الحسينات تشاهد “ملكات”.. حكاية ممتعة وتشخيص مشوّش وحذرٌ من الرجال
حفرٌ في مميّزات وهنّات فيلم “ملكات” لمخرجته ياسمين بنكيران، تنهض به الناقدة والباحثة عفيفة الحسينات، مع تسليطها الضوء على أهمية كون المساهمات النسائية في صناعة الفيلم المغربي “تكبر وتكبر”.
وبعد استحضار مسار نساء الفيلم الثلاث اللائي يواجهن الحياة على “درب مسار محفوف بالمخاطر” في الاتجاه نفسه وعلى الخط نفسه، لكن، “على مستويات مختلفة من الفهم، ورؤية العالم”، تعبّر الحسينات عن خلاصة مفادها أن “العديد من “الفنانات” و”المخرجات” المغربيات وحتى “المثقفات” أو “الأكاديميات” اللائي يدعين رفع راية النسوية، هن حذِرات وحذرات للغاية إزاء الرجال، باسم شجب وإدانة المجتمع الباترياركي تارة، وإدانة المجتمع الذكوري تارة أخرى، عندما يناقشن المسألة النسائية. لماذا؟ لا جواب عندي لكن الواضح أن هناك مُشكلة في فهم وفي استيراد دلالات وآليات وطروحات الحركة النسائية الغربية وتكييفها.”
لكن، هذه الخلاصة، لا تغطي إشادة الناقدة بأن لهذا الفيلم الذي يستخدم اللغة العربية جانبا قويا، هو روايته “حكاية خرافية ممتعة تمثل مكونا مهما من مكونات ثقافتنا المحلية”؛ فهذا “مظهر من مظاهر ذاكرتنا الجماعية الأسطورية”.
هذا نص المقال:
تتلخص حكاية الفيلم في شخصية زينب، وهي امرأة شابة تهرب من السجن بمدينة الدار البيضاء لإنقاذ ابنتها. تتعقد الوضعية بسرعة عندما تلجأ الهاربة إلى احتجاز سائقة شاحنة كرهينة. مع مطاردة الشرطة، تنطلق النساء الثلاث -الهاربة وابنتها والرهينة- في رحلة بواسطة شاحنة قديمة عبر جبال الأطلس.
الفيلم من إخراج ياسمين بنكيران وهو فيلمها الطويل الأول، إنتاج سنة 2022، تشخيص نسرين بنشارة، ريحان جاران، نسرين الراضي، جليلة التلمسي، حسن بديدة، سليمة بنمومن وآخرين.
ملكات أم ملائكة؟
Queens””؟ ملكات؟ بأي معنى يمكن إطلاق هذا الوصف، هذا اللقب على الفيلم؟ إلى أي مدى يمكن للمعنى أن يلائم وأن يكون كما تريده المخرجة “ياسمين بنكيران”؟ هل شخصيات الفيلم من النساء ملكات بتيجان حقيقية أم خيالية؟ أم أنهن ملائكة، أرواح مقدسة، متعالية؟ أم أن، كما تقول المخرجة، عيشة قنديشة ستنهض لتكون الملاك، من خلال قراءة حكايتها بالتوازي مع تقدم المسار الدرامي للفيلم؟
فيلم “ملكات” حكاية امرأة وفتاة وطفلة يتشاركن رحلة/سفر. ثلاث إناث يواجهن الحياة على درب مسار محفوف بالمخاطر… يسرن في الاتجاه نفسه وعلى الخط نفسه ولكن، على مستويات مختلفة من الفهم، ورؤية العالم، وعلى المشاهد قبول حبكة الفيلم كما هي. على ذكر النساء وقضاياهن تقفز إلى الذهن الكاتبة العالمية فيرجينيا وولف “Virginia Woolf” -توفيت عام 1941- التي أبدعت الكثير من الحوارات القيِّمة عن الإنسانية وعن بالنساء، مازالت لها نضارتها حتى اليوم. إنها أيقونة نسوية لاستقلاليتها ولإبداعيتها في الموضوع. لم تكن فيرجينيا وولف يوما تعتقد أن النساء متفوقات على الرجال، بل إن كلاهما ضروري ومفيد على حد سواء.
كانت فيرجينيا وولف تؤمن بأن النساء لسن ملائكة ولا ملكات؟
السؤال هو إلى أي مدى تمكنت المخرجة من نقل رؤيتها بنجاح؟ ما مدى الملاءمة في اختيار الممثلين والمغامرة التي تحمل هؤلاء النسوة الثلاثة أو الأربعة، بما في ذلك الشرطية، والشرطي “العجيب” الذي يرافقها!
تبسيطيّة مُضرة بوعورة الطريق وأخطار المُطاردة
يستعصي رسم شخصيتي الشرطي والشرطية على التصنيف: فلا هو رسم كوميدي ولا هو رسم درامي! إنه رسم مَعِيب لأنه ببساطة مسيء ومجانا للممثلين اللذين قبلا القيام بدور غير ناضج ولا ملائم ولا فن ولا إبداع فيه. تبدو الشرطية غريبة بلامبالاة غير مبررة، ويبدو الشرطي غبيا بشكل غير مفهوم في سياق الفيلم! ناهيك عن كونهما معا غيبيا الخصائص وردود الفعل واستقلالية فيما يقومون به من مطاردة: تقليد هجين واستسهالي لنموذج هوليوودي وهمي!
نسائية ساذجة أم عُمق مفقود؟
تطفو في الذهن مع مشاهدة الفيلم، قضية مهمة غالبا ما تتكرر في أفلام نسائية مغربية: فمن الملاحظ أن العديد من “الفنانات” و”المخرجات” المغربيات وحتى “المثقفات” أو “الأكاديميات” اللائي يدعين رفع راية النسوية، هن حذِرات وحذرات للغاية إزاء الرجال، باسم شجب وإدانة المجتمع الباترياركي تارة، وإدانة المجتمع الذكوري تارة أخرى، عندما يناقشن المسألة النسائية، لماذا؟ لا جواب عندي لكن الواضح أن هناك مُشكلة في فهم وفي استيراد دلالات وآليات وطروحات الحركة النسائية الغربية وتكييفها.
يستخدم الفيلم اللغة العربية ويروي حكاية خرافية ممتعة تمثل مكونا مهما من مكونات ثقافتنا المحلية. إنه مظهر من مظاهر ذاكرتنا الجماعية الأسطورية؛ ويجب أن نقول إن هذا كان جانبًا قويًا في الفيلم.
متعة حكاية وتشويشُ تشخيصٍ.
يبدو الفيلم ميالا لتنبيهنا بأن شخصياته النسائية منخرطات في مناخ التغيير الذي تعيشه نساء المغرب، لكنه يذهب غير بعيد في تخييله وفي اختيار طاقم تمثيل، نحيي منه نسرين بنشارة أساسا، غير قوي ولا ملائم، فهل يتعلق الأمر بنسائية ساذجة أم بعمق مفقود فكري في طرح الحكاية ومعانيها؟ كاستينغ غير موفق أم إدارة تمثيل لم تتمثل التفاصيل أم “شوية من الحنة شوية من رطوبة اليدّين”؟
واضح أن من نقائص الفيلم التمثيل الذي كان غير متوازن في ما يتعلق بالحبكة وتدفق الخيال، تعثر الممثلات في أداء أدوارهن غير المحفورة جيدا في سجل الأدوار المركبة. لم تكُنَّ، نتيجة لما سبق، في مستوى الإدهاش ولا التفوق.
إن ما يرفع من مستوى التشخيص في فيلم “ملكات” هو تشخيص دور السائقة حيث توفقت الممثلة في نقل معاناتها الصامتة، وألمها المُضمَر.
ومع ذلك، تبقى المساهمات النسائية في صناعة الفيلم المغربي تكبر وتكبر. لعل ميكانيكا الكم تفرز الكيف تنجح ولو ببطء، تفرضه سياقات وبنيات في صناعاتنا الثقافية والفنية عموما.