حرب غزة: ما التداعيات المتوقعة على الاقتصاد الإسرائيلي؟
- Author, محمد همدر
- Role, بي بي سي نيوز عربي – بيروت
صوّت أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر (الكابينت) يوم الاثنين (15 يناير/كانون الثاني) على ميزانية 2024، بزيادة 55 مليار شيكل (15 مليار دولار) كمبلغ إضافي للإنفاق على الحرب.
ويشمل التمويل الإضافي، إلى جانب الميزانية العسكرية، تعويضات للمتأثرين بالحرب، وزيادة في ميزانية الرعاية الصحية والشرطة، بحسب وكالة رويترز.
وبعد مرور مئة يوم على اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أظهرت الأرقام الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة المالية الإسرائيلية، ارتفاع العجز في الميزانية الاقتصادية في إسرائيل، وانخفاضاً في النمو الاقتصادي.
وتعدّ هذه الزيادة على الميزانية انعكاساً مباشراً لما توقعه خبراء من تأثير للحرب على الإنفاق، وإضعاف الاقتصاد الإسرائيلي على المدى الطويل.
ويتأثّر حجم التداعيات المتوقعة أيضاً بمدّة الحرب أو الفترة التي ستمضي قبل إعلان وقف إطلاق النار بشكل نهائي.
“حاجة إلى مزيد من التمويل”
وأفادت وكالة رويترز بأنّ مناقشة إقرار الميزانية الجديدة في الكابينت استمرت لساعات طويلة على مدار يومين، وسط خلافات بين الوزراء.
وذكرت الوكالة أنّ هناك حاجة إلى مزيد من التمويل بقيمة المليارات من الشيكل، لدعم الجيش، وتعويض جنود الاحتياط، وعشرات آلاف الإسرائيليين النازحين من المناطق الحدودية، إضافة إلى تعويض الذين تضرروا بشكل مباشر من هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ونقلت الوكالة عن تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية أنّ إسرائيل سجلت عجزاً في الميزانية قدره 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، بسبب ارتفاع الإنفاق الحربي في الربع الأخير من العام، وانخفاض الدخل الضريبي.
وارتفع العجز المستهدف في موازنة 2024 إلى 6.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان 2.25 بالمئة.
وذكرت رويترز أنّ الحرب سوف تخفض النمو الاقتصادي لعام 2024 بنسبة 1.1 نقطة، مئوية ليبلغ نحو 1.6 بالمئة.
وقالت إنّ الأثر المالي للحرب يقدّر بنحو 150 مليار شيكل (40 مليار دولار تقريباً) في 2023-2024، على افتراض انتهاء القتال العنيف خلال الربع الأول من العام الحالي.
“صدمة كبيرة” للاقتصاد
ونقلت صحيفة “كاتاليست” الاقتصادية الإسرائيلية عن كبير خبراء الاقتصاد في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، شموئيل أبرامسن، أنّ الحرب ستؤدي إلى تغييرات في نظام الاقتصاد وفي إسرائيل على المدى القصير في 2024، وعلى المدى الطويل.
وقال أبرامسن في ندوة في الجامعة العبرية بمشاركة خبراء اقتصاديين آخرين، في 8 يناير/كانون الثاني إنّ هذه “الحرب لا تشبه أي شيء شاهدناه في العشرين عاماً الماضية من حيث التأثيرات (على الاقتصاد).
وأضاف أنّ نسبة الإنفاق على ميزانية الدفاع سترتفع من 4.6 في المئة إلى 6 في المئة من الناتج المحلي.
وقال إنّ هذا سيمثّل ضرراً بنسبة 1.4 في المئة للناتج المحلي، وإنّ ذلك سيأتي على حساب الميزانية الشاملة ومن ضمنها التعليم العالي والرفاه الاجتماعي والأمن الداخلي.
وأشار إلى أنّه على المدى القصير، لن يكون هناك مفرّ من زيادة الديون وإيرادات الدولة بما في ذلك الزيادات الضريبية.
ووجّه حاكم المصرف المركزي الإسرائيلي، أمير يارون، رسالة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، حثّ فيها الحكومة على عدم الإفراط في الإنفاق، وتعويض النفقات الزائدة بفعل الحرب من خلال التخفيض في ميزانيات قطاعات أخرى، إلى جانب زيادة الضرائب.
وصرّح أمير يارون في نوفمبر/تشرين الثاني خلال ندوة اقتصادية في واشنطن، قائلاً إنّ الحرب مع حماس تشكّل “صدمة كبيرة” للاقتصاد، وإنها “أكثر تكلفة ممّا كان مقدراً في البداية”.
وأكّد يارون حينها أنّ الحرب ستترك “تداعيات مالية وستولّد ضغوطاً على الميزانية”.
مليار شيكل في اليوم الواحد
قدّرت وزارة المال الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول أن كلفة الحرب على إسرائيل قد تبلغ نحو مليار شيكل في اليوم الواحد، أي ما يعادل 267 مليون دولار تقريباً.
وتوقعت مؤسسة “موديز”، المرجع في التصنيف الائتماني، في تقرير أصدرته استند إلى تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، أن يكون للحرب تأثير كبير على اقتصاد البلاد مقارنة مع الصراعات السابقة.
وذكر تقرير “موديز” أنّ حرباً طويلة الأمد مع حماس قد تؤدي إلى انخفاض تصنيف إسرائيل الائتماني.
وقالت كاثرين مولبرونر، النائبة الأولى لرئيس وكالة موديز في نوفمبر/تشرين الثاني “إنّ شدة أي ضرر يلحق بالاقتصاد ستعتمد – إلى حد كبير – على طول مدة الصراع العسكري، ولكن أيضاً على آفاق الوضع الأمني الداخلي في إسرائيل على المدى الطويل”.
وأضافت مولبرونر وفق ما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أنّه “على الرغم من أن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة للغاية، فإننا نعتقد أن التأثير على الاقتصاد قد يكون أكثر حدةّ مما كان عليه في الحلقات السابقة من الصراع العسكري والعنف”.
وذكر تقرير موديز استناداً إلى تقديرات صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنّ التكلفة الإجمالية للحرب قد تتراوح ما بين 150 مليار شيكل و200 مليار شيكل، أي ما يعادل حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأصدر معهد الأمن القومي على موقعه على الإنترنت أرقاماً تظهر تراجع الناتج المحلي في إسرائيل عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وأشار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول بعد أيام على اندلاع الحرب، إلى أنّ البيانات الاقتصادية تظهر ضعف الشيكل وسوق الأوراق المالية، وارتفاع معدلات البطالة، وفقدان ثقة المستثمرين في سندات الحكومة الإسرائيلية.
ولفت إلى أنّه كان من الممكن أن تكون تقلبات سعر صرف الشيكل أكثر دراماتيكية لولا تدخل المصرف المركزي الإسرائيلي.
وذكر أنّ الحكومة لم تتمكن بعد من التعامل مع التطورات بطريقة مناسبة.
وأوصى الحكومة الإسرائيلية بأن تغيّر بشكل جذري، ترتيب الأولويات الوطنية وأن تحوّل ميزانيات كبيرة للتعامل مع أضرار الحرب.
ورغم موافقة الحكومة على حزمة مساعدات للعمال وأصحاب الأعمال، إلا أّنه من السابق لأوانه – بحسب التقرير – القول ما إذا كانت هذه المساعدات كافية لـ760 ألف عامل غير قادرين على العمل في وظائفهم، أو لتمكين الشركات الصغيرة من الصمود.
ونشر موقع معهد الأمن القومي للدراسات، نقلاً عن وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية، أنّ 46 ألف عامل طُردوا أو منحوا إجازة منذ اندلاع الحرب.
وذكر موقع الضمان الاجتماعي الإسرائيلي في آخر تحديث على صفحته، أنّ المؤسسة دفعت مبالغ قيمتها ستة مليون شيكل (نحو مليون و600 ألف دولار) على شكل منح لأشخاص يبلغون من العمر 67 عاماً وما فوق، بعد توقف أعمالهم بسبب الحرب.
وذكرت صحيفة الفايننشل تايمز البريطانيّة في تشرين الثاني/نوفمبر أن إسرائيل عقدت صفقات لاستدانة 6 مليار دولار في الأسابيع الأولى عقب اندلاع الحرب.
وقالت الصحيفة إنّ إسرائيل دفعت كلفة عالية مقابل إنجاز صفقات الحصول على تلك القروض.
كيف تتوزع كلفة الحرب؟
إعلان الحكومة الإسرائيلية عن الدخول في حالة حرب، صحبه استدعاء عدد كبير من قوّات الاحتياط وتأمين ما يلزم لهذه القوات من عتاد وذخيرة وطعام وأماكن إقامة.
وسيتعين على الحكومة الإسرائيلية دفع تكاليف العلاج وتعويضات مادية للجرحى العسكريين والمدنيين، إضافة إلى تعويضات لعائلات الجنود والضباط القتلى.
لكن كلفة الحرب بالنسبة لإسرائيل لا تقتصر على المستوى العسكري فحسب.
هناك عوامل أخرى طرأت مع اندلاع القتال على الحدود مع غزّة ومع لبنان، ستشكّل بدورها أعباءً على الاقتصاد الإسرائيلي خلال وبعد الحرب.
- تأمين بدل سكن وتعويضات للنازحين:
نزح قسم كبير من سكّان مناطق غلاف غزّة، لا سيما من الكيبوتسات التي داهمها مقاتلو حماس، والتي تعرضت لأضرار جسيمة بسبب القتال.
الأمر مماثل بالنسبة لسكان الشمال على الحدود مع لبنان الذين نزحوا بعد اندلاع الاشتباكات والقصف المتبادل بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
هذا الواقع فرض على السلطات الإسرائيلية تأمين بدل سكن لهم في الفنادق أو في أماكن أخرى.
وسيفرض على الحكومة الإسرائيلية أن تتكفل بإعادة إعمار المنازل والمناطق المتضررة شمالاً وجنوباً، لا سيما وأنّ عدداً كبيراً من المنازل في كيبوتسات (مثل بئيري وكفر عزة ونير عوز) وفي مناطق الجليل، لم تعد صالحة للسكن.
وشملت الأضرار آليات ومحالاً تجارية وأراضي زراعية.
- توقف العديد من الأعمال التجارية نتيجة الحرب لا سيما في المناطق القريبة من الحدود مع غزة وجنوب لبنان، وفي مناطق كانت تحت مرمى صواريخ حماس وحزب الله.
- تضرر القطاع السياحي بعد إعلان حالة حرب، بعد تراجع حاد في حركة السيّاح القادمين من الخارج وفق ما نقلت وكالة رويترز في نوفمبر/تشرين الثاني عن تقارير رسمية. مع الإشارة إلى أنّ عدداً من الفنادق تحوّل إلى مراكز إيواء للنازحين الإسرائيليين من مناطق الصراع.
- تراجع حركة الملاحة الجوية، وقد أعلنت عدة شركات وقف رحلاتها الجوية إلى تل أبيب بعد تعرض مطار بن غوريون ومحيطه وكذلك تل أبيب ومناطق أخرى في الوسط لسقوط صواريخ.
- تضررت حركة الملاحة البحرية التجارية في ميناء إيلات بعد توقّف عدد من شركات النقل البحري عن عبور البحر الأحمر عقب استهداف الحوثيين للسفن المتجهة إلى إسرائيل.
وقد تشمل ميزانية الدولة بعد الحرب مصاريف إصلاحات وإعادة إعمار ما تعرّض لأضرار على مستوى القطاع العام جراء سقوط الصواريخ، مثل إعادة تأهيل شبكات الطرقات التي طالها القصف الصاروخي.
في غزة “لن يتعافى الاقتصاد فوراً” بعد وقف إطلاق النار
تعرّضت البنى التحتية في غزّة لدمار كبير طال شبكات الكهرباء والمياه والطرقات.
وأدّى القصف الإسرائيلي إلى دمار واسع في المباني السكنية والأسواق التجارية والمحال والمؤسسات.
وتسبّب الدمّار والقصف بحركة نزوح واسعة لا سيما من مناطق الشمال، وبأضرار جسيمة في القطاع الصحي.
وكانت غزّة تعاني من وضع اقتصادي صعب ونسبة بطالة عالية نتيجة الحصار المفروض على القطاع منذ 2007.
ومع استمرار الحرب والغارات الجوية والقصف، لم تصدر بعد معلومات كافية حول حجم الأضرار الكامل في غزّة حتى الآن.
وحذّر تقرير للأمم المتحدة من الآثار المحتملة طويلة المدى للصراع على كل من غزة والضفة الغربية المحتلة، ومن أن “الصدمة” الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الحرب، ستدفع مئات الآلاف من الفلسطينيين نحو حالة الفقر.
وأصدرت منظمة الإسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً عن التداعيات الاقتصادية المتوقعة للحرب على الأراضي الفلسطينية حتى تاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وأشار التقرير إلى أنّ الأحوال المعيشية في غزة عشيّة الحرب “كانت محفوفةً بالمخاطر نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2007، والذي اقترن بعمليات تصعيد عسكري متكررة، ممّا أدّى إلى استفحال الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي”.
ولفت التقرير إلى أنّه على الرغم من أن بعض الآثار الشاملة للحرب الحالية قد لا تُلاحَظ لأنها قائمة منذ زمن في غزّة مثل قلّة حركة رأس المال، والقيود المفروضة على التجارة، ومحدودية حركة اليد العاملة، “فإنّ هذه الحرب سوف تفاقم تلك التحديات لا محالة”.
وذكر أنّ التعافي الاقتصادي لن يتحقّق في غزة فوراً بعد تنفيذ وقف إطلاق النار، نظراً إلى حجم الدمار، وضعف القدرة على الوصول إلى الموارد، بما في ذلك المواد والمعدّات، بفعل الحصار على غزة.
وأشار إلى أنّ هذا الدمار الهائل “سيرجع بغزة سنين إلى الوراء. فآثاره لن تقتصر على خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأجل القصير، بل ستمتد إلى الأجل الطويل”.