الذكاء الاصطناعي: هل تستطيع “روبوتات التداول” تغيير عالم الاستثمار؟
- Author, جونتي بلوم
- Role, مراسل الأعمال
إذا قمت بالبحث عن “الاستثمار باستخدام الذكاء الاصطناعي” في الإنترنت، ستجد نفسك غارقاً في عروض لا نهاية لها، والتي تطلب منك استغلال الذكاء الاصطناعي في إدارة أموالك.
لقد أمضيتُ مؤخراً نصف ساعة في اسكتشاف ما يمكن أن تفعله “روبوتات التداول” التي تعمل بالذكاء الاصطناعي باستثماراتي، يشير كثيرون إلى أنَّ هذه الروبوتات تستطيع إعطاء عوائد مربحة، ومع ذلك، تحذر كل الشركات المالية الرصينة، من أنَّ رأس المال قد يكون في خطر، أو بعبارة أكثر بساطة – قد تخسر أموالك – طالما هناك من يتخذ قرارات سوق الأوراق المالية نيابةً عنك، سواء كان إنساناً أو جهاز كمبيوتر.
أثارت قدرة الذكاء الاصطناعي ضجَّةً على مدى السنوات القليلة الماضية، لدرجة أنَّ ثُلث المستثمرين تقريباً سيكونون سعيدين بالسماح لروبوت التداول باتخاذ جميع القرارات نيابةً عنهم، وفقا لدراسة استقصائية أجريت عام 2023 في الولايات المتحدة.
ويقول جون آلان، وهو رئيس قسم الابتكار والعمليات في جمعية الاستثمار في المملكة المتحدة: “على المستثمرين أن يكونوا أكثر حذراً بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي، الاستثمار أمر خطير للغاية، فهو يؤثر على الناس وأهداف حياتهم على المدى الطويل، لذا فإنَّ التأثر بالطفرة الأخيرة قد لا يكون منطقياً”.
ويضيف آلان : “أعتقد أنَّنا بحاجة إلى الانتظار حتى يثبت الذكاء الاصطناعي نفسه، قبل أن نتمكن من الحكم على فعاليته، وفي هذه الأثناء، سيظلُّ الاعتماد على خبراء الاستثمار أمراً مهماً”.
قد تؤدي روبوتات التداول التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف، إلى إخراج بعض خبراء الاستثمار الذين تلقوا تدريباً عالياً ووأنفقوا على ذلك مبالغ باهظة، عن العمل، لكن يبقى التداول بالذكاء الاصطناعي مثيراً للشكوك والمشكلات.
أولاً، الذكاء الاصطناعي ليس كرة كريستالية ترى المستقبل أكثر من الإنسان، وإذا ما نظرت إلى الوراء على مدى السنوات الـ 25 الماضية، فقد كانت هناك أحداث غير متوقعة أدت إلى تعثر أسواق الأسهم، مثل أحداث 11 سبتمبر، وأزمة الائتمان 2007-2008، وجائحة كورونا.
ثانيًا، تعتبر أنظمة الذكاء الاصطناعي جيدة بقدر جودة البيانات والبرامج الأولية التي يستخدمها مبرمجو الحواسيب من البشر، ولشرح هذه المسألة، قد نحتاج للعودة إلى التاريخ قليلاً.
في الواقع، تستخدم البنوك الاستثمارية الذكاء الاصطناعي الأساسي أو “الضعيف” لتوجيه خياراتها في السوق منذ أوائل الثمانينيات، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي الأساسي أن يدرس البيانات المالية، ويتعلم منها، ويتخذ قرارات مستقلة – ونأمل – أن تصبح أكثر دقة من أي وقت مضى، لكن مع ذلك لم تتنبأ أنظمة الذكاء الاصطناعي الضعيفة هذه بأحداث 11 سبتمبر، أو حتى أزمة الائتمان.
وبالتقدم سريعاً إلى يومنا هذا، وعندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي فإننا غالباً ما نعني شيئاً يسمى “الذكاء الاصطناعي التوليدي”، وهو الذكاء الاصطناعي الأقوى بكثير، والذي يمكنه إنشاء شيء جديد ومن ثم التعلم منه.
عند تطبيقه على الاستثمار، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي استيعاب كميات كبيرة من البيانات واتخاذ قراراته الخاصة، ولكن يمكنه أيضاً التوصل إلى طرق أفضل لدراسة البيانات وتطوير كود الكمبيوتر الخاص به، ومع ذلك، إذا تم تغذية هذا الذكاء الاصطناعي في الأصل ببيانات سيئة من قبل المبرمجين البشريين، فإن قراراته قد تزداد سوءاً كلما زاد عدد التعليمات البرمجية التي ينشئها.
إليز جورير، الأستاذة المشاركة في العلوم المالية في كلية إدارة الأعمال “إسسيك” في باريس، والمتخصصة في دراسة الأخطاء التي يرتكبها الذكاء الاصطناعي، تستشهد بجهود التوظيف التي بذلتها أمازون في عام 2018 كمثال رئيسي، وتقول: “كانت أمازون من أوائل الشركات التي طورت أداة الذكاء الاصطناعي لاستهداف الأشخاص”.
وتتابع: “لذلك، فإنهم يحصلون على آلاف السير الذاتية، وتقوم أداة الذكاء الاصطناعي بقراءة السير الذاتية لهم، وتخبرهم بمن يصلح للتوظيف”، وتضيف: “كانت المشكلة هي أن أداة الذكاء الاصطناعي تم تدريبها على موظفي الشركة، حيث إن معظمهم من الرجال، ما أدى بالنتيجة إلى أن تقوم الخوارزمية بتصفية جميع النساء”.
وهنا، وفق جورير، “اضطرت أمازون إلى إلغاء التوظيف المدعوم بالذكاء الاصطناعي.”
تقول البروفيسورة ساندرا واتشتر، الباحثة البارزة في الذكاء الاصطناعي بجامعة أوكسفورد، إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أيضًا أن يخطئ وينتج معلومات غير صحيحة، وهو ما يسمى بـ”الهذيان”، وتضيف أن “الذكاء الاصطناعي التوليدي عرضة للتحيز وعدم الدقة، ويمكنه تقديم معلومات خاطئة أو اختلاق الحقائق بالكامل، ومن دون تتبع، سيكون من الصعب اكتشاف هذه العيوب”.
وتحذر البروفيسورة ساندرا واشتر أيضا من أنَّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الآلية يمكن أن تكون معرضة لخطر تسرب البيانات أو ما يسمى بـ”هجمات الانعكاس النموذجي”، وهو ما يحدث حين يطرح المتسللون على الذكاء الاصطناعي سلسلة من الأسئلة المحددة على أمل أن يكشف عن شفرته وبياناته الأساسية.
من المحتمل أن يصبح أداء الذكاء الاصطناعي شبيهاً أكثر بعمل جامعي الأسهم الذين اعتدنا على مشاهدتهم في صحف الأحد، على حساب أن يعمل كاستشاري استثمارات عبقري، لطالما أوصى جامعو الأسهم بشراء أسهم صغيرة مع مطلع يوم الاثنين، وبأعجوبة سترتفع قيمة الأسهم مع بداية عمل ذلك اليوم.
وبطبيعة الحال، لم يكن لهذا أي علاقة بعشرات الآلاف من القراء الذين سارعوا لشراء السهم المعني.
وعلى الرغم من كل تلك المخاطر، لماذا يحرص عدد كبير من المستثمرين على السماح للذكاء الاصطناعي باتخاذ القرارات نيابةً عنهم؟ يقول عالم النفس التجاري ستيوارت داف، من شركة بيرن كاندولا الاستشارية، إنَّ بعض الناس يثقون ببساطة في أجهزة الكمبيوتر أكثر من غيرهم من البشر.
ويقول: “من المؤكد أن يعكس ذلك حكماً غير واعٍ بأن المستثمرين من البشر غير معصومين من الخطأ، في حين أن الآلات هي صانعة قرار موضوعية ومنطقية ومدروسة”. ويضيف “قد يعتقدون أنَّ الذكاء الاصطناعي لن يمر بيوم عطلة أبداً، ولن يتعمد أبداً خداع النظام، أو يحاول إخفاء الخسائر”.
ويكمل داف: “مع ذلك، فإنَّ أداة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قد تعكس ببساطة كل أخطاء التفكير والأحكام السيئة لمطوريها، والأكثر من ذلك، قد تفقد فائدة الخبرة ورد الفعل السريع عندما تقع أحداث غير مسبوقة في المستقبل، مثل الانهيار المالي، وجائحة كورونا”، مشيراً إلى أن “عدداً قليلاً جداً من البشر يمكنهم إنشاء خوارزميات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع تلك الأحداث الضخمة”.