محكمة العدل الدولية: “شبح العزلة الذي طالما تخوّف منه قادة إسرائيل يظهر أخيرا في لاهاي”
تابعت الصحف العالمية انطلاق جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي للنظر في دعوى تقدمت بها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، تتهمها فيه بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
ورجّحت مجلة الإيكونوميست البريطانية أن تدافع إسرائيل عن نفسها أمام المحكمة بأنها إنما تشن حربا في غزة للدفاع عن نفسها ضد جماعة حماس “الإرهابية” وليس “لتدمير” الشعب الذي يعيش في القطاع.
ونقلت الإيكونوميست عن مدير مؤسسة “سيغنال ريسك” لتحليل المخاطر، روناك غوبالداس، القول إن “جنوب أفريقيا تحاول استعادة شيء من مكانتها المعنوية كصوت للعالم الجنوبي، والتي أضاعتها بالموقف الذي اتخذته حيال الأزمة الروسية-الأوكرانية” بعدم إدانتها الاجتياح الروسي.
ورأت الإيكونوميست أن “الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل قد أزعجت حلفاء الأخيرة الغربيين، لكنها لاقت في المقابل استحسان قوى ‘متوسطة’ ناشئة مثل إندونيسيا وماليزيا وتركيا ومنظمة التعاون الإسلامي، وآخرين”.
وجاء في بيان للخارجية الإسرائيلية أن “إسرائيل أوضحت أن سكان قطاع غزة ليسوا هم العدو، وأنها تبذل كل جهد للحد من الإضرار بغير المتورطين وللسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة”.
ويرى مراقبون أن أيّ حُكم قد تُصدره المحكمة الدولية -حتى ولو لم ينفّذ- ضد إسرائيل سيمثل “ضربة لموقف الأخيرة كما سيغيّر من الطريقة التي تتعامل بها دول أخرى مع إسرائيