أخبار العالم

في خيام بلاستيكية بدائية .. البرد القارس يفاقم معاناة النزوح جنوب غزة



في خيمة من القماش والبلاستيك نصبت في العراء في جنوب مدينة رفح، يجلس إسماعيل نبهان مع أبنائه وأحفاده أمام موقد نار للحصول على بعض الدفء… البرد قارس، والخيمة تصارع الرياح الشديدة في محاولة للصمود.

ويقول نبهان (60 عاما): “منذ يومين، كانت الرياح قوية. حاولنا، طيلة الليل، أن نثبّت النايلون على الخيمة. نحن نعيش في صحراء، والبحر أمامنا، البرد مضاعف”.

وتنبعث من الخيمة، التي يسكن فيها 28 فردا، رائحة كريهة بسبب إشعال حطب وقطع بلاستيكية، كما يملأ الدخان الخانق المكان.

وقالت رائدة عوض، زوجة إسماعيل نبهان، إن “الدخان الذي نستنشقه من حرق البلاستيك يحرق صدورنا”.

وخيمة العائلة التي نزحت من وسط قطاع غزة واحدة من آلاف خيم النازحين المستحدثة في جنوب القطاع المحاصر. تبعد مئات الأمتار عن شاطئ البحر المتوسط، في أقصى جنوب غرب مدينة رفح قرب الحدود مع مصر.

إلى جانبها، يسعل حفيدها. وقالت عوض (50 عاما): “جميع الأطفال مرضى من الرائحة ومن البرد، لا يتوقفون عن السعال والرشح، الملابس ليست ثقيلة بشكل كاف لتدفئتهم”، وأضافت: “الأغطية بالكاد تكفي، كل ثلاثة يتشاركون بغطاء واحد”.

تطلب رائدة من ابنها حاتم أن يحضر بعض الحطب. وقالت: “الحطب مبلّل، سنحتاج أربعة أيام لتجفيفه ليكفينا يوما أو اثنين للتدفئة والطهي لثلاثين شخصا. الوضع مأساوي”.

واندلعت الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إثر هجوم شنته الحركة داخل الدولة العبرية في السابع من أكتوبر، وتسبّب في مقتل 1140 شخصا معظمهم من المدنيين، حسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

وتوعّدت إسرائيل بـ”القضاء” على “حماس”، وتشنّ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة وعملية برية منذ 27 أكتوبر؛ ما تسبّب في مقتل 24100 شخص، معظمهم من النساء والفتية والأطفال، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.

“سنموت من البرد”

حسب الأمم المتحدة، يبلغ عدد النازحين في قطاع غزة اليوم 1,9 ملايين من أصل 2,4 ملايين هو عدد سكان القطاع قبل الحرب.

وأكد بيان مشترك لمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، الأحد، أن هناك “حاجة ملحة” في قطاع غزة “إلى تغيير جذري في تدفق المساعدات الإنسانية”. ودعا إلى تأمين طرق إمداد “بشكل أكثر أمنا وأسرع”، محذرا من أن مستوى المساعدات الحالي “أقل بكثير مما هي الحاجة لتجنّب مزيج قاتل من الجوع وسوء التغذية والمرض”.

وقالت وكالة الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية (أوتشا)، في تقريرها الأحد، إن النقص يشمل “مليونا و200 ألف بطانية ومرتبة، وما لا يقل عن 50 ألف خيمة عائلية معدة لفصل الشتاء و200 ألف قطعة ملابس شتوية، بالإضافة إلى قماش مشمع وأغطية البلاستيكية”.

في رفح، قال محمد كحيل، النازح من شمال القطاع: “ليس لدينا طعام ولا ماء أو تدفئة. نحن نتجمّد حتى الموت”.

وصرحت حنين عدوان (31 عاما)، الأم لستة أطفال النازحة من مخيم النصيرات في وسط قطاع إلى رفح، بالقول: “في الليل، أشعر بأننا سنموت من البرد، جميعنا مرضى نعاني من الرشح والسعال”.

وتضع عدوان، التي تبعد خيمتها مئات الأمتار عن البحر، ثلاث فرشات فوق بعضها لتجنب البرد.

وقالت: “لا يوجد وسيلة للتدفئة سوى النار؛ لكن سعر الحطب مرتفع ولا نملك نقودا. نشعل النار بالبلاستيك، نختنق من الرائحة”.

إلى جوارها، يجلس ابنها فادي (14 عاما)، الذي يتولى توفير البلاستيك لإشعال النار. وقال الفتى وهو يشير إلى يديه اللتين صبغتا باللون الأسود: “أذهب هناك بالقرب من برك الصرف الصحي عند الحدود، يوجد أسفلها بلاستيك تحت الرمل، أقوم يوميا بالحفر وتقطيع البلاستيك بالسكين”.

وأضاف غير مكترث بالجروح التي تغطي يديه نتيجة هذا العمل: “يموت إخوتي من البرد في الليل وأنا أيضا، يجب أن نشعل أي شيء وإلا سنتجمد”.

“مطر واجتياح”

في خيمة مجاورة، يعد خالد فرج الله (36 عاما) الخبز لعائلته المؤلفة من ستة أطفال؛ بينهم طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.

يخبز فرج الله، الذي نزح من منزله شرق مدينة غزة، الأرغفة في زاوية الخيمة ويناولها لابنه.

وقال: “بعد الثانية فجرا، لا يتمكن أحد من النوم بسبب شدة البرد حتى لو وضعت ألف بطانية، الأرض باردة والتراب ينقل الرطوبة والبرد”.

ويتشارك أطفاله الستة ثلاث فرشات.

ويصارع الأب ما بين إشعال النار للتدفئة وخوفه من القصف.

وأضاف: “كل ليلة أشعل النار داخل الخيمة من أجل التدفئة، لأنني أخاف أن يقصفنا الطيران الإسرائيلي”.

واستدرك: “أصبح لدينا هاجس أنهم (إسرائيل) يمكن أن يقصفوا لأي سبب”.

وأشار الأب إلى طفله “سند” بأسف. وقال: “كان يتفاعل ويضحك؛ لكنه أصبح دائم الصمت ولا يتحرك، خصوصا أنه طيلة الوقت مريض بسبب البرد ولا يحصل على أدوية”.

ويخشى فرج المطر والاجتياح الإسرائيلي، وقال “إذا أمطرت بغزارة سيموت الناس من البرد، وإذا اجتاح الإسرائيليون المنطقة ماذا سأفعل؟ سأهرب من أجل أبنائي إلى هناك”، مشيرا إلى الحدود المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى