أخبار العالم

خبراء يشرحون تأثير الحرارة والرطوبة على المشاركين في كأس إفريقيا



لم يعد نقاش تأثير الرطوبة في مباريات كأس إفريقيا للأمم “نقاشا جماهيريّا”، ولاح الموضوع مستأثرا ببعد علمي، طبي بالتحديد، وهو ما دفع باحثين مغاربة في النظم الصّحية إلى تقديم تفسيرات لفهم سياقات ما يعيش على وقعه “أسود الأطلس” في كوت ديفوار، لاسيما وأن “القراءات بدأت تتّخذ منحى جديّا بعد التشنجات التي عرفتها المباراة الأخيرة”، والتي أرجعها الأطباء إلى “مفعول الرطوبة على مزاج المتواجدين في ملاعب سان بدرو”.

وعلى الرغم من هذه الصعوبة، إلا أن الأطباء الذين تواصلت معهم هسبريس ليبسُطوا “المتاعب الصحية الناجمة عن الوضعية المناخية بهذا البلد الإفريقي”، أكدوا أن “هذه الوضعية الخاصة بالطقس ليست شيئا محصورا على من يحمل القميص الوطني، بل هي ظروف شاملة لكل منتخب يطأ الملعب، ومن ثمّ لا يمكن أن نعدّ الظروف المناخية ورقة تبريريّة لأي طارئ كروي، مع أن الأثر الصحي يظلّ حاضرا وبقوة”، بتعبير أحدهم.

“جهد بدني عال”

محمد اعريوة، إطار طبي باحث في النظم الصحية، قال إن “الوضعية التي يعيشها المنتخب الوطني حاليا في كوت ديفوار راجعة إلى تداخل الحرارة والرطوبة، أو ما يطلق عليه الحرارة الرطبة، التي تكون لها تداعيات على الأداء البدني بشكل عام، وليس فقط الأداء الرياضي”، مؤكدا أن “أثر هذه الرطوبة كان واضحا خلال المباراتين اللتين خاضهما المنتخب الوطني من خلال التعرق الشديد والإقبال على شرب الماء في كل استراحة”.

وأضاف اعريوة، ضمن إفادات طبيّة قدمها لهسبريس، أن التكوين والتنشئة في البيئة الأوروبية لمعظم “أسود الأطلس”، “عامل أساسي في تصعيب ظروف اللعب، لأنه يكون هناك إجهاد كبير على الرئة، ويتطلب جهدا بدنيا مضاعفا ينهك الجسم والأعضاء الحيويّة في وقت قياسي”، وقال: “لو كان الأمر يتعلق بالحرارة وحدها، لكان الأمر أسهل، بما أن الأسود غير بعيدين كليّا عن البيئة الإفريقية، ففي المغرب تسجل درجات حرارة قياسية، غير أن الإشكال يكمن في الحرارة الرطبة”.

وأوضح المتحدث أن “هذا العامل المناخي يهم أيضا البنية الذهنية للاعبين، ويربك تركيزهم نسبيا، حسب قدرة كل لاعب من اللاعبين على التحمّل”، مشيراً إلى أن “هذه التفسيرات الطّبية لا تنطبق على منتخبنا الوطني وحده، ولكن بعض الفرق التي يشبه مناخها مناخ كوت ديفوار لن تجد صعوبات كبيرة في هذا الجانب، مع أن هذا الواقع الصعب الخاص بالمنافسات القارية يحتاج الكثير من الصبر والاستعداد والوقاية غذائيا وطبيا”.

وخلص اعريوة إلى أن “الفريق الطبّي للمنتخب يتمتع بكفاءة عالية ويمكنه أن يقدم حزمة من التوجيهات الضرورية، حتى من حيث الملابس التي ينصح بارتدائها وتفادي بعض الألوان بعينها”، مؤكداً أن “الجهد البدني العالي الذي يتم بذله لا بدّ من تعويضه بعد المباراة بأخذ ما يكفي من الراحة، لأن حالة الطقس في كوت ديفوار يمكن أن تكون لها تداعيات أخرى، ولكنها قدرُ كل المنتخبات المشاركة، وبالتالي لا يمكن عدّها مبررا” للإخفاقات.

ظروف صعبة

الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، قال إن “التداعيات الصحية للعب أو الإقامة داخل بلد يتسم طقسه بالحرارة في ظروف الهواء الرطب أو الرطوبة العالية، يمكن أحيانا أن تكون قاتلة، بما أن الاحترار البدني يبقى داخليّا، فيضطرّ الجسد لاستعمال ميكانزماته الذّاتية للتبريد”، مؤكدا أن “المتضرر الأول صحيا من ارتفاع درجة الحرارة يكون هم المسنون، لكن هذه الأجواء السائدة مناخيا في سان بيدرو لا تستثني أحداً”.

وأوضح حمضي، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الإشكال الذي تعيشه كوت ديفوار الآن، هو جزء من مشكلة مستقبلية متعلّقة بالتغيرات المناخية؛ فمناخ هذا البلد الإفريقي حاليا مرشّح لأن يكون ضمن أنماط المناخ التي لا يمكن العيش فيها حين تصل حدها الأقصى ابتداءً من سنة 2050، على غرار العديد من مناطق العالم الأخرى المشابهة”، مضيفاً أن “هذا المعطى في حد ذاته يبين هذه الصعوبة، وهو ما يصعّب على اللاعبين اتخاذ القرار ويدخلون في حالة انفعال وفوران وغضب، ولهذا رأينا التّشنجات الأخيرة التي كان من الممكن احتواؤها”.

وتابع قائلا: “هناك دراسات علميّة حاولت أن تقيس أداء اللاعبين، خصوصاً العدّائين، في ظروف مناخية مختلفة، فتبين أن الأداء يتأثر فعليّا حين تمتزج الحرارة مع الرطوبة، فأحيانا يكون هذا الهواء الرطب، أي المشحون بالماء، غير قابل للاستنشاق”، مبرزا أن “هذا يعرّض أيضا المتفرجين لضربات الشمس، حتى لو ظلوا في مكان واحد دون تحرك ودون جهد بدني طيلة فترة المباراة، خصوصا تحت أشعة الشمس، وهو ما ننصح بتجنبه”.

وخلص حمضي إلى أن “الاهتمام بهذا الموضوع بدأ يظهر بحدة مؤخرا على مستوى البلدان الغربية، لاسيما وأن التظاهرات الكروية العالمية والقارية بدأت تنظّم خارج التراب الغربي”، داعيا إلى أخذه بـ”جدية عالية، واتباع التبريد المسبق والتبريد خلال وبعد المنافسات، لتحمل المسابقة والقدرة على الاستمرار والتعافي، والقدرة على الاستئناف، كما يجب على الجماهير المتواجدة هناك الإكثار من شرب الماء بانتظام واتخاذ كافة التدابير الوقائية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى