أخبار العالم

إصدار جديد يقارب “إبستمولوجيا النظر اللغوي”



صدر حديثا للدكتور محمد الدرويش كتاب موسوم بعنوان “إبستمولوجيا النظر اللغوي: بعض قضايا النمذجة والتمثيل”، تناول فيه قضايا النظر من زوايا نظر متعددة من خلال الأبحاث التي تناولت مجالات العلوم الحقة من فيزياء وكيمياء ورياضيات وعلوم إنسانية من نحو وغيره من أبحاث لغوية، ضمن 206 صفحات.

يسعى الكتاب إلى تحقيق استخلاص المعالم المطموسة في الخرائط النظرية التي أقام عليها هؤلاء أنظارهم، حتى نتمكن من ملامسة الفضاء التصوري، وعمارته للنظر عموما، والنظر اللغوي خصوصا.

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: “يستخدم الباحث في العلوم الإنسانية، والاجتماعية، وعلوم الأرض، والفيزياء والكيمياء، وغيرها من العلوم، لغة ذات مقدمات نظرية، وتصورية، وتمثيلية، تقوم على التجانس بين مكونات الإطار النظري الذي تستعمل فيه، ومهمة هاته اللغة هي الوصف والتحليل والتفسير لمكونات موضوع الدراسة بمفاهيم نظرية تصورية موضوعة وضعاً، قائمة على التجانس بين المقدمات والنتائج. وللغة النظرية حدود نذكر منها: تناهي مكونات الوصف والتفسير، جواز بناء جهاز لغوي تصوري وصفي تفسيري لجهاز تصوري تفسيري آخر؛ كونها لغة مصنوعة صنعاً نظريا ليس لها صلة بالواقع المادي.

(…) والناظر في تاريخ الفكر البشري يلحظ أن الباحثين لم يهدأ لهم البال في أمور البحث عن أجوبة لأسئلة انطولوجية وجودية تطرح في كل عصر بأخلاقه الكتابية. وهو أمر لم تخل منه الثقافات سواء العربية منها أم غير العربية. وبناء عليه، نجدهم (أي الباحثين) ألفوا وأبدعوا في كل الميادين المعرفية؛ حيث عملوا على السعي لإتمام نواقص كتابات سابقيهم، أو شرح ما استغلق على الدارسين في كتابات سبقتهم أو عاصرتهم، أو اختصار ما طال من أبحاث، أو تصحيح ما عدوه خطأ عند أصحابه، أو طرح أجوبة عن أسئلة لم يجب عنها في نظرهم”.

ويعتقد الكاتب أن الثنائيات الفكرية التي تطرح اليوم، “كانت حاضرة دائماً في انشغالات وهموم المفكرين القدماء، وستظل حاضرة في أبحاث من سيأتي غداً، وهذه طبيعة الفكر البشري وعلاقاته بالنظر، لذلك نقول إن أي طرح نظري في أي مجال، وفي أي وقت ومكان، هو أمر نسبي غير مطلق”.

وزاد: “لقد سجل تاريخ العلوم عدة وقفات مراجعة، وزيادًة، ونقصاناً، وتعديلاً، وشرحاً، وما إلى ذلك من الوقفات. ويمكن عد ذلك أمرا عاديا ومقبولا في تاريخ الفكر البشري، إذ من الضروري النظر وإعادة النظر في آليات التفسير والتأويل داخل النظريات المرصودة للعالمين. ومن ثم، وجب تجديد النظر في آليات البناء الفكري، كلما استوجب الأمر ذلك في كل المجالات النظرية”.

وهكذا، يواصل المؤلف، “اتجه مجموعة من المفكرين عبر تاريخ الفكر الإنساني إلى النظر وإعادة النظر في قضايا العالمين تجميعا، ورصدا، وتحليلاً، وتفسيرا، وتأويلاً. وسعوا إلى الإسهام في تجديد الفكر الإنساني، والرغبة في تعميق المعرفة بحقيقة الكون. وفي المقابل، هناك من أسهم فقط، في إعادة إنتاج ما تم إنتاجه بإطاره النظري ونموذجه التصوري، وآليات تحليله، ومصطلحاته، ونتائجه التي لم يتم الإفادة منها خلال فترة وضعها ولا بعد ذلك، أي إنهم نهلوا من النظريات القديمة دون انتقاء. كما اتجه آخرون إلى التقليد الأعمى لنظريات ليست وليدة إطارهم الفكري ومرجعياتهم الثقافية والمجتمعية”.

وأوضح الكاتب أن الإشكال العام الذي سعى إلى معالجته في هذا الكتاب، بمختلف أبوابه وفصوله، في آليات تمثل النظر والأسس التي يبنى عليها، خاصة في مجال النحو العربي القديم، من خلال ضبط العلاقات الجامعة بين التصور والوجود، وطبيعتها، بالإضافة إلى مناقشة قضية الانتقال من التصور إلى الوجود. ومن هاته الزاوية جعل له إطاره العام “إبستمولوجيا العمل اللغوي”.

كما اختار النظر في نماذج من الأعمال اللغوية والفلسفية-قديمها وحديثها-عبر تشريح عينات من القضايا الكبرى التي طرحها روادها ومتزعموها – على الاتفاق والاختلاف – في مؤلفاتهم، وهم يعالجون المسائل اللغوية وغيرها من خلال كل المستويات التركيبية، والصوت صرفية، والدلالية، والتداولية، والمنطقية، والوجودية وغيرها من قضايا تحليل العبارة اللغوية.

ولمقاربة هذا الإشكال، وضع الكاتب مجموعة من الفرضيات وحاول البرهنة عليها من خلال محتوى الكتاب، لخصها في كون “التصور مناقض للوجود، وأن الانتقال من التصور إلى الوجود المادي أمر غير جائز وغير واقعي، كما أن نتائج النظر تظل قابلة للتفنيد والدحض، وغير صادقة مطلقا لأنها نتائج محتملة، ونسبية تخضع للتطوير والإلغاء، وللهدم وإعادة البناء”.

ومن هاته المنطلقات الافتراضية، “محاولة للاستدلال على أن قول النحاة صناعي، ليس له علاقة وجود باللغة الطبيعية، إذ هو خيال نظري مرتبط بمقتضيات النظرية اللغوية. ونعمل أيضا على إبراز أن نظار اللغة أنشؤوا عالما حواريا في قضايا اللغة، اعتمدوا فيه على مقدمات نظرية في شكل فرضيات تنشئ العلاقات، وتستلزم النتائج، في عالم يميز بين الواقع الطبيعي المنتهي، وبين النظر اللغوي المتصور واللا منتهي”.

ولتعميق هاته المقاربة، وضع الكاتب مجموعة من الأسئلة في المقدمة، والبعض الآخر بناه في ثنايا الرصد والتحليل في قلب أبواب وفصول الكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى