أخبار العالم

إفلاس التعاونيات وتغوّل الشركات الكبرى .. منتجو الحليب يدقون ناقوس الخطر



عادت مشكلة ندرة الحليب لتطفو إلى السطح مع النقص الذي ما زالت تعرفه هذه المادة، ولو بشكل أقلّ حدّة، في الأسواق المغربية. وبدأت هذه “المُشكلة” تتخذ وجها جديّا مع اقتراب شهر رمضان، الذي يعدّ الحليب ضمن مواده الأساسيّة، خصوصا أن “الأسباب المرتبطة بندرة التساقطات والمراعي وأزمة التعاونيات المتواصلة في المغرب”، وفق مهنيين؛ وهو ما يطرح أكثر من سؤال بخصوص مدى توفر الحليب في رمضان المقبل.

المهنيون الذين تواصلوا مع هسبريس لا يحمّلون مسؤولية ما يعرفه قطاع الحليب من اختلالات إلى العوامل المناخية حصرا؛ بل يربطون ذلك الوضع أيضا بـ”الفورة التي عرفها المغرب غداة استيراد الحليب المجفّف منذ ثماني سنوات؛ وهو ما أهلك الفلاّح الصغير وأجهز على العديد من التعاونيات، وصار يهدّد الضيعات النموذجية كذلك”، حسب الجهات عينها، رغم أن “هناك شيئا إيجابيّا، مازال حاضرا في تصريحات هذه الجهة، وهي أن هناك ما يكفي لتموين الأسواق في رمضان رغم التحديات الكثيرة”.

“مشكلة حليب مجفّف”

في هذا السياق، قال أحمد بوكريزية، الرئيس السابق لفيدرالية منتجي الحليب والمنتجات الفلاحية، إن “هناك ما يكفي اليوم من الحليب على المستوى الوطني، رغم ندرته. فعموماً، سيكون التموين خلال رمضان كافيا”، موضحا أن “الإشكال الذي يواجهه القطاع اليوم هو أن العديد من التّعاونيات أغلقت بعد إفلاسها ومحاربة الشركات الكبرى لها؛ وبالتالي تضرر الإنتاج الوطني المحلي منذ بدأنا نستورد الحليب المجفّف، وهذا ما حذّرنا منه مرارا وتكرارا”.

وأبرز بوكريزية، في تصريحه لهسبريس، أن “الإشكال اليوم هو أن الأبقار المنتجة للحليب صارت متوجهة للذبح، أو للبيع لأغراض غير فلاحية، يعني اعتبارها تجارة مربحة نظرا لارتفاع أثمانها، فهناك أبقار تباع بأزيد من 35 ألف درهم اليوم”، مبرزا أن “هذه المعطيات لا تعيرها الشركات الكبرى قيمة، وبالتالي يتم الإجهاز تدريجيا على الفلاح الذي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة، وتكتسح شركات تصنيع الحليب المجال، وتستفرد به وتتحكم بثمنه، رغم أن سردية الجفاف ليست ذات مصداقية كبيرة في هذا السياق”.

وحذر المتحدث ذاته من أن “يتم التفكير في رفع الأثمنة في رمضان، نظرا لأن أثمنة الأعلاف مازالت مرتفعة”، مؤكدا أن “الأسعار ارتفعت بهذا الشكل مؤخرا نتيجة ما أشعرنا به وزارة الفلاحة في محطات كثيرة، بخصوص الحد من دخول الحليب المجفف، لحماية المنتوج الوطني وتعزيز الإنتاج المحلي من الحليب، من خلال تأهيل الفلاح الصغير ليكون منافسا في ظل تغول الشركات التي تفكر في مصالحها فقط، دون التفكير في مصلحة الوطن واستقراره وسلمه الاجتماعي وأمنه الغذائي”.

مُشكلة أعلاف..

على غرار بوكريزية، قال عبد الله الأيوبي، فلاّح ومنتج للحليب بجهة فاس مكناس، إن “مشكلة ارتفاع أثمنة الأعلاف لم تعد تهدد فقط إنتاج الحليب؛ بل تهدد استمرار هذه الفلاحة في المغرب بشكل عام، بعد توالي سنوات الجفاف بشكل هيكلي”، معبراً عن قلقه بخصوص “استمرار هذا الوضع حتى رمضان، نظرا لكون نسبة مهمة من المزارعين بدّلوا هذه المهنة، إما نحو الإفلاس أو نحو مهن أخرى، بعد استشعارهم أن مهنة تربية الماشية لإنتاج الحليب، بدأت تفقد طرافتها”.

وأضاف الأيوبي، في تصريحه لهسبريس، أن “سلسلة الإنتاج مكلفة اليوم، وهذا يؤثر على الجودة إجمالا؛ ولكن الأمطار الأخيرة خلقت نوعا من الارتياح لدى الفاعلين في مجال الألبان الذي يواجه تحديات”، مؤكدا أن “الاكتفاء الذاتي هو الذي سيجعل القطاع قويا كما كان سابقا، بحيث يمكّن الكساب من تسويق منتوجه والتعاونيات كانت حاضرة، والحليب يصل المستهلك المغربي بأثمنة في المتناول، بحكم المنافسة الشريفة التي كانت تطبع هذا المجال”.

وختم المتحدث قائلا إن “الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى للتدخل من خلال طرح إجراءات استثنائية وفورية لفائدة الذين تضرروا صراحة بحكم ندرة الحليب”، مؤكدا أن “تقديم بعض الدعم المادي لتشجيع المنتجين للتّموقع في هذه السوق الغامضة من شأنه أن يخوّل الإعانات الأساسية للحفاظ على صناعتنا؛ فأحيانا نضطر إلى بيع الحليب بأسعار أقل أحيانا مما قمنا باستثماره”، وزاد: “وضع سياسات تعزز استدامة القطاع ومرونته يمكنها أن تساعدنا لنتغلب على هذه التحديات ونبني مستقبلا واعدا أكثر للمربين ولجميع المغاربة في رمضان وغيره”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى