أخبار العالم

سيناريوهات التصعيد العسكري في البحر الأحمر تتربص بأسواق الطاقة



بأكثر من 2 في المائة وتأثير آني مباشر لم تخطئه أعين المهتمين في تداولات أمس الجمعة، ارتفعت أسعار النفط في أعقاب اشتداد “حبل التوتر” وتصاعد حدة الأوضاع السائدة في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة بسبب حرب غزة، غداةَ إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا توجيه ضربات عسكرية من الجو والبحر إلى مواقع تابعة لجماعة الحوثيين في اليمن.

وبينما زادت العقود الآجلة لخام “برنت” بـ 1,81 دولارا، أي بنسبة 2,3 بالمائة، لتُلامس نطاق الـ80 دولارا أمريكيا للبرميل، لم يشذ “خام غرب تكساس الوسيط” الأمريكي عن “قاعدة” الارتفاع، ليزداد ثمنه هو الآخر بنحو دولاريْن (+ 2,5 بالمائة)، بالغاً ما يناهز 74 دولارا للبرميل.

يأتي هذا في سياق جيو-سياسي مشحون منذ ما يربو عن شهر تشهده الملاحة بالبحر الأحمر، لا سيما مضيق “باب المندب”، إذ بعد تواتر حوادث اعتراض سفن الشحن البحري وناقلات النفط من قبل الحوثيين، سارعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى ترجيح خيار التصعيد العسكري والرد عبر “ضربات ضد أهداف جماعة الحوثي في اليمن بهدف تهدئة التوترات واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر”.

في بيان مشترك، كان تحالف يضم 12 دولة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، قد حث المتمردين الحوثيين على وقف هجماتهم “غير القانونية وغير المقبولة، ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار” في منطقة البحر الأحمر.

الأهمية الاستراتيجية ومحورية الموضوع تزداد بمجرد العلم بأن حوالي 15% من التجارة البحرية العالمية تمر عبر البحر الأحمر، منها أساسا 12% من تجارة النفط البحري، و8% من تجارة الغاز الطبيعي المسال، مع النسبة نفسها بالنسبة لتجارة الحبوب.

تأثير “محدود”

قال عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي مختص في علوم الطاقة وتكنولوجياتها الدقيقة، إن هذه الضربات المنفذة ليلة الخميس-الجمعة، هي “نتاج توترات سائدة نتيجة للأحداث التي تعرفها الأراضي الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر الماضي”، واصفا إياها بـ”ضربات سياسية ذات أهداف جيو-استراتيجية لمحاولة إيجاد حل للأزمة المتعلقة بحرب غزة”. وتابع معلقاً بأنها “لن تمتد إلى أسعار النفط العالمية التي يستوردها المغرب”.

وأضاف الخبير الطاقي الدولي ذاته، في إفادات تحليلية لهسبريس، أنه لا يتوقع أن تتأثر السوق الدولية للمحروقات بشكل كبير رغم ملاحظة الجميع ارتفاعا طفيفا في أثمنة هذه المواد الطاقية بحوالي 2 في المائة في اليوم الموالي كأثر فوري.

“سيظل هذا التأثير بسيطاً”، يوضح الأستاذ المختص، مفسرا بأن “جميع الدول المعنية بهذه الضربات، سواء كانت من جانب أمريكا وحلفائها أو الحوثيين وداعميهم من إيران وتيارها، ليس في مصلحتها أن تتأثر السوق الدولية للإيرادات النفطية العالمية”.

من جهة أخرى، رجح ملاوي أن يظل المغرب بمنأى عن تأثير محتمل قوي لهذه التداعيات التي تعتمل ضمن تقلبات سوق النفط العالمية. وقال: “كما هو معلوم، المغرب بلد مستورد لجُلّ حاجياته من الطاقية، بما يفوق 80 في المائة، بما في ذلك أساساً النفط والغاز ومشتقاتهما، وجزء كبير يأتي عن طريق دول الخليج المعنية بتصاعد واتساع رقعة هذه الأزمة، إلا أنه ينتهج منذ سنوات سياسة تنويع مصادر الاستيراد، إذ يستورد النفط من الولايات المتحدة الأمريكية وكذا من روسيا وبعض الدول الإفريقية المنتجة مثل نيجيريا وغيرها”.

وختم الخبير الطاقي الدولي بأنه يستبعد تأثر أثمنة مصادر الطاقة الأحفورية بشكل كبير نتيجة هذه الأزمة وتداعياتها.

عودة التضخم

رشيد الساري، محلل اقتصادي، قال إن ما يحدث كان جزءا من “توقعات سابقة”، مفيداً بأنه “من بين أبرز أضرار وتبعات مشكل الملاحة البحرية المستمر في منطقة باب المندب خصوصا، والبحر الأحمر والخليج العربي عموماً، أن ترتفع أسعار وكلفة نقل المواد الطاقية بشكل كبير جدا”.

وعكس تفاؤل الخبير الطاقي ملاوي، تحدث الساري، في تحليله لهسبريس، عن “توقعات تُقدِّر حجم تأثر ملاحة النفط العالمية بتغيير مسار مجموعة من السفن وارتفاع تكاليف التأمين البحري بـ 2 بالمائة في الوقت الراهن. وإذا ما ظلت الأمور على ما هي عليه حتى شهر فبراير 2024، يُرجح أن تصل الأسعار إلى عتبة 150 دولارا للبرميل على الأقل”.

وزاد الخبير الاقتصادي المتابع لديناميات الأسواق العالمية أن “دراسات قبلية استباقية وضعت (مع بداية التوتر الحوثي مع دول الغرب) مجموعة من السيناريوهات، أبرزها وصول تبعات المطبّات الجيو-سياسية وتحولها إلى مشاكل حقيقية وتصاعد أزمة باب المندب في أفق شهر فبراير لترتفع معها حتى نسب التضخم العالمي أو في بلدان بعينها تعتمد على الاستيراد بقوة في مبادلاتها التجارية الخارجية”.

وذكر أنه “بالنسبة للولايات المتحدة، فإن النفط العربي يشكل 25 في المائة من مجموع تعاملاتها، كما أن مبادلات تجارية أوروبية يشكل فيها النفط الوارد من هذه المنطقة 65 في المائة”.

وأجمل الساري بأن “ارتفاع أسعار المواد الطاقية سيناريو قاس جدا وقاتم على العالم أجمع؛ لأنه يعني مباشرة العودة إلى دوامة التضخم ومضاعفاته المدمرة على التوازنات الاقتصادية، مثل ما شهدنا بعد اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى