تراجع الخصوبة يهدد أحلام الدول الفقيرة في اللحاق بركب الاقتصادات الغنية
في الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون في الدول النامية عن ارتفاع عدد السكان باعتباره مشكلة كبيرة تبدد كل محاولات تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، يتحدث أكاديمي اقتصادي أمريكي عن العكس تماما، وقال إن انكماش عدد السكان في الدول الفقيرة يهدد أحلامها في اللحاق بركب الدول الغنية.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أورد تايلر كوين، أستاذ كرسي هولبرت هاريس في قسم الاقتصاد بجامعة جورج ماسون الأمريكية، أن الدول النامية والفقيرة فقدت فرصتها في الانضمام إلى نادي الدول الغنية في العالم؛ لأن الظروف التي سمحت في عقود سابقة بتضييق الفجوة بين الدول الغنية وبين دول فقيرة في ذلك الوقت من كوريا الجنوبية وأيرلندا وأجزاء من الصين أصبحت نادرة في الوقت الحالي عكس الوضع في تسعينيات القرن العشرين.
وسجل الأكاديمي الأمريكي أن تراجع معدل خصوبة السكان في هذه الدول يمكن أن يكون السبب الرئيسي في هذا السيناريو المتشائم. ففي أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، تراجعت معدلات الخصوبة بأسرع من التوقعات؛ فالمعدل في أوروغواي وكوستاريكا وجاميكا وكوبا يبلغ حوالي 1,3 أطفال لكل امرأة. وفي عقد واحد، تراجع عدد المواليد في المكسيك بنسبة 24 في المائة تقريبا. ويبلغ معدل الخصوبة في البرازيل، وهي أكبر دولة في أمريكا اللاتينية من حيث عدد السكان، حوالي 1,65 طفل لكل امرأة، ومن المتوقع تراجع هذا المعدل مجددا.
وتوقعت الأمم المتحدة، في وقت سابق، وصول عدد سكان البرازيل خلال العام الحالي إلى 216 مليون نسمة؛ لكنه لم يصل إلا إلى 203 ملايين نسمة فقط. وربما يعود السبب في ذلك إلى نجاح جهود تنظيم النسل وتحرر المرأة في أنحاء واسعة من العالم النامي؛ وهي عوامل لا يمكن ويجب عدم التراجع عنها.
وأفاد تايلر كوين، الذي يدير بالاشتراك مع أليكس تاباروك مدونة “الثورة الهامشية” المتخصصة في موضوعات الاقتصاد، بأن النتيجة المباشرة لانكماش السكان أو تراجع معدل نموهم بلغة الاقتصاد الكلي هي أن أعلب الدول النامية ستعاني من انكماش في الطلب مع انكماش في العرض؛ وهو وضع سيء بالنسبة للنمو الاقتصادي، فأي اقتصادي وطني يمكنه التعامل مع عدد سكان قليل، لكنه يجد صعوبة شديدة في التعامل مع عدد سكان ينكمش باستمرار.
بمعنى أوضح، لن يكون هناك تقسيم ديموغرافي يمكنه المساعدة في دفع النمو الاقتصادي، وإنما ستصبح رعاية المسنين نشاطا اقتصاديا رئيسيا في الدولة. كما ستصبح الضرائب والتحويلات اللازمة لدعم المتقاعدين عبئا إضافيا على الاقتصادات الضعيفة بالفعل؛ وهو ما يمكن أن يساعد في استمرار معدلات الخصوبة المنخفضة. فلن يكون من السهل إعالة الأطفال. وهنا تجد الدولة نفسها في فخ أو حتى في حلقة مفرغة من نقص الخصوبة. فعندما يقضي الشباب المزيد من الوقت في رعاية آبائهم المسنين، سيقل عدد الأطفال الذين تأمل النساء في إنجابهم.
في الوقت نفسه، فإن الدول التي يتراجع عدد سكانها ستنجب عددا أقل من المبتكرين ورواد الأعمال. كما أن انكماش الأسواق المحلية يقلص قدرة الشركات على النفاذ إلى أسواق التصدير. على سبيل المثال، نجحت تويوتا لأنها بدأت بصورة جيدة في اليابان أولا باعتبارها دولة كثيرة السكان نسبيا، ثم حسنت جودة منتجاتها واستطاعت المنافسة في الخارج.
ليس هذا فحسب؛ بل إن سكان الدول النامية أو الصاعدة قد تتراجع بوتيرة أكبر من تراجع معدل المواليد، لأن الدول الغنية في أوروبا الغربية واليابان وكوريا الجنوبية وأمريكا الشمالية تعاني أيضا من انخفاض معدل المواليد، لكنها تفتح أبوابها للمهاجرين من الدول النامية لسد النقص في القوة العاملة لديها. وهذا يعني استنزاف الطاقة البشرية في الدول النامية خاصة أن الدول الغنية ستستقطب بالطبع العمالة الماهرة والفئات الأفضل من بين سكان تلك الدول النامية. وبالفعل، تجهز اليابان حاليا خططا لتشجيع الهجرة إليها لتوفير احتياجات اقتصادها من الأيدي العاملة.
ولن يكون أيا من ذلك هزة أو أزمة مفاجئة. فكما توقفت الاقتصادات الأفقر تدريجيا عن اللحاق بالاقتصادات الأغنى، فإنها قد تنزلق إلى معدلات نمو اقتصادي أبطأ، بما في ذلك نمو متوسط دخل الفرد فيها.
وعلى الرغم من ذلك، قال كوين إن الأمر لن يكون كله شر؛ فالدول الأفقر مثل الدول الأغنى ستستفيد من التقدم الطبي. ومع ارتفاع نسبة كبار السن في المجتمع قد تتراجع معدلات الجريمة فيها. وفي حين قد يشعر الكثير من هذه الدول بمزيد من الأمن، فإنها لن تستطيع أن تمضي على طريق كوريا الجنوبية واليابان ولا حتى اليونان والبرتغال لزيادة ثرواتها وحجم اقتصادها.
وأنهى كوين تحليله بالقول إنه ما زال يتوقع أن يكون أغلب العالم بعد عقود عديدة في وضع أفضل من الآن؛ لكن عصر التحولات الجذرية من خلال النمو الاقتصادي المحلي، لأية دولة قد انتهى بالفعل.