حرب غزة: من هم المستوطنون المتطرفون الذين تستهدفهم واشنطن وعواصم أوروبية بعقوبات محتملة؟
أعرب وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، الاثنين 22 يناير/كانون الثاني، عن أمله في أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في أحدث تصريحات أوروبية في هذا الشأن.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، فرض قيود على تأشيرات المستوطنين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين العُزّل في الضفة الغربية. وأعلنت المملكة المتحدة لاحقاً أيضاً عن إجراءات مماثلة.
يعدّ هذا الإجراء الأول من نوعه، ويأتي بعد ارتفاع نسبة العنف ضد الفلسطينيين في الضفة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتقول وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله إن أكثر من 360 فلسطينياً قتلوا على يد القوات الإسرائيلية والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة منذ بداية حرب غزة.
وبحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فخلال الأشهر الثمانية الأولى من 2023، وصلت حوادث عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم إلى أعلى متوسط يومي لها منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتسجيل هذه البيانات عام 2006، بمعدل ثلاثة حوادث يومياً مقارنة باثنتين يومياً عام 2022 وواحدة في 2021. وارتفع هذا المعدل إلى أكثر من خمس حوادث يومياً بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي بيان مشترك نشرته الخارجية الفرنسية في 15 ديسمبر/كانون الأول، أدانت كل من فرنسا وأستراليا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة، “بشدة أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون المتطرفون التي ترهب المجتمعات الفلسطينية”. ودعت هذه الدول إسرائيل إلى “حماية المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية بوصفها قوة احتلال، ومحاكمة المسؤولين عن أعمال العنف”.
وذكر البيان أنه منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ارتكب المستوطنون أكثر من 343 اعتداءً عنيفاً، ما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين فلسطينيين، وإصابة أكثر من 83 آخرين، وإجبار 1026 فلسطينياً على ترك منازلهم.
ونقل كل من موقع “أكسيوس” الأمريكي ووكالة رويترز، عن مصدرين في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي إنها علقت تراخيص بيع أكثر من 20 ألف بندقية أمريكية الصنع لإسرائيل، بسبب المخاوف بشأن هجمات المستوطنين في الضفة.
ما هي المستوطنات؟
المستوطنات الإسرائيلية هي تجمعات اليهود التي بنيت بعد عام 1967 في الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حرب الأيام الستة، والتي تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية.
حصلت معظم المستوطنات – وليس جميعها – على ترخيص رسمي، ودعم من الحكومة الإسرائيلية. وتسمى تلك التي لم تحصل على ترخيص رسمي من الحكومة بـ “البؤر الاستيطانية”.
وتعتبر الغالبية العظمى من دول العالم أن هذه المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، بينما تعارض كل من إسرائيل والولايات المتحدة هذا التفسير للقانون.
وكانت إسرائيل قد توقفت عن بناء مستوطنات جديدة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية، لتعود وتعلن عام 2017 رسمياً عن بدء بناء مستوطنات جديدة.
وتوفر السلطات الإسرائيلية خدمات أساسية، كالماء والكهرباء، لهذه المستوطنات، ويتولى الجيش الإسرائيلي حمايتها.
تضاعف عدد سكان المستوطنات في السنوات العشرين الأخيرة. ويعيش اليوم 700 ألف شخص في المستوطنات في أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، بحسب أرقام الأمم المتحدة. وذلك بعد أن كان يبلغ عدد المستوطنين حوالي 280 ألفاً في عام 1993، و630 ألفاً في عام 2019.
ويبلغ عدد التجمعات الاستيطانية 300 تجمع في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفقاً لمنظمة السلام الآن الإسرائيلية غير الحكومية. وتقول المنظمة إن هذا الرقم يتكون من 146 مستوطنة رسمية و154 بؤرة استيطانية.
من هم “المستوطنون المتطرفون”؟
يمكن القول إن المستوطنين ينقسمون إلى فئتين، الأولى تنطلق من أيديولوجيا دينية يسعى أتباعها إلى “استرجاع” الأراضي التوراتية، والثانية تعيش في المستوطنات بسبب السكن الرخيص والحوافز المالية التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية لسكان المستوطنات، بحسب دراسة لمنظمة “منتدى السياسية الإسرائيلية”.
وأحصت المنظمة أن ثلث المستوطنين في الضفة لهم دوافع دينية، بينما يسعى الباقون لتحسين مستوى حياتهم.
وينتمي بعض الأشخاص الذين ينطلقون من أيديولوجيا دينية، إلى حركة الاستيطان اليهودية الدينية المتطرفة. وهم يعتقدون أنهم يعيدون أرض يهودا والسامرة التوراتية، أي الضفة الغربية، إلى إسرائيل.
وهذا الهدف يميزهم عن المجتمعات الاستيطانية الأخرى التي تنتقل إلى الأراضي المحتلة لأسباب اقتصادية، أو للمساعدة في “تشديد قبضة إسرائيل الأمنية” في المنطقة.
ومن أبرز المستوطنات التي تشكلت لأهداف دينية، كفار عتصيون، التي يعيش فيها اليوم حوالي 40 ألف شخص، وتبعد أربعة كيلومترات فقط عن الخط الأخضر الذي يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، ومستوطنة موديعين عيليت التي يبلغ عدد سكانها حوالي 82 ألف شخص، وكريات أربع بالقرب من الخليل، إضافة إلى مستوطنة بيتار عيليت التي يسكنها نحو 63 ألف شخص.
داخل الحكومة
يعتبر كثيرون أن الاستياء الغربي الأخير ممن يوصفون بالمستوطنين المتطرفين، كان مدفوعاً أصلاً بالشعور بعدم الارتياح من صعود أحزاب تيار الصهيونية الدينية والتي تمثل أقصى اليمين الإسرائيلي في الحكومة والكنيست، ومن تأييد هذه الأحزاب لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية.
وتوجّه اتهامات إلى الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهما من أحزاب اليمين المتطرف، وكلاهما من المستوطنين في الضفة الغربية، بالسعي إلى التقليل من أهمية العنف الآخذ في الارتفاع ضد الفلسطينيين في الضفة.
وكان الوزيران قد اتهما قبل سنوات بالتحريض على الإرهاب، وكانا داعمين لحركات إسرائيلية محظورة.
بدأ بن غفير مسيرته السياسية تابعاً لحركة كاخ المحظورة في إسرائيل والتي كانت الولايات المتحدة قد صنفتها على أنها جماعة إرهابية.
أسس الحركة الحاخام مائير كاهانا، ويعرف بمواقفه العدائية والمتطرفة تجاه الفلسطينيين، إذ وجهت له عشرات التهم بالضلوع في أحداث شغب وتخريب ممتلكات وحتى التحريض على العنصرية وتأييد منظمات إرهابية.
بينما وجهت في السابق للوزير سموتريتش تهم بالتحريض، واعتقل لأسابيع، وكان من قيادة حركة التمرد على خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة، ولطالما كان يدعو لاستخدام العنف ضد الفلسطينيين.
ويدعو بن غفير، وهو وزير الأمن قومي، إلى تفكيك السلطة الفلسطينية، بينما يدعو سموتريتش، وهو وزير المالية ووزير في وزارة الأمن، لعدم إقامة دولة فلسطينية أو حتى منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً، ولا يعترف بأي وجود فلسطيني.
وقال سموتريتش في تصريح من فرنسا في مارس/آذار الماضي: “لا يوجد شيء اسمه أمة فلسطينية. ليس هناك تاريخ فلسطيني. ليس هناك لغة فلسطينية”. ودعا في مناسبة أخرى إلى مضاعفة إسرائيل لعدد المستوطنين في الضفة الغربية.
وتتألف الحكومة الإسرائيلية من أحزاب تصنف على أنها يمينية ويمينية متطرفة، وهي “حزب الليكود” بقيادة بنيامين نتنياهو، و”حزب الصهيونية الدينية” بقيادة سموتريتش، إلى جانب “عوتسما يهوديت” (العظمة اليهودية) بقيادة بن غفير، و”حزب نوعم” بقيادة آفي ماعوز.
وتوصف الأحزاب الثلاثة بالمتطرفة ليس بسبب مواقفها تجاه العرب وحسب، بل أيضاً تجاه التيارات الإسرائيلية الأخرى الأكثر اعتدالاً أو اليسارية، إلى جانب مناهضتها للمثليين.
وتعكس هذه الأحزاب التيار الديني الصهيوني المتطرف الذي يشدد على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، إضافة إلى تشجيع دخول جماعات يهودية إلى باحات المسجد الأقصى.
وتضم الحكومة أيضاً حزبين متشددين دينيا، وهما يهودت هتوراة، وشاس.
يعتبر حزب يهدوت هتوراة، تحالفاً لمجموعة من الأحزاب الدينية لليهود من أصول أوروبية، ويتبنى أعضاؤها توجهات متشددة ومتزمتة في ممارساتهم الدينية.
بينما يمثل حزب شاس اليهود الشرقيين من المجتمع اليهودي المتدين والحريديم الذين قدمت عائلاتهم من دول عربية في بداية الخمسينيات.
ومنذ تولي الحكومة الجديدة السلطة قبل نحو عام من الآن حتى سبتمبر/أيلول الماضي، وافقت على تقنين شرعية 15 بؤرة استيطانية، وحولتها إلى مستوطنات رسمية، كما وافقت على بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في مستوطنات مختلفة في الضفة الغربية المحتلة.
وتقول منظمة “السلام الآن” إنه خلال النصف الأول من 2023، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 12,855 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، قدمت إسرائيل 12,855 وحدة سكنية، وهو أعلى رقم سجلته المنظمة منذ أن بدأت في تتبع مثل هذا النشاط في عام 2012.
ودائماً ما تعبر الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى عن مخاوفها من أن توسيع إسرائيل للمستوطنات قد يقوّض عملية السلام وحل الدولتين، بينما يعتبر نتنياهو أن المستوطنات لا تشكل عائقاً أمام السلام مع الفلسطينيين.