أخبار العالم

نزاع الصحراء يضر فرنسا .. وعقدة الاستعمار توجد مع الجزائر فقط



قال المؤرخ الفرنسي والأستاذ بجامعة السوربون بيار فيرميران إن “تعيين الرئيس إيمانويل ماكرون ستيفان سيجورني وزيرا للخارجية، وما يقابله من تعيين لرشيدة داتي وزيرة للثقافة، يظهر عدم وجود نية عدائية تجاه الرباط”، مشيرا إلى “ضرورة التفاؤل بما يحمله المستقبل للعلاقات بين البلدين”.

وأضاف فيرميران، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن عقد الاستعمار الفرنسي لا تؤثر حاليا على العلاقات بين باريس والرباط، بقدر ما تؤثر حقا في العلاقات بين فرنسا والجزائر.

واعتبر المؤرخ الفرنسي المهتم بالشأن المغاربي أن فرنسا ظلت تدعم المغرب وفق القانون الدولي في قضية الصحراء لما يصل إلى 50 عاما.

وشدد فيرميران على أن استمرار نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر ” يضر فرنسا كثيرا، وليس العكس”، معتبرا أن تحقيق التوازن في العلاقات التي تجمع فرنسا بالمغرب والجزائر مرتبط بمسار هاته العلاقات الثلاثية تاريخيا.

وهذا نص الحوار كاملا:

برأيك هل سيشكل تعيين ستيفان سيجورني وزيرا للخارجية مرحلة أخرى صعبة في العلاقات بين المغرب وفرنسا؟

بصراحة، هذه فكرة منتشرة في المغرب، ونحن نعرف الأسباب، لكن هذا التعيين يعود إلى الألعاب السياسية الباريسية الداخلية، وأيضا إلى حقيقة أن سيجورني لديه الآن معرفة جيدة بأوروبا. وأود أن أضيف أن الاختيار الوزاري لرشيدة داتي، المعروفة بارتباطها القوي ببلدها المغرب، يبين بوضوح أنه لا توجد نية عدائية من ماكرون.

هل ترون أن الرباط ستكون أكثر حذرا من سيجورني، خاصة بعد ماضيه في البرلمان الأوروبي؟

المغرب سيفعل ما يريده تجاهه، أما بالنسبة لفرنسا فأنت تعلم أن رئيس الجمهورية هو الذي يدير السياسة الخارجية، خاصة مع جيراننا في شمال إفريقيا، لذلك سيتصرف وزير الخارجية بناء على هذا المنطق. كما أن سيجورني هو اختيار للرئيس، ومن الممكن دائما القيام بإيماءات حسن النية في هذا الصدد، لكن يبدو لي أن ما يهم في هذه المرحلة هو الوضوح من رئيسي دولتينا، أي إنهما إذا كانا يريدان “إحياء حقيقيا” للعلاقات الفرنسية المغربية فسيتم ذلك بإشارات فقط. إنها الأوامر الملكية والرئاسية السحرية.

نعلم أن الرئيس ماكرون يطمح إلى إيجاد توازن في العلاقات بين المغرب والجزائر، هل سينجح برأيك هاته المرة؟

فرنسا تعتمد تاريخيا على شركائها المغاربة والجزائريين. صحيح أنه كانت هناك أخطاء وأزمات، وتحليلات وتفسيرات سيئة من كلا الجانبين، وإفراط أحيانا في التفسير، لكن لا أحد لديه أي مصلحة في هذه الخلافات؛ لذلك هناك أسئلة ومصالح متبادلة على المحك، غير أن المميز جدا في هذه العلاقات الثلاثية تاريخيا هو أن كل شيء يعود في النهاية إلى رؤساء دولنا، الذين هم صانعو القرار النهائيون.

