المغرب متقهقر في “مؤشر الرشوة”.. وفساد برلمانيين “مقلق”
مراوحاً مكانه بالتنقيط نفسه لعام 2022 بـ38 نقطة من أصل 100، وضعت معطيات التقرير السنوي الصادر عن منظمة الشفافية العالمية “ترانسبرانسي إنترناشيونال” المغرب في المرتبة 97 عالمياً، متراجعاً بذلك ثلاثة مراكز خلال سنة فقط مقارنة مع تقرير العام 2022.
وفي وقت مبكر من اليوم الثلاثاء، أصدرت المنظمة الدولية، ومقرها برلين، نسختها المحدَّثة من “مؤشر مدركات الفساد” لعام 2023، المتعلق بإدراك الرشوة (Indice de Perception de la Corruption)، فيما نظمت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرانسي المغرب) ندوة صحافية بمقرها بالرباط بسطت فيها تحليلها لـ”مؤشر إدراك الرشوة لسنة 2023″ بالنسبة للمغرب، موردة حالات مقارنة.
وأشارت “ترانسبرانسي المغرب” خلال الندوة ذاتها، على لسان أعضاء في مكتبها التنفيذي شرحوا بيانات التقرير ومنهجية إنجازه، إلى أن معدل تنقيط المغرب المحصل عليه في تقرير سنة 2023 (Score 38/100) يظل المعدل نفسه المسجل في السنة التي قبلها 2022، وهو ما رده عز الدين أقصبي، عضو الجمعية، إلى “وجود حالة فساد مُعمَّم أو نسقي (systémique) يكرّسها عدم تغيير ترتيب المغرب مقابل تدهور في تنقيطه”.
“مسار انحدار وسط مستنقع فساد”
سجلت ترانسبرانسي المغرب، خلال لقائها الإعلامي الذي حضرته هسبريس، استمرار “متابعتها منذ ما يزيد عن عقديْن مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالشفافية وحسن تدبير الشأن العام”، بشكل أفضى إلى “ملاحظة بقلق عميق أن المغرب مستمر في مستنقع الفساد”.
وقالت المنظمة، في بيانها الذي تُلي بالمناسبة، إنه “بعد بصيص سنة 2018 حيث احتل المغرب الرتبة 33 في مؤشر إدراك الرشوة، الذي تنشره سنويا منظمة الشفافية الدولية، ضمن 180 دولة، وحصل على نقطة 33 على 100، ارتباطا بإصدار قانون الحق في الوصول للمعلومة وانخراط المغرب في شراكة الحكومة المفتوحة، إلّا أنه ما لبث أن رجع لمسار الانحدار”، وفق تعبيرها.
تنقيطُ المغرب في “مؤشر إدراك الفساد لسنة 2023” يُفرز بوضوح “تراجعا بـ5 نقاط و23 رتبة في ظرف خمس سنوات، بمعدل نقطة وخمس مراتب كل سنة”، يشرح نائب الكاتب العام لترانسبرانسي المغرب، أحمد البرنوصي، في تصريح لهسبريس، مضيفا أن هذا “التراجع الملحوظ يطال أيضا ترتيب البلاد في مؤشرات بارزة، منها حرية التعبير، ما يبرز الحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية وقوية بالمغرب”.
“ترسم هذه المؤشرات، إضافة إلى أخرى عديدة لا تقل إثارة للقلق العميق، مَعالِـمَ مغرب يُعاني من رشوة نسقية ومعَّممة تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وتشجع وضعيات الريع وتُمكن من حماية الأنشطة غير المشروعة”.
هذا الوضع “يقتضي عاجلاً”، وفق تقدير جمعية ترانسبارانسي المغرب، مباشرة “تحيين وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، التي جمدت رغم المصادقة عليها منذ دجنبر 2015، والتعجيل بإصدار المنظومة القانونية ضد الفساد التي تضمنها دستور 2011، خاصة قانون تقنين تضارب المصالح وقانون تجريم الإثراء غير المشروع، الذي نوقش لمدة ست سنوات في الولاية التشريعية السابقة قبل أن تَسحبَه الحكومة الحالية”، وهو ما شكل محط انتقادات قوية من الجمعية.
كما أوصت الجمعية بـ”تطوير القوانين ذات الصلة، ومن ضمنها قانون الحق في الوصول للمعلومة، وقانون “التصريح بالممتلكات”، وقانون “حماية المُبلغين عن وقائع الرشوة والفساد”، الذين سجلت ترانسبارانسي استمرار متابعة عدد منهم دون ضمانات لحمايتهم.
“فساد السياسيين” مؤشر جد مقلق
ولم تخل ندوة ترانسبرانسي المغرب التي تتمتع بصفة “المنفعة العامة”، من الحديث والتعليق على تواتر “قضايا الفساد العديدة المعروضة على المحاكم في السنوات الأخيرة”، قائلة إن “من ضمنها 29 من أعضاء البرلمان المغربي بغرفتيه، أي 5 بالمائة من أعضاء الغرفتين (مجلس النواب ومجلس المستشارين)”، وهو ما اعتبرته “مؤشرا جد مقلق نظرا لمهام البرلمان التشريعية ومراقبة السلطة التنفيذية”.
كما تفاعل الكاتب العام لترانسبرانسي المغرب، عبد العزيز النويضي، مع سؤال في هذا الموضوع خلال الندوة ذاتها، مجيباً بأن “الجمعية تتابع قضية إسكوبار الصحراء” التي توبع فيها رئيس جهة الشرق عبد النبي بعيوي، ورئيس مجلس عمالة الدار البيضاء سعيد الناصري، البرلمانيين عن حزب الأصالة والمعاصرة، بتهم ثقيلة لها علاقة بالاتجار الدولي بالمخدرات، مضيفا أنه “لا يمكن أن نَسْتبق أحكام القضاء في هذه القضية المعروضة عليه، إلا أنها مؤشر خطير على تغلغل الفساد في المؤسسات السياسية والتشريعية بالمغرب، وخطر كبير على الديمقراطية”.
تبعاً لذلك، أثار المكتب التنفيذي لترانسبارانسي المغرب قضية “التلازم بين مستوى الممارسة الديمقراطية ومؤشر مدركات الرشوة والفساد”، مستدلّا على ذلك بأن “الدول الاسكندنافية، حسب ما أبانت عنه قائمة التقرير ذاته، خاصة الدنمارك وفنلندا والنرويج، مازالت تعد الدول الأقل فسادا في العالم”، بالإضافة إلى نيوزيلندا في تصنيف هذه السنة.
يشار إلى أن تصنيف المؤشر يعتمد على “تقييمات مديرين تنفيذيين وخبراء ومؤسسات”، و”دراسة 13 استقصاء بشكل مستقل”. فيما تذيلت قائمة “مدركات الفساد” دول تعاني من أزمات مثل سوريا وفنزويلا والصومال.
وفي تعليق مرفق بتقرير مؤشر إدراك الرشوة، قالت ألكسندرا هرتسوج، رئيسة منظمة الشفافية الدولية، إن “الفساد يزدهر حيثما يتم إضعاف حكم القانون ووسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني”.