترشيح الحزب لها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بدأت تلوح في الأفق ملامح الخصمين المتنافسين في الانتخابات العامة الأمريكية.
تفصلنا أشهر عن انعقاد مؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهي اللحظة التي يكشف فيها كل حزب رسميا عن مرشحه الرئاسي.
لكن انتخابات عام 2024 تبدو وكأنها يصعب تغيير مسارها.
ستكون المنافسة بين الخصمين جو بايدن ودونالد ترامب، فريدة من نوعها في التاريخ الحديث باعتبارها مباراة العودة بين الرئيس الحالي وسلفه السابق.
يقول تود بيلت، أستاذ السياسة بجامعة جورج واشنطن: “إن وجود رئيسين (حالي وسابق) يتنافسان في الانتخابات يغير طبيعة السباق”.
وأضاف أن “هذه مقارنة وليست مجرد استفتاء على الرئيس الحالي. لا توجد قوائم فارغة في هذه الانتخابات”.
سيكون الاختلاف بسيطا، وفقا لشون سبايسر، الذي شغل منصب السكرتير الصحفي الأول لترامب وعمل في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري قبل ذلك.
ويوضح سبايسر أنه “بالنسبة لأولئك الذين يقولون إن سياسات دونالد ترامب جعلت حياتهم أفضل وأكثر أمانا، وجعلت الاقتصاد والمجتمع أفضل، فإن الأمر محسوم”.
لدى حملة ترامب كل الدوافع لمواصلة الهجوم على بايدن، ومن أسباب ذلك صرف الانتباه عن نقاط ضعف ترامب، ومنها مشاكله القانونية وخطابه المثير للخلاف ومحاولاته لتقويض نتائج انتخابات 2020، والتي ساهمت في وقوع هجوم يناير/كانون الثاني 2021 على مقر الكونغرس (الكابيتول) الأمريكي.
لكن لدى بايدن أيضا نقاط ضعف رئيسية، حيث يكافح من أجل الترويج لإنجازاته في فترة ولايته الأولى ويحاول إقناع الجمهور بأن لديه القدرة على مواصلة الحملة الانتخابية والحكم لولاية ثانية.
وبالفعل، خلال هذا السباق الرئاسي يصور بايدن سلفه ترامب على أنه خارج عن السيطرة ويشكل تهديدا لأمريكا، وللديمقراطية نفسها.
تقول سوزان إستريش، الكاتبة والمحللة الديمقراطية التي أدارت حملة مايكل دوكاكيس الرئاسية في عام 1988: “عادة، هذا ما تفعله عندما تخوض الانتخابات ضد شخص غير معروف في السياسة، لكن في الوضع الحالي، الخصم شخص معروف جدا، وأنت تحاول فقط إثبات أنه يمثل خطرا كبيرا”.
يقول عدد قليل من الأمريكيين إنها مباراة عودة، لكنه خيار رئاسي، ويبدو أنهم في هذه المرحلة شبه متأكدين من اختيارهم.
سباق متقارب على خريطة صغيرة
لا تزال معدلات تأييد بايدن الضعيفة في منطقة خطرة بالنسبة لرئيس حالي يدخل عام الانتخابات. ومع ذلك، فإن التصورات العامة عن ترامب سلبية أيضا.
بكل المؤشرات، سوف تكون الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني متقاربة. وتُظهر استطلاعات الرأي أن المرشحين متقاربين، أو أن ترامب يتمتع بتقدم طفيف.
لكن في هذه المرحلة المبكرة من السباق، تكون فائدة هذه الاستطلاعات محدودة، نظرا لطبيعة الخريطة السياسية الأمريكية. بينما سيتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في جميع أنحاء البلاد، فإن عدداً قليلاً من الولايات سيلعب دورا في حسم هذا السباق.
وذلك لأن المجمع الانتخابي، وهو النظام الذي تتبعه الولايات المتحدة لاختيار رئيسها، يعتمد على فوز المرشحين في كل ولاية، ومعظم الولايات ديمقراطية أو جمهورية بقوة.
وتشمل الولايات الأكثر أهمية والتي يمكن أن تتأرجح في أي من الاتجاهين هذا العام، ويسكونسن وبنسلفانيا وميشيغان التي يزورها الرئيس الحالي جو بايدن، فيما يسمى بحزام الصدأ، وهناك أيضا ولايات أريزونا وجورجيا، وهما ولايتان حولهما بايدن لصالح الديمقراطيين في عام 2020.
تعتبر ولاية نيفادا أيضا من الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، لكن عدد سكانها الصغير يجعلها جائزة قليلة القيمة بالنسبة للمرشحين.
وقد تراجعت بعض الولايات التي كانت ساحات معارك في الدورات الانتخابية السابقة عن خريطة الحسم، فقد اتجهت فلوريدا ونورث كارولينا إلى الحزب الجمهوري في الآونة الأخيرة، في حين يبدو أن فرجينيا وكولورادو تميلان بقوة للديمقراطيين.
لذلك فإن أهمية استطلاعات الرأي تمثل مادة خصبة للمعلقين السياسيين، لكن في النهاية ستكون الأهمية الأكبر لمجموعة صغيرة من الناخبين.
أثارت استطلاعات الرأي التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي أظهرت تقدم ترامب ببطء في هذه الولايات الرئيسية، قلق بعض الديمقراطيين، لكن استطلاعات الرأي بعد عام من الانتخابات، لا يمكن اعتبارها بالضرورة تنبؤات دقيقة حول النتيجة.
الاقتصاد (مرة أخرى)
عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن الأمريكيين يميلون إلى التصويت بحسب ما يوجد في حافظات نقودهم في الانتخابات، إذ يصوتون للحزب الحاكم في الأوقات الجيدة وللمعارضة في الأوقات العصيبة.
“إنه الاقتصاد، أيها الغبي” كان هذا الشعار الذي تردد في حملة بيل كلينتون الرئاسية الناجحة في عام 1992، وقد تحولت هذه العبارة إلى نص مقدس (دستور) سياسي في العقود التي تلت ذلك.
لكن أحد العوامل التي تجعل من الصعب التنبؤ بعام 2024، هو أن المؤشرات الاقتصادية إيجابية بشكل عام.
فالاقتصاد ينمو بمعدل ثابت، والبطالة تنخفض وتقترب من مستويات قياسية. سوق الأسهم يصل إلى مستويات قياسية. ومع ذلك، لا يزال الناخبون الأمريكيون ينظرون إلى وضعهم الاقتصادي على أنه قاتم.
ومن الممكن أن نعزو بعض أسباب ذلك إلى سنوات عديدة من التضخم المرتفع واستمرار ارتفاع تكاليف الإسكان في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة. مما أدى إلى انخفاض مبيعات المنازل في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من 30 عاما.
وركزت حملة ترامب على بيانات المنازل وعرضت في حفل فوز ترامب بترشيح الجمهوريين في ولاية أيوا، رسومات توضح كيف أدى ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري خلال إدارة بايدن إلى ارتفاع أقساط المنازل الشهرية.
ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات الأخيرة التي تمنح بايدن الأمل.
وصلت ثقة المستهلك، وفقا لمسح أجرته جامعة ميشيغان، إلى أعلى مستوى لها منذ يوليو/تموز 2021. كما انخفضت معدلات التضخم وأسعار الغاز. ولا يزال هناك متسع من الوقت للناخبين لتغيير رأيهم بشأن حالة الاقتصاد الأمريكي.
ووفقا لسبايسر، فإن الاقتصاد هو قضية “أمعاء” وما زال العديد من الأمريكيين يعتقدون أن وضعهم اليومي لم تحسن.
ويقول: “إلى أن تشعر بذلك (تحسن الاقتصاد) بشكل عميق، لا يهم ما هي الإحصائية التي ستصل إليك”.
سيرد بايدن بأن الولايات المتحدة نجت من العاصفة الاقتصادية التي أعقبت كوفيد-19 بشكل أفضل من أي دولة أخرى في العالم تقريبا، وأن اقتصاد بايدن، وهو مزيج من الاستثمار في البنية التحتية وتخفيض الضرائب والإنفاق الاجتماعي، قد أدى إلى تحسين أوضاع الكثير من الأمريكيين العاملين.
الإجهاض أم الهجرة؟
ستحاول حملة بايدن إقناع الناخبين بأن ترامب مسؤول عن أن الإجهاض أصبح غير قانوني، وقد تم تقييده بشكل كبير في عشرات الولايات، حتى في الوقت الذي حاول فيه الرئيس السابق تخفيف موقفه بشأن هذه القضية.
منذ أن تجاهلت المحكمة العليا الأمريكية، بمساعدة ثلاثة قضاة عينهم ترامب، سابقة عمرها 50 عاما تمنح الحق في الإجهاض والحماية الدستورية، كان الديمقراطيون يحظون بموجة كبيرة من الدعم بشأن هذه القضية لتحقيق نتائج أفضل من المتوقع. في صندوق الاقتراع.
عقد بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس، مؤخرا حدثا انتخابيا في شمال فيرجينيا ركز على هذه القضية.
تقول سوزان إستريتش: “تبين أن الإجهاض قضية أقوى بكثير مما كان يعتقده الكثيرون”. “في كل مكان كان على بطاقة الاقتراع، فاز الموقف المؤيد لحق الاختيار”.
إذا كان الإجهاض هو القضية الانتخابية التي سيحاول الديمقراطيون التركيز عليها في أذهان الناخبين، فإن ترامب والمحافظين سيفعلون الشيء نفسه بالنسبة لقضية الهجرة.
إذ وصل عدد المهاجرين على المعابر الحدودية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في ديسمبر/كانون الأول، حيث تم اعتقال 249.785 شخصا على الحدود المكسيكية، بزيادة بلغت 31 في المئة في نوفمبر/تشرين الثاني، وبزيادة 13 في المئة عن ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو الرقم القياسي السابق.
أدى هذا التدفق الهائل للمهاجرين وطالبي اللجوء غير الشرعيين في بعض الأحيان إلى إرباك مرافق المعالجة الحكومية وإرهاق برامج الخدمة الاجتماعية في المدن الكبرى التي تبعد آلاف الأميال.
وتظهر استطلاعات الرأي أن الهجرة هي القضية الأهم بالنسبة لكثير من قاعدة ناخبي ترامب، ومصدر ضعف للرئيس الحالي، وانقسام بين الديمقراطيين.
وقد أثبتت الجهود المبذولة لمعالجة المشكلة في الكونجرس عدم نجاحها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن ترامب كان يضغط على الجمهوريين لمنع التشريعات التوفيقية إلى ما بعد الانتخابات.
يقول سبايسر: “لقد فقدت إدارة بايدن الحجة في الدفاع عن نفسها بشأن السلامة والأمن على حدودنا الجنوبية”.
وقد تلعب قضايا أخرى أيضا دورا في السباق الرئاسي المقبل، بما في ذلك معدلات الجريمة في الولايات المتحدة، والبيئة وتغير المناخ، والسياسة الخارجية.
وقد تكون حرب غزة، على وجه الخصوص، بمثابة مصدر قلق مستمر لبايدن، حيث أثار دعم إدارته لإسرائيل غضب بعض الديمقراطيين، بما في ذلك نسبة أكبر من الناخبين الشباب الذين يمكن أن تحدد نسبة إقبالهم نتائج الانتخابات.
بديهيات مجهولة
إن أطول حملة انتخابية عامة في الذاكرة الحديثة تترك متسعا من الوقت لحدوث ما لا يمكن التنبؤ به.
ونظرًا للعمر المتقدم لكل من بايدن (81 عاما) وترامب (77 عاما)، فقد يحدث ما يثير التساؤل حول صحتهما ولياقتهما البدنية في أي وقت.
وخلال المناظرات الرئاسية في الخريف المقبل، ستكون طاقتهم وثباتهم الانفعالي تحت الضغوط، موضع تشكيك بشكل خاص.
تقول سوزان إستريش: “العمر يضر بايدن في الوقت الحالي. الجميع يعتقد أن بايدن كبير في السن”. والسؤال هو: هل سيظهر ترامب علامات تقدمه في السن؟”
ولأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية الأمريكيين غير راضين عن اختيارات الحزبين الرئيسيين، فإن البيئة مهيأة لظهور حزب ثالث أو مرشح مستقل.
روبرت كينيدي جونيور، الناشط المناهض للقاحات، يترشح بالفعل، على الرغم من أنه لم يشارك إلا في ولاية واحدة حتى الآن. كما أن حزب No Labels “نو ليبلز”، التي يحظى بدعم بعض المانحين الأثرياء، قد يقدم مرشحه الخاص.
ويمكن أن تؤثر المشاكل القانونية التي يواجهها ترامب أيضًا في السباق، إذ يواجه 91 تهمة وأربع محاكمات جنائية. ورغم أن لوائح الاتهام عززت مكانته بين الجمهوريين كما يبدو، إلا أن الإدانة الجنائية قد تكون مسألة مختلفة.
ووفقا لاستطلاع آراء الناخبين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية نيو هامبشاير التي اختتمت مؤخرا، قال 42 في المئة إن ترامب لن يكون مؤهلا لمنصب الرئاسة إذا ثبتت إدانته.
ولا يزال توقيت محاكمات الرئيس السابق، والتي تم تحديد موعد مبدئي لبعضها في مارس/آذار، وأبريل/نيسان، في حالة تغير مستمر.
إن مشهد ترامب في قفص الاتهام، ومقاضاته على جرائمه المزعومة، يمكن أن يؤثر أيضا على الرأي العام بطريقة لم تؤثر بها لوائح الاتهام.
وقد ترك الهجوم الذي شنه أنصاره على مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير/كانون الثاني 2021، والذي اتُهم ترامب بتحريضهم عليه، أثرا عميقا في نفوس الأمريكيين.
وفي حين يبدو الناخبون الجمهوريون على استعداد لتجاوز هذه الانتخابات، فإن الديمقراطيين، وكذلك نوعية الناخبين المستقلين الذين سيساعدون في تحديد هذه الانتخابات، ما زالوا يتذكرون ما حدث.
وكلما تم تذكيرهم بهذه الصدمة، وبالطريقة التي انتهت بها رئاسة ترامب الأولى، سواء على يد بايدن والديمقراطيين أو من خلال الدراما في قاعة المحكمة، كلما عادت تصرفات الرئيس السابق لتطارده في النهاية.