الحرب في السودان: هل يؤدي أي تدخل إيراني فيها إلى تحولها إلى “صراع إقليمي”؟
في أواخر الأسبوع الماضي، احتفل جنود من قوات الدعم السريع في مدينة أم درمان، التي تشهد معارك ضارية مع قوات الجيش، بإسقاط ما قالوا إنها طائرة مُسيّرة إيرانية الصنع من طراز “مهاجر”، ونقلوا بعد ذلك حطام الطائرة، على متن إحدى السيارات إلى مكان آخر.
وقبيل هذه الواقعة، نشرت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية للأنباء، تقريرا يقول – نقلا عمن وصفتهم الوكالة بمسؤولين غربيين – إن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات من دون طيار من طراز “مهاجر”. وقال هؤلاء المسؤولون، إن أقمارا اصطناعية، التقطت صورا لهذه الطائرات، في قاعدة “وادي سيدنا” العسكرية، التي يسيطر عليها الجيش في أم درمان.
وتتسم الطائرات من هذا الطراز، بأنها ذات محرك واحد، وقادرة على إصابة أهدافها بدقة. وسبق للولايات المتحدة، أن اتهمت إيران بتزويد روسيا بطائرات من الطراز نفسه، خلال حربها مع أوكرانيا، وهي الاتهامات التي نفتها طهران.
قبل ذلك بأشهر وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقد رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لقاءً مفاجئا مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، على هامش القمة العربية الإسلامية، التي استضافتها السعودية آنذاك، وذلك بعد قطيعة استمرت عدة سنوات بين الخرطوم وطهران.
وفي ذلك الوقت، قال البرهان إنه لم ير من إيران إلا الخير، وأنه مستعد لاستئناف العلاقات معها.
وكان الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، قد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2017، على خلفية أزمة بين الرياض وطهران، إثر اقتحام مقار دبلوماسية سعودية في الأراضي الإيرانية. وجاء هذا القرار كبادرة تضامن مع السعودية، رغم أن إيران كانت في تلك الفترة حليفا استراتيجيا للسودان، خاصة في المجال العسكري.
وبينما لم تعلق إيران رسميا بعد على التقارير التي تشير إلى تزويدها الجيش السوداني بالأسلحة، قال مصدر دبلوماسي إيراني لبي بي سي إن بلاده “ستتعاون مع السودان في كل المجالات”.
وأشار المصدر، الذي عمل من قبل في السفارة الإيرانية في الخرطوم، إلى أن السودان “ظل على الدوام محل اهتمام من القيادة الإيرانية بالرغم من بعض التقاطعات.. وبعد أن اتفق البلدان على استئناف العلاقات مرة أخرى، رأت الحكومة الإيرانية أن من واجبها، أن تقف مع الحكومة السودانية في كل المجالات، كما يحدث مع أصدقائنا، وهذا أمر طبيعي”.
وظلت الحكومة الإيرانية تزود الجيش السوداني بالسلاح خلال فترة حكم البشير، وأنشأت عددا من مصانع الأسلحة والذخائر في السودان. وفي عام 2012، قصفت إسرائيل مصنع اليرموك في الخرطوم، قائلة إنه يُستخدم لتصنيع أسلحة، يتم تهريبها إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة.
ومن جهته، يقول مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات الدكتور سليمان بلدو، إن إيران تسعي للتعاون مع الحكومة السودانية، مقابل حصولها على قدر أكبر من النفوذ على ساحل البحر الأحمر. وأضاف في تصريحات لبي بي سي بالقول إن “إيران تبحث عن مرافئ لسفنها في البحر الأحمر، في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث، في هذا المعبر الحيوي المهم في المنطقة”.
“حرب إقليمية”
وتتزايد المخاوف بين السودانيين، من أن الحرب المستمرة في بلادهم منذ منتصف إبريل/نيسان من العام الماضي، لن تتوقف قريبا، وقد تتحول إلى “صراع إقليمي”، وذلك في ظل التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية.
وقد أدت المعارك في السودان حتى الآن، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. كما أجبرت أكثر من عشرة ملايين شخص على ترك مناطقهم سواء للإقامة في مناطق سودانية أخرى، أو للجوء إلى دول الجوار. علاوة على ذلك، ألحق القتال دمارا كبيرا بالبنية التحتية، من جسور ومرافق كهرباء ومياه ومستشفيات.
وليست الاتهامات الموجهة لإيران بالتدخل في الحرب السودانية، الأولى من نوعها لدولة أخرى بمحاولة دعم أحد أطراف هذه الأزمة. فقد اتهمت الحكومة السودانية رسميا دولة الامارات العربية المتحدة، بتزويد قوات الدعم السريع بالعتاد العسكري والأموال. وخلال هذا الأسبوع، قال مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس، في أثناء جلسة خُصِصَت لمناقشة الأوضاع في بلاده، إن الامارات استخدمت مطار أم جرس التشادي، لإدخال السلاح والعتاد العسكري، إلى داخل الأراضي السودانية.
ومن جانبه، يرى الخبير العسكري السوداني العميد متقاعد كمال مجذوب، أن من شأن مثل هذه التدخلات أن تفاقم الأوضاع، وتؤدي إلى اندلاع “حرب إقليمية” في المنطقة. وأضاف بالقول “القتال لا يزال مستمرا في كل الجبهات (بالسودان)، وهنالك تصعيد كبير من الطرفين مع وصول أسلحة جديدة.. هذه الأسلحة لم تكن موجودة في بداية الحرب، وهي تشير بشكل واضح إلى أن الأطراف الخارجية لا تزال تسعى لاستمرار القتال لأجندة خاصة بها، وعندما تتقاطع هذه الاجندات، فإن الحرب ستتحول إلى حرب إقليمية بطبيعة الحال”.
“أمن البحر الأحمر”
في منتصف يناير/كانون الثاني، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى، هجمات مكثفة على مواقع عسكرية تابعة لحركة أنصار الله الحوثية داخل اليمن، وذلك “لتهدئة التوترات واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر”، كما أفاد بيان صادر من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
وجاءت هذه الهجمات، بعد شن الحركة الحوثية، المدعومة من إيران، هجمات عدة على سفن كانت تمر في البحر الأحمر، بدعوى أنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك في سياق ما يعتبره الحوثيون دعما للفلسطينيين، على وقع الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل.
وجعلت هذه التطورات البحر الأحمر مسرحا لسلسلة من أهم التجاذبات العالمية، ما قد يلقي بظلاله على السودان، الذي يطل على هذا الممر الملاحي المهم، بساحل يفوق طوله 1370 ميلا بحريا، مما يجعله أحد أطول السواحل البحرية في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد عدد معتبر من الموانئ السودانية المهمة التي تطل على البحر الأحمر، من بينها بورتسودان، الميناء الرئيسي في السودان، بجانب سواكن وبشائر.
ويقول الدكتور سليمان بلدو، إن الولايات المتحدة وحلفاءها لن ينظروا بعين الرضا، لما وصفه بـ “التحالف الجديد” بين الخرطوم وطهران، وذلك في ظل المعطيات الحالية في منطقة البحر الأحمر. ويعتبر أن “الأمريكيين يعلمون جيدا أن إيران هي من تقوم بتوظيف جماعة الحوثي وحزب الله وحماس، لإدارة مصالحها في المنطقة” بحسب قوله، مشيرا إلى أنه يعتقد أن واشنطن “ستضغط على الحكومة السودانية، التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية علي البحر الأحمر مقرا لها، لئلا تستمر في تحالفها مع الحكومة الإيرانية”.