الحرب في السودان: تضاؤل فرص السلام بعد تجميد الحكومة عضويتها في منظمة إيغاد
أبدى محمد عبد السلام، الذي يعمل موظفاً عمومياً، سخطه الشديد وهو يقرأ خبراً، على هاتفه الجوال، عن تجميد الحكومة السودانية لعضويتها في منظمة إيغاد. وقال لي وهو يجلس في أحد المقاهي في منطقة الجيزة بالقاهرة إنه شعر بالإحباط بعد قراءته للخبر، وأوضح وهو يرتشف كوباً من الشاي “كنت أعول كثيراً على وقف الحرب بواسطة منظمة إيغاد حتى يتسنى لي العودة مع أسرتي إلى السودان”.
وقال بحسرة شديدة “جئت برفقة أسرتي إلى القاهرة قبل ستة أشهر هرباً من الحرب، والآن ليس بوسعي العيش هنا بعد أن نفدت كل مدخراتي، أردت العودة مرة أخرى إلي مدينة بحري حيث أعيش، لكن في ظل هذه الأخبار السيئة لن أتمكن من العودة، وصراحة لا أدري ماذا أفعل.. كل شيء في حياتي أصبح مربكاً ومؤلماً”.
ويشابه حال محمد عبد السلام حال السواد الأعظم من السودانيين الذين أصيبوا بالإحباط بعد فشل كل المحاولات والجهود الرامية لوقف الحرب المستمرة في بلدهم منذ تسعة أشهر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وأدى القتال، الذي اندلع في شهر أبريل/ نيسان الماضي، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. كما أجبرت الحرب نحو ثمانية ملايين شخص على ترك مناطقهم وبعضهم لجأ إلى دول الجوار، فضلاً عن الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية من جسور، ومرافق الكهرباء، والمياه، والمستشفيات.
وكانت آخر المحاولات الجدية الساعية لوقف الحرب هي المبادرة التي أطلقتها منظمة إيغاد، والتي اقترحت عقد لقاء مباشر بين الجنرالين، قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو في العاصمة الأوغندية كمبالا منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الجاري على هامش قمة طارئة خُصصت لمناقشة الأزمة السودانية وقضايا أخرى.
غير أن اللقاء لم يعقد على غرار ما حدث في مرات سابقة، وهذه المرة بسبب رفض البرهان حضور القمة احتجاجاً على تقديم الدعوة لحميدتي بالذات للمشاركة فيها باعتباره متمرداً وليس رئيس دولة. ومضي البرهان إلى أكثر من ذلك، عندما أعلن عن تجميد عضوية السودان رسمياً في التكتل الإقليمي بعد مرور يومين من عقد القمة.
وقال البرهان في رسالة بعثتها وزارة الخارجية السودانية إلى دولة جيبوتي – الرئيس الحالي للمنظمة “منظمة إيغاد تجاهلت قرار السودان الذي رفض مناقشة أي موضوعات تخص الوضع الراهن في السودان … حكومة السودان غير ملزمة ولا يعنيها كل ما يصدر من إيغاد في الشأن السوداني”.
أما حميدتي فقد شارك في القمة، والتقى بعدد من الرؤساء والزعماء والمبعوثين، بمن فيهم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان رمطان العمامرة، وأبدى رغبة في تحقيق السلام. وكتب مغرداً على موقع إكس “أكدت خلال الاجتماع على رغبتنا الصادقة في تحقيق الأمن والاستقرار في بلادنا لرفع المعاناة الإنسانية عن شعبنا”.
وأبدى متحدث باسم تنسيقية القوى المدنية – التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك – أسفه لقرار السودان تجميد عضويته في منظمة إيغاد. وقال ماهر أبو الجوخ لبي بي سي إن القرار سيخلق مشكلة في منبر جدة باعتبار أن إيغاد مشاركة فيه وأضاف: “هذا القرار يعني تنصل الجيش عن التزاماته بشأن وقف إطلاق النار وتحقيق السلام. ونخشى أن يكون سبباً في تصعيد العمليات العسكرية مرة أخرى”.
محاولات سابقة
لم تكن محاولة الإيغاد للجمع بين البرهان وحميدتي إلا سلسلة من محاولات سابقة لوقف إطلاق النار في السودان. وتوسطت السعودية والولايات المتحدة في مفاوضات استضافتها مدينة جدة الساحلية.
وفعلاً، تم التوصل إلى العديد من الهدن واتفاقيات وقف لإطلاق النار في أكثر من جولة تفاوض، لكنها لم تصمد وسرعان ما يعود الطرفان للقتال وسط تبادل للاتهامات بينهما بخرق التعهدات.
كما طرح رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، مبادرة لوقف الحرب عبر تنسيقية القوى المدنية، وهو تنظيم مكون من قوى سياسية ونقابات مهنية ومنظمات مجتمع مدني مناهضة للحرب.
وتقوم المبادرة أيضاً على عقد لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي في مسعى لوقف الحرب.
وفي هذا الصدد، وقعت التنسيقية اتفاقاً مع قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يقضي بوقف إطلاق النار، وتسهيل تقديم المساعدات للمتضررين من الحرب.
وينتظر أن تعقد التنسيقية لقاءً مماثلاً مع قائد الجيش الفريق البرهان بعد أن أكدت أنه وافق على المقترح.
ويقول أبو الجوخ إنه بالرغم من موقف الجيش الجديد بتجميد عضوية السودان في إيغاد إلا أنهم مازالوا متمسكين بموقفهم بإمكانية عقد اللقاء مع البرهان متى ما كانت هنالك رغبة لدى الجيش.
ومضى يقول “هنالك مشاورات غير رسمية بين الطرفين لتحديد مكان وزمان الاجتماع، وطرحت عدة عواصم إقليمية مثل القاهرة وجدة وأديس أبابا وجوبا لعقده، لكن مدينة بورتسودان غير واردة إطلاقاً بالرغم من إصرار بعض قادة الجيش على ذلك”.
تصعيد متوقع
يشوب الأوضاع العسكرية الميدانية في مناطق القتال حالياً في السودان نوع من الهدوء الحذر، مع تراجع حدة المواجهات العسكرية المباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ومع ذلك، فإن أعداد الضحايا من المدنيين مازالت تشهد تزايداً مستمراً في ظل استخدام الجيش للطيران الحربي في قصف المناطق التي تتمركز فيها قوات الدعم السريع، واستخدام قوات حميدتي المدفعية الثقيلة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش وهي مناطق مأهولة بالسكان.
وتبدو المخاوف كبيرة وسط السكان من تصاعد العمليات العسكرية بين الطرفين، وبالتالي زيادة المعاناة، بعد تجميد السودان عضويته في المنظمة الإقليمية، وعدم وجود أي بوادر لحل الأزمة بالتفاوض في الوقت الحالي.
وقال مصدر عسكري رفيع في الجيش السوداني لبي بي سي إنهم سيواصلون القتال حتى تحقيق النصر وهزيمة ما وصفها بالميليشيا المتمردة. وأوضح بعد أن طلب عدم كشف هويته أن “موقف الجيش منذ البداية كان واضحاً، وهو تحقيق النصر العسكري وهزيمة التمرد. ومع ذلك فهو مع التفاوض الذي يؤدي إلى تحقيق سلام يعيد للسودانيين كرامتهم وليس سلاماً يعيد قادة الميليشيا إلى الواجهة مرة أخرى”.
أما أحد المستشارين باسم قوات الدعم السريع فقد أبدى حرصاً على تحقيق السلام، ولكنه في المقابل لم يؤكد او ينفي الرغبة في توسيع العمليات العسكرية. وقال محمد المخير لبي بي سي “نحن حريصون على تحقيق السلام وتخفيف المعاناة عن الناس، ولكن في المقابل لن نظل مكتوفي الأيدي ونحن نرى قوات البرهان تهاجمنا. سنظل في مناطقنا التي نسيطر عليها وتحركات القوات تحددها التطورات على الأرض”.