الطائرات المسيرة: من اللاعبون الأساسيون في صناعة واستخدام المسيرات بالشرق الأوسط؟
- Author, محمد حميدة
- Role, بي بي سي نيوز، القاهرة
طائرات صغيرة بدون طيار بلا تكلفة تُحلّق في السماء بلا رادع، تقلع وتهبط في بلدة أو غابة أو على ظهر مركب في البحر، تتجسس وترصد وتستهدف بل وتغير مسار المعارك على الأرض، ولا يحتاج السلاح الجديد إلى جيش جرار إنما فقط من يسيرها من على الأرض.
في محيط إقليمي في الشرق الأوسط يزخر بالصراعات المسلحة، سواء بين جيوش أو جماعات، أصبحت المسيرات سلاحا يثير المخاوف، الجميع يملك بشكل أو بآخر مسيرات نظرا لصغر حجمها وقلة كلفتها.
تشير تقديرات معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI) إلى أن القوى في الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل) أنفقت ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار على الطائرات العسكرية بدون طيار على مدى السنوات الخمس الماضية.
متى بدأ سباق التسلح؟
يعتقد البعض أن بداية سباق التسلح بالطائرات المسيرة بدأ مع ما يعرف بالربيع العربي، لكن السباق بدأ أبكر من ذلك في رأي الدكتور جيمس باتون روجرز المدير التنفيذي لمعهد كورنيل للسياسة والتكنولوجيا بجامعة كورنيل، والذي أكد لبي بي سي أن السباق يعود إلى أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات، حيث عملت كل من إسرائيل وإيران على تطوير طائرات بدون طيار منذ ذلك الوقت، والبلدان يعتبران أنظمة الأسلحة عن بعد جزءًا لا يتجزأ من الدفاع الوطني.
لكن التحول الدراماتيكي في استخدام المسيرات كوسائل هجوم واضحة، بدأ حينما استخدمت تركيا جيشا من المسيرات منعت به القوات المسلحة السورية في عام 2020 من تدمير قوات المعارضة، فقد أوقفت طائرات مسيرة تركية من طراز بيرقدار أكثر من 100 مركبة مدرعة كانت متقدمة على فصائل المعارضة.
وبعد ذلك توالى استخدام المسيرات بكثرة، و بدأ اللاعبون الكبار في منطقة الشرق الأوسط في إنتاج أعداد ضخمة منها.
يقول محمد سليمان مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في مؤسسة الشرق الأوسط، إن هناك ثلاثة لاعبين أساسين إضافة إلى ثلاث دول في بداية الطريق لتصنيع طائرات مسيرة في الشرق الأوسط.
المرتبة الأولى
إسرائيل هي أول اللاعبين، بحسب سليمان، لأنها “أول دولة تستخدم المسيرات في حرب لبنان في الثمانينيات من القرن المنصرم، وبالطبع كان اعتمادها على الولايات المتحدة الأمريكية تكنولوجياً، لكنها طورت وأنتجت أجيالا من الطائرات المسيرة”.
تعتبر إسرائيل من أكبر منتجي ومصدري الطائرات المُسيَّرة، إذ مثلت المسيرات 25 في المئة من إجمالي صادرات إسرائيل من السلاح عام 2022، حسب بيان لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
ومن أشهر المسيرات الإسرائيلية “إيتان” التي تستطيع البقاء في الجو لمدة 36 ساعة متواصلة وحمل 1000 كيلوغرام من الصواريخ المتفجرة.
كما شنت إسرائيل هجمات واغتيالات وعمليات نوعية بطائرات مسيرة من نوع “هيرمِس 450” و”هيرمِس 900″، واستخدمتها في حروبها على غزة، بحسب تقارير صحفية.
المرتبة الثانية
تأتي تركيا في المرتبة الثانية، والتي في رأي سليمان بدأت في صناعة المسيرات معتمدة على تصميمات ورخص غربية وبخاصة من الولايات المتحدة، وكان الإنتاج في معظمه من الخامات المحلية التركية.
وتعتبر المسيرة Bayraktar TB2 (بيرقدار تي بي 2) والتي من الممكن أن تظل في الجو 24 ساعة بارتفاعات تصل إلى 25000 قدم، باكورة الإنتاج التركي.
ويضيف سليمان أن المسيرات كانت السلاح الأبرز لدى تركيا في سوريا بداية من 2016، كما في ليبيا في 2019، حينما أرسلت تركيا طائرات “بيرقدار” المسيرة لتقلب الموازين ضد الجنرال خليفه حفتر الذي كان على أبواب طرابلس في الطريق للاستيلاء عليها.
ووفقا لبيانات رسمية تركية، فقد وقَّعت شركة “بايكار” المنتجة للمسيرات في عام 2022 عقود تصدير مع 27 دولة، بإجمالي عائدات بلغت 1.18 مليار دولار، وأبرز المُشترين أوكرانيا وبولندا وأذربيجان والمغرب والكويت والإمارات وإثيوبيا وتركمانستان وقرغيزستان ورومانيا وألبانيا.
المرتبة الثالثة
اللاعب الثالث هو إيران، التي اعتمدت على موارد محلية في تصنيع الطائرات المسيرة لأنها أقل كلفة للبلاد التي تقبع تحت العقوبات الاقتصادية.
و بدأت إيران في تطوير برامج للطائرات المسيّرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، خلال الحرب ضد العراق (1980-1988).
وقد أثار برنامج طهران الطموح لإنتاج الطائرات المسيرة وتصدير عدد منها إلى روسيا حنق الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على شبكة من عشرة كيانات وأربعة أفراد متمركزين في إيران وماليزيا والصين وإندونيسيا، حسب بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، وذلك لقيامهم بتسهيل بيع إيران مكونات إلكترونية أمريكية المنشأ، لطائرات مسيرة أحادية الاتجاه تنتجها منظمة تابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني.
كما اتهمت الولايات المتحدة إيران بالضلوع في تزويد الحوثيين بمسيرات استهدفت بها سفنا في البحر الأحمر.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي أزاحت وزارة الدفاع الإيرانية الستار عن الطائرة المسيرة “مهاجر 10″، وقالت إنها قادرة على التحليق لمدة 24 ساعة على ارتفاع يصل إلى 7 آلاف متر بسرعة 210 كيلومترات، كما أنها قادرة على تنفيذ عمليات في مدى يصل إلى ألفي كيلومتر.
الثلاثي العربي الصاعد
تنامى الاهتمام العربي بالمسيرات كسلاح، وخاصة لدى الثلاثي العربي؛ الإمارات والسعودية ومصر، خلال السنوات الماضية.
وقد عملت الإمارات وإسرائيل بشكل مشترك بعيد تطبيع العلاقات بين البلدين على تطوير أساطيل الطائرات بدون طيار.
وتطور شركة إيدج الإماراتية وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، نظاما لمكافحة الطائرات بدون طيار “مدعما برادار ثلاثي الأبعاد، وتكنولوجيا استخبارات الاتصالات، والبصريات الكهربائية المدمجة في نظام موحد للقيادة والسيطرة”، حسب رويترز، وذلك بهدف صد أي هجوم بالمسيرات.
تعتبر السعودية اللاعب الثاني، وقد أتي اهتمام المملكة بالمسيرات بعد أن تلقت نحو 851 ضربة من طائرات مسيرة هجومية على منشآت استراتيجية من الحوثيين، وذلك حسب أرقام رسمية سعودية منذ بدء الحرب في اليمن عام 2015 وحتى عام 2021، وكانت من أبرزها المسيرة الإيرانية الصنع “شاهد”.
وقال موقع “ديفينس نيوز”، في 21 أغسطس/آب 2021، إن شركتين سعوديتين وقعتا اتفاقية للمشاركة في إنتاج وتطوير طائرة بدون طيار “Sky Guard” للاستخدام التكتيكي.
ولجأت المملكة إلى توطين صناعة المسيرات بعد شراء طائرات تركية، ووقعت عقدا في سبتمبر/ أيلول 2023 مع شركة تركية بعيد سنوات من التوترات الجيوسياسية بين البلدين.
وبدأت شركتان سعوديتان في إنتاج مشترك لطائرة Karayel-SU بدون طيار تركية الصنع ومتوسطة الارتفاع، وطويلة التحمل، بالإضافة إلى إنتاج ومواصلة تطوير طائرة Sky Guard بدون طيار للنشر التشغيلي.
اللاعب العربي الثالث هو مصر. ويقول محمد سليمان المدير التنفيذي لبرنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في مؤسسة الشرق الأوسط، إن الشراكات التي عقدتها مصر مع دول كبرى في مجال تصنيع السلاح بشكل عام والحصول على تصاميم حديثة ورخص التصنيع، خلقت بيئة مناسبة لصناعة المسيرات.
وتنتج مصر مسيرة 6 أكتوبر، وهي طائرة استطلاع بدون طيار، تبلغ أقصى سرعة لها 260 كيلومترا في الساعة، ويمكنها أن تحلق لمدة 30 ساعة متواصلة بمدى عمل 240 كيلومترا.
وعرض الجيش المصري في معرض إيديكس 2023 الطائرة الهدفية طابا 1، والطائرة طابا 2. لدى الطائرة الأولى القدرة على اكتشاف وتتبع الأهداف الجوية وتدميرها وتبلغ سرعتها 500 كيلومتر في الساعة، وتحلق لمدة 50 دقيقة، بارتفاع 6 كيلومترات. أما “طابا 2″، فتبلغ سرعتها 850 كيلومترا في الساعة، ويمكنها التحليق حتى 8 ساعات متتالية.
والنوع المصري الأخير هو الطائرة أحمس، وهي طائرة استطلاع بدون طيار، يصل مداها إلى 240 كيلومترا في الساعة، وأقصى سرعتها 260 كيلومترا في الساعة، ويمكنها العمل حتى ارتفاع 7000 متر.
الدفاعات الجوية والمسيرات والسماوات الملتبسة
يرى البعض أن السماء العربية كما الأرض متاحة بلا روادع حقيقة وبخاصة بعد نزاعات سياسية مسلحة مضنية اجتاحت كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا وأخيرا السودان، وأدت إلى تراجع قدرة جيوش هذه الدول.
ويقول محمد سليمان المدير التنفيذي لبرنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في مؤسسة الشرق الأوسط، “حتى الآن لا توجد أنظمة واضحة مباشرة لمكافحة المسيرات، وأغلب هذه الأنظمة في مرحلة التجريب”. وأرجع سليمان ذلك إلى أسراب المسيرات التي من الممكن أن تستخدم في الهجوم الواحد.
وقد أنتجت عدة شركات أجهزة تحمل باليد أو على الكتف يمكن استخدامها لإطلاق شبكة على الطائرات المارقة من دون طيار، تُحيط بالطائرة وتمنع مراوحها من الدوران ما يتسبب في إسقاطها.
وطورت شركة أوبن ورك الهندسية البريطانية قاذفة بازوكا كبيرة يمكن أن تطلق شبكة ومظلة على الهدف مستخدمة منظار لتحقيق دقة الإصابة. وسميت هذه القاذفة “سكاي وول100” لكن الأمر مازال في طور مكافحة مسيرة أو اثنتين.
لكن حتى الآن لا يوجد نظام ناجح للمكافحة ومن الواضح أن تطور تلك الطائرات مازال يسبق بزمن قدرة الدفاعات الجوية على التصدي لها.
كيف تغير المسيرات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط في العقد القادم؟
العقد الماضي شهد تطورا خطيرا في استخدام الطائرات المسيرة أكان ذلك في الاغتيالات مثل اغتيال قاسم سليماني و صالح العاروري إلى الاستهدافات الكيميائية في سوريا 2018 وفي ليبيا 2019، وحتى السفن في باب المندب والاستخدام المكثف في غزة، غيرت المسيرات من الاستراتيجيات العسكرية في المنطقة لكنها في المستقبل ستكون أكثر ضراوة في التغيير.
يقول الدكتور جيمس باتون روجرز: “لقد وصلنا الآن إلى نقطة انتشار الطائرات بدون طيار بشكل غير منضبط في جميع أنحاء الشرق الأوسط. اليوم، يمكن لأي دولة أو جهة غير حكومية أن تحصل على تقنيات الطائرات بدون طيار كسلاح”.
ويضيف باتون “أن هذه القدرة ستزيد المدى والدقة والقوة التفجيرية والتعقيد خلال العقد المقبل، لذا فمن المرجح أن يكون مستقبل الجغرافيا السياسية والصراع في المنطقة مليئًا بالسماء المتنازع عليها، حيث يمكن للجهات الفاعلة الأضعف والأصغر حجمًا أن تشن هجمات فتاكة بعيدة المدى من الجو ضد أهداف مدنية وعسكرية”.
كل ذلك ينذر بأن أجهزة الاستخبارات قد تحتاج إلى إعادة تعريف تهديدات الأمن القومي للدول ومصادر تلك التهديدات، واستحداث وحدات جديدة في داخلها من أجل المتابعة والتحضير لما قد يحمله عالم المسيرات من تطور وتكنولوجيا.