الاعتراف بمغربية الصحراء يفيد باريس .. والتعاون قائم مع الرباط
قال برونو كليمنت بوليه، جنرال بالقسم الثاني (S2) في الجيش الفرنسي، إن “باريس تحتاج إلى الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء من أجل استعادة العلاقات التاريخية مع الرباط”.
وأضاف بوليه، ضمن حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التعاون العسكري بين المغرب وفرنسا مستمر رغم الأزمة الديبلوماسية الحالية والمؤقتة”.
وبين الجنرال الفرنسي أن “فرنسا من مصلحتها أن تستثمر في ورش الصناعة الدفاعية الذي أعلن عنه المغرب في السنوات الأخيرة”.
وأشار إلى أن “تصعيد جبهة البوليساريو في منطقة الصحراء المغربية ينذر بحرب إقليمية، وهو أمر جد مقلق ولن يكون في مصلحة أحد”.
وأقر العسكري الفرنسي بأن “القوات المسلحة الملكية قامت بتطوير قدراتها بشكل كبير، وهو أمر يتناسب مع ديبلوماسية الرباط الرامية إلى تنمية القارة، الذي ظهر جليا في مبادرة الأطلسي”.
نص الحوار:
بالنظر إلى البرود الدبلوماسي بين الرباط وباريس، هل تعتقد أن هذا الأمر أثر على التعاون العسكري؟
بداية، أود أن أشير إلى أن ملاحظاتي تقدم بصفتي الشخصية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلزم سلطات بلدي.
للإجابة على سؤالك، فإن بلدينا ملزمان باتفاقية تعاون دفاعي موقعة من كلا الجانبين، تلزمهما بإجراءات محددة في هذا المجال، إلى أن يتم التنديد بالاتفاق رسميا. لا، أؤكد، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذا التعاون لن يستمر. ولذلك ينبغي أن يستمر في الإطار الذي تم تحديده وترتيبه.
بيد أنه من نافلة القول إن المناخ الحالي للعلاقة بين المغرب وفرنسا غير مشجع من حيث تطوير أنشطة التعاون، وأكبر رغبة لدى الجهات الفاعلة في هذا التعاون، على الأقل من الجانب الفرنسي، هي بلا شك أن علاقتنا تزداد دفئًا بسرعة لتصبح مرة أخرى تلك التي وحدت دائما بين البلدين الشقيقين، ففرنسا بحاجة إلى المغرب لأن المغرب بحاجة إلى فرنسا، وبعيدا عن الاهتمام المفهوم جيدا من كلا الجانبين، كانت هناك دائمًا علاقة خاصة جدا بين بلدينا لا يمكن محوها من خلال سوء الفهم المؤقت.
هل تعتقد أن تعزيز هذا التعاون يتطلب من باريس تبني الاعتراف بالصحراء المغربية؟
هنا مرة أخرى، وبصورة شخصية جدا، أعتقد أنه سيكون من مصلحة باريس أن تعترف بوضوح وبشكل لا لبس فيه بمغربية الصحراء. أولاً، لأنه سيكون عادلاً.
للتاريخ فقط؛ كانت هذه المنطقة في الماضي دائمًا تحت سيطرة المملكة، وخطوة الاعتراف ستكون إشارة قوية جدا من فرنسا إلى رغبتها في استعادة علاقتنا الفرنسية المغربية التاريخية الممتازة.
كيف ترى تصعيد منطقة الصحراء من خلال هجمات البوليساريو الإرهابية على مدن مغربية مثل سمارة؟
أرى هذا التصعيد بأسف وقلق. نتأسف أولا لأنه ليس في مصلحة أحد، وبالتأكيد ليس في مصلحة سكان المنطقة المعنية الذين لديهم كل ما يخسرونه بينما هم لا يسألون سوى عن السلام والتنمية والهدوء. القلق متنام لأن مخاطر التروس حقيقية، خاصة إذا كان مرتكبو هذه الأعمال مدعومين من الخارج. مرة أخرى، لن يستفيد أحد من التصعيد الإقليمي، كما أرى جهود المغرب لتطوير هذه المنطقة، وبصراحة لا يمكننا أن نلومه على وجود صعوبات أمامه في توفير الرفاهية الكاملة للأشخاص المعنيين. ويمكن أن تتأثر هذه السياسة الإنمائية المغربية برمتها بفعل هذا التصعيد.
هل تعتقد أن هذا التصعيد يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية؟
نعم، بوضوح شديد، وقد عبرت عن ذلك من خلال القلق الذي أثرته في إجابتي على السؤال السابق. مرة أخرى، لن يكسب أحد، وسيخسر كثيرون، بدءا من السلام والأمن والتقدم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. أريد أن أؤمن فقط حاليا بحكمة جميع القادة المعنيين لتجنب ذلك.
في هذا الصدد، هل باريس ملزمة بإعادة تقييم تعاونها العسكري مع الجزائر التي تدعم البوليساريو؟
واجبي الاحتياطي، كجنرال فرنسي في القسم الثاني لا يسمح لي بالإجابة على هذا السؤال كما هو مطروح. من ناحية أخرى، يمكنني أن أقول لكم إن باريس يجب ألا ترغب بالتأكيد في التدخل في الحوار الجزائري المغربي الذي يتعلق بالبلدين المعنيين فقط، إن إعطاء علامات ملموسة على اتخاذ موقف كما هو مبين في السؤال، سيكون في تعارض تام، من وجهة نظري الشخصية، مع سياسة الحياد التي ترغب باريس في احترامها.
هل ترى، على مستوى آخر، أن الجيش المغربي طور قدراته في السنوات الأخيرة؟
لقد تبادلت العديد من الآراء، في الماضي القريب، مع قادة الجيش الملكي المغربي، بينما كنت مديرا للتعاون الأمني والدفاعي في وزارة خارجية بلدي، ويمكنني أن أقول لكم إنني لطالما كان لدي إعجاب كبير بهذا الجيش، لقد تعززت قدراته في جميع المجالات لسنوات عديدة، حيث إن جميع القطاعات معنية بالموارد البشرية والتدريب على جميع المستويات والمعدات الثقيلة والخفيفة على حد سواء، وإدارة اللوجستيات تطورت؛ فالقوات المسلحة الملكية هي واحدة من أفضل الجيوش في إفريقيا.
وإجمالا، فإن السياسة التي اعتمدتها السلطات المسؤولة عن هذه الأداة الدفاعية تعزز بقوة جميع قدراتها. لذا أعتقد أن هذا يسير جنبا إلى جنب مع جهود التوعية المغربية في جميع أنحاء القارة، إذ هي بلد يصدر بالفعل خبرته إلى بلدان أخرى، كما تمكنت من رؤية ذلك بشكل ملموس، على سبيل المثال، في جيبوتي، في مدرسة تدريب الضباط، حيث يعمل المدربون المغاربة والفرنسيون جنبا إلى جنب ويدا بيد لمساعدة هذا البلد.
كيف ينظر الفرنسيون إلى صعود المغرب العسكري؟
ليس لدي إجابة محددة على هذا السؤال. أفترض أن الفرنسيين، مثلي، لا يسعهم إلا أن يفرحوا برؤية دولة شقيقة تطور قدراتها.
في سياق مسألة الساحل، هل انتهى الوجود العسكري الفرنسي هناك؟ وفي رأيك، كيف ستتأثر فرنسا بغيابها العسكري هناك؟
مرة أخرى، سيكون واجبي الاحتياط في الإجابة على هذين السؤالين. ما يمكنني قوله هو أن فرنسا تفكر حاليا في علاقتها بالقارة الإفريقية، وبالتالي موقعها. أنا واحد من أولئك الذين يعتقدون أن العالم يتغير بشكل كبير، وأن التوازنات القديمة تواجه تحديات كاملة وتهتز بشدة. أعتقد أيضا أن هذه الاضطرابات لا رجعة فيها. في هذا السياق المذهل، لن يحدث هذا بدون اضطراب النظام القديم الذي يحاول الحفاظ على مصالحه. ماذا عن كل هذا في القارة الأفريقية؟ في رأيي، أعتبر أن هيمنة الغرب استمرت لفترة طويلة ولم تعد تنوي أن تفلت منه إدارته.
إفريقيا للأفارقة هي الرسالة التي انتقلت إلى الغرب. لا يتعين على أحد أن يحكم على هذا التغيير الهائل الذي يفوقنا جميعا، لكنني شخصياً مسرور، حيث اعتبرت دائما أن إفريقيا وحدها هي التي ستنقذ إفريقيا (إذا اعتبرنا أنه يجب إنقاذها). تريد البلدان الإفريقية اختيار أسلوب حكمها، ونظمها النقدية، ونوع تنميتها، وقضاياها المجتمعية… هذه مجرد مسألة عدالة. أعتقد أيضًا أن هناك شيئًا غير معلن في هذه الرسالة العظيمة من إفريقيا والأفارقة الموجهة إلى الشركاء المحتملين؛ إنهم ليسوا مرفوضين، حتى إنني سأقول إنهم مرحب بهم كثيرًا، ولكن فقط بشرط أن يتناسبوا مع النموذج الجديد: الحلول الإفريقية للظروف الإفريقية لحل القضايا الإفريقية، إن عدم إدراج التعاون بهذه الروح سيؤدي إلى رفض القارة. هذه هي الطريقة التي تعتزم بها إفريقيا اختيار شركائها في نظام أصبح تنافسيًا للغاية.
في الختام، هل تعتقد أن فرنسا يمكن أن تستثمر في صناعة الدفاع؟ وما الذي يطمح إليه المغرب؟
نعم، أعتقد أنه سيكون من مصلحة فرنسا أن تستثمر في جهود المغرب في المجال الذي تثيرونه، لكنني أود، في الختام، وشخصيا، أكرر، أن أذهب إلى أبعد من ذلك بكثير في هذا التفكير، وأن أمدده ليشمل العلاقة بين المغرب وفرنسا، وبالتالي أربط كل هذا بالمسألتين الأولين، واسمحوا لي هنا أن أشير إلى إجراء دبلوماسي قام به المغرب. فقد لاحظت أنه في منطقة الساحل، وفي الحالة المروعة التي نعرفها، اقترحت المملكة مؤخرا على بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهي بلدان غير ساحلية معزولة بفرض جزاءات شديدة عليها، أن تفتح أبوابها على المحيط الأطلسي لتستفيد هذه البلدان من مرافق الطرق والموانئ التي أتاحتها لها المملكة. وهذا يتناسب تمامًا مع الرؤية الاستراتيجية المغربية للتوعية في القارة.
وعلى النطاق الإقليمي، فإن المبادرة، التي قبلها بالفعل المستفيدون في المستقبل، لا يمكن أن تسهم إلا في التهدئة العامة لمنطقة الساحل التي اختبرت بشدة بسبب عدم الاستقرار السياسي والإرهاب الديني وأضرار الاتجار غير المشروع بجميع أنواعه. في هذا السياق المروع، يبدو لي أن الاقتراح المغربي مرحب به؛ لأنه يشكل لمسة التفاؤل الوحيدة في إدارة الملف الساحلي الثقيل.
إن اقتراح إعادة بناء علاقة تقوم بطريقة ملموسة وواقعية على تيسير التجارة الاقتصادية، دون التقليل من شأن الصعوبات، لا ينقصه الجرأة والأصالة. إن سكان الساحل المعنيين، وهم أول ضحايا الجزاءات، سيقدرون ذلك. ودون التنبؤ بنتائج هذه المبادرة، فإنها تتيح مع ذلك للجهات الفاعلة المعنية مجالا للحوار يفضي إلى التهدئة. وبالتالي، يظهر المغرب، مرة أخرى، الأداء الرفيع لدبلوماسيته في خدمة استراتيجية توعية طموحة ومدروسة جيدا في إطار التعاون النشط فيما بين بلدان الجنوب.
وعلى أساس هذه المبادرة، التي تظهر بوضوح الإرادة المغربية للعمل من أجل السلام والاستقرار، ألا يمكن لفرنسا أن تقترح على المغرب شكلا من أشكال التعاون يمكن أن يساعده على مضاعفة استراتيجيته للتوعية في منطقة الساحل وفي أماكن أخرى من أفريقيا؟ أليس من المناسب اقتراح إتاحة الموارد الفنية والمالية للمملكة؟ إن العمل معا، ومن أجل فرنسا في الستار الثاني، بطريقة مفيدة وملموسة وفعالة، دون فرض نفسها، ألن يكون علامة ملموسة على استعادة العلاقات المغربية الفرنسية التي تعتبر باريس في أمس الحاجة إليها؟ وبطبيعة الحال، سيتطلب الأمر بادرة قوية من جانب فرنسا لإظهار حسن نيتها واستعادة ثقة المغرب. ربما يكون الموقف الواضح لصالحها بشأن الصحراء هو الجواب، وهذا ما أعتقد به شخصيا. فرنسا بحاجة إلى المغرب لأن المغرب بحاجة إلى فرنسا.