في هذا الصدد، ومن وجهة نظر تاريخية، هل مازال الأثر الاستعماري يؤثر على العلاقات بين البلدين اليوم؟

مع الجزائر فقط، وبوضوح كبير، فمنذ أن اختار النظام الجزائري نضاله ضد فرنسا الاستعمارية لإضفاء الشرعية على نفسه وهاته العقدة مستمرة. كما لا يبدو لي أن هذا هو الحال في المغرب، حيث، على العكس من ذلك، تم التأكيد تاريخيا على سطحية وقصر مدة الاستعمار الفرنسي للمملكة المغربية، وقصور تأثيره.

كان تعيين سميرة سيطايل في باريس منطلقا للحديث عن وجود مؤشرات على تحسن العلاقات بين البلدين. هل تتفق على أن سيطايل ستلعب دورا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين؟

هذا بالطبع دورها الرئيسي. وجود سفير من المغرب في باريس هو علامة إيجابية.

فلننتقل إلى موضوع الصحراء، وهو نقطة مهمة في العلاقات الحالية بين باريس والرباط. هل ترى أن ماكرون قد يتجه مستقبلا للاعتراف بمغربية الصحراء، خاصة أن العديد من النخب السياسية بفرنسا تدعو إلى هاته الخطوة؟

لقد دعمت فرنسا المغرب منذ ما يقارب الـ 50 عاما في هذا الصراع، وهو ما يقلق الجزائر تاريخيا، وفي الوقت نفسه هو دعم قانوني ينسجم مع القانون الدولي ومقتضيات وقرارات الأمم المتحدة، وحاليا هو دعم لا يلقى الإشادة المغربية. أنا مؤرخ، ولست مؤهلا لتحديد أي جزء من رقعة الشطرنج يتحرك، لكنني أعلم أنه إذا فشلت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الكبرى في تسوية هذا النزاع فلن يتمكن إلا الخصمان (المغرب والجزائر) من إيجاد الحل.

في حالة قيام ماكرون بهاته الخطوة هل ترى أن باريس والرباط قد يعودان إلى عهد الشراكة المعروف سابقا؟

قد تكون فرنسا غاضبة من مالي والنيجر، لكنها لا يمكن أن تغضب من المغرب أو الجزائر، أو ندخل في انفصال لا يريده أحد، لأن عواقبه ستكون صعبة على الجميع.

غالبا ما تتعرض فرنسا للهجوم في المغرب والجزائر لعدم تقديم تأشيرات طلابية كافية (في حين أن هذين البلدين في الصدارة)، وعدم تقديم التأشيرات السياحية والصحية، وتأشيرات العمل؛ وأيضا لعدم الاستثمار الفرنسي الكافي، وعدم قبول عدد كاف من الطلاب بعد دراستهم، وعدم قبول الأئمة الأجانب، ومحاولة إعادة الأشخاص الجانحين أو غير الشرعيين الذين يعتبرون فجأة فرنسيين (بينما لاعبو كرة القدم أو الفنانون نتذكر أصولهم فورا).

إن فرنسا في وضع داخلي بالغ التعقيد لأنها تراكم أزمات قديمة لم تحل قط، وإذا تدهورت العلاقات بشكل دائم مع جيرانها في الجنوب فيمكنها أن تقرر تسوية مشاكلها بالتراجع والخروج عن التراث الاستعماري المجرم ومصدر المشاكل أكثر من الفوائد. إنه ليس افتراضا سياسيا مستحيلا هذه الأيام. لقد خلقت قضية الهجرة وضعا معقدا ومستداما، وليس الأمر كما هو في المجال التجاري، حيث يمكنك تغيير الموردين بين عشية وضحاها.

وهل ترى أن ماكرون قد يستطيع زيارة المغرب رغم عدم اتخاذ هاته الخطوة؟

سيقرر الملك المغربي، محمد السادس، متى يقوم بدعوته، لكن الرئيس الفرنسي مستعد بالتأكيد.

هناك فرضية تاريخية في هذا الصدد مفادها أن السعي وراء استمرار صراع الصحراء المغربية يفيد مصالح باريس، هل تعتقد أن هذا منطقي؟

هذه نظرية تدخل في منطق “فرق تسد”، لكننا حاليا لم نعد في العصور الاستعمارية. هل تعتقد حقا أن فرنسا تسيطر على هذين البلدين؟ استمرار نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر يجعلهما الضحيتين الأوليين، وفرنسا وتونس هما ثاني الضحايا. وأحيلكم على تقرير “Eizenstat” الشهير الذي صدر قبل خمسة عشر عاما، وأشار إلى الكارثة الاقتصادية التي سببها هذا الصراع، إذ قلل بالتأكيد من فرص النمو الاقتصادي، ونتج عنه فقدان كبير للطاقة والوقت والمال في هذه المنطقة …. بصراحة، يعرقل استمرار نزاع الصحراء فرنسا أكثر بكثير مما يتخيل. إنه صراع لا نهاية له، وأفسر قولي هنا بأن فرنسا لا يمكنها تشغيل إستراتيجية في شمال أوروبا عندما ينقسم محيطها الجنوبي. دعنا ننظر كيف عززت ألمانيا نفسها من خلال سياستها الاقتصادية مع أوروبا الشرقية.

ما الدلالات التي يمكن فهمها من عدم حديث ماكرون عن العلاقات مع المغرب الكبير في خطابه الأخير بمناسبة تعيين الحكومة الجديدة؟ هل يمكن أن نفهم أنه لم يجد بعد سياسة فعالة مع هاته الدول؟

لا أعتقد أنه تحدث كثيرا عن السياسة الخارجية، لقد تحدث إلى الفرنسيين، وفي بلدنا من النادر جدا إبلاغ الفرنسيين بتفاصيل شاملة حول السياسة الخارجية، خاصة المتعلقة بالعلاقات مع المغرب والجزائر، وكذلك مع ألمانيا، فهي الاختصاص الحصري للرئيس. إنه إرث ديغول.

في إفريقيا تراجعت فرنسا، وفي حرب غزة تلقت انتقادات بسبب مواقفها، وفي أوكرانيا يرى الكثيرون أنها لم تقدم ما كان ينتظر منها. هل ترى أن ماكرون ربما يحتاج إلى إستراتيجية خارجية جديدة؟

على أي حال، أصبحت الحياة الدولية ساحة معركة، وتُمنح المكافأة للوحشية أو حتى الجريمة. سيتعين على أوروبا وفرنسا مراعاة ذلك بكل تأكيد.

لم يكن الهجوم الروسي متوقعا من قبل الفرنسيين والأوروبيين في إفريقيا، لقد كانت له عواقب وخيمة ومستمرة، والدبلوماسية التي توصف أحيانا بأنها قوية أو ساذجة بالاتحاد الأوروبي مع أعدائها لا تؤدي في الأخير وتاريخيا إلى شيء، خاصة في ظل خلفية الانقسام الحاصل والمتنامي بين الدول الأوروبية. نحن نشن حربا غير مباشرة ضد الروس من خلال مساعدة الأوكرانيين ونحن مندهشون من أنهم ينتقمون. إذا قامت قوة ما بالحرب فيجب أن تتحمل العواقب. إنه وضع مشابه مع إيران أو تركيا، ويجب استخلاص العواقب دائما في الأخير. كما أن فرنسا لم تهدد أو تهين شركاءها في إفريقيا على الإطلاق.

في الختام.. هنالك العديد من التأويلات التي تقول إن العلاقات بين فرنسا والمغرب ضيعت الكثير من الفرص. هل حان الوقت برأيك لتدارك هذا الأمر عبر تضحيات معينة؟ وهل يمكن لفرنسا أن تقدم أكبر عدد من التضحيات للرقي بهاته العلاقات؟

شهدت العلاقة بين بلدينا تقلبات، لكن بعد الأزمات تحسنت الأمور مؤخرا مقارنة بالوضع السابق. كما أن كلا البلدين لهما ميزة جغرافية سياسية ومحلية وأجنبية، لذا يجب أن نكون متفائلين. هذا هو منطق التاريخ الغريب والمميز الذي يجمعنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى