المجلس العلمي الأعلى يشجع “الحياة الطيبة” وفق الإيمان والعمل الصالح
معالم من سعي المجلس العلمي الأعلى إلى “رفع منسوب التدين عند المواطنين”، من أجل إعانتهم على “عيش الحياة الطيبة، المؤسَّسة على الإيمان والعمل الصالح”، تتبدّى في منشور جديد صدر عن المؤسسة المشرفة على المجالس العلمية بالمغرب، المكلفة بالتجاوب مع أسئلة المواطنين حول الدين، وتدبير وصيانة الأمن الروحي للمغاربة، وثوابت التدين بالبلاد، وتنشيط الحياة الدينية في المدن والقرى.
كتاب الوعظ “الدين للحياة”، الصادر عن منشورات المجلس العلمي الأعلى، يروم “إبراز الصورة الجميلة للحياة الكريمة، تلك الحياة التي لم يخلقها الله تعالى عبثا، وإنما أرادها لتكون مزرعة للأعمال، والإنسان هو المزارع بعمله الذي هو مناط محاسبته وجوهر مسؤوليته”، وذلك “ابتغاء حياة طيبة تؤدى فيها حقوق الله وحقوق العباد على السواء، وتنال فيها حسنات الدين والدنيا جميعا”.
وفي مائتي صفحة، يفصل هذا الكتاب في سبيل تحصيل الحياة الطيبة: من “الإيمان بالله الواحد الأحد، والعمل الصالح الذي ينفع البلاد”، ويوضّح معاني الدين والتدين، والإفراط والتفريط، ودور العلماء، ومفهوم العبادة والإيمان، وضعف الإنسان، والرحمة بالناس، ورسالة الإسلام، والعمل الصالح.
ويؤكد منشور المجلس العلمي الأعلى “ضرورة التمييز بين الدين والتدين”؛ فـ”كثير من الناس” يخلطون “بين الدين المنزل من عند الله تعالى، وهو الشرع الكامل، التام الكلمات، المطلق، المستوعب للزمان والمكان والإنسان، وبين التدين، وهو اجتهاد ومسؤولية الإنسان في سعيه وكسبه من الدين، كما أنه جهد نسبي محدود زمانا ومكانا وإنسانا؛ ولهذا كان فيه التفاوت في التحصيل بحسب الجهد المبذول في تمثل قيم وأخلاق الدين”.
كما يوضح أن الدين “حريص على تقويم التدين باستمرار، ورد الناس إلى حالة الاعتدال” في التدين، “حسب القدرة البشرية المحدودة”، ويفصل في نهي الإسلام “عن آفة الإفراط في التدين” ونهيه عن “آفة التفريط فيه، بتجاوز حدوده والركون إلى الشهوات والغرائز، أو الكسب غير المشروع، أو ظلم الغير، أو إخلاف العهود والمواثيق، أو الكذب والغش والزور، وغير ذلك”.
ومن ثمرات هذا التمييز، وفق كتاب “الدين للحياة”؛ “حمل الناس على الاجتهاد الدائم من أجل تحسين تدينهم، والارتقاء في سلم الطاعات والقربات درجات، عندما يدركون أنهم دائما محتاجون لهداية وإرشاد الدين”، و”كف كثير من المتدينين عن جعل سلوكياتهم وعاداتهم دينا يحاكمون إليها الناس، فيُبَدعون ويُفسقون أو يُكفرون مخالفيهم. فيثيرون بذلك من الفتن والتشويش ما به يفسدون حقيقة الدين وإن ظنوا أنهم ينصرونها”.
كما أن من ثمرات هذا الوعي والعمل “معرفة المتدين أنه لا يكفيه مجرد الانتساب إلى الدين ظاهرا حتى يكون متدينا حقا؛ بل لا بد من تجلي حقيقة الإيمان والإسلام على قوله وفعله، فيكون محل أمن وسلم في معاملته مع الناس؛ ومصدر خير وعطاء، وعنصر بناء وتنمية في المجتمع”، فلا يحمّل الدينَ “أخطاء المتدينين، مما يؤدي إلى نعته بما لا يليق بناء على أحوالهم المؤسفة فيه”، بل “يكف عن ذلك وينظر إلى حقيقة الدين في رحمته وعدله، وسلمه وأمنه، وهدايته وإرشاده إلى الخير والمعروف، وسائر رعايته لحقوق الإنسان والإحسان إليهم والإنعام عليهم على اختلاف مللهم وألوانهم وأجناسهم، ما يدرك به عظمة الدين ونموذج الحياة التي يريدها للمتدينين الذين أخطأ معظمهم الطريق إليها”.
ويتوقف الكتاب عند مفهوم العبادة “بما هي برنامج تدبير حياة الإنسان بما يسعده في الأولى والأخرى”، وثمراتها من “تعظيم أمر الله” و”الشفقة على خلق الله بالرحمة والرأفة”. كما يذكر أن العبادة “ليست مجرد طقوس وحركات يأتيها العبد فحسب من غير أن يكون لها مقصد ولا غاية”، والغفلة عن ذلك تحرم “لذتها وثمراتها”.
ويسترسل الكتاب في شرح مسؤولية عمارة الأرض، وما في “اتباع الهوى” من تخل عن رسالة الاستخلاف، مما يجعل الإنسان “يعيث في الأرض فسادا، اعتداء وظلما وسفكا للدماء”، علما أن أعز ما يطلبه الإنسان من سعيه وكده “الحياة الآمنة الطيبة التي ينشرح فيها صدره، وينعم فيها بالطمأنينة والسعادة والرزق الحلال”.
يذكر أن “خطة التبليغ”، وفق أشغال الدورة العادية الثانية والثلاثين للمجلس العلمي الأعلى، هي “المشروع المقبل لعمل المؤسسة العلمية”، من أجل “تفعيل إمكانات الدين في التنمية والمجتمع، لأن قيم وأخلاق الدين بإمكانها أن تحد من الكثير من الآفات والمشكلات والانحرافات على مستوى المجتمع والأسرة والتربية والصحة والبيئة، وكل قطاعات الحياة الإنسانية”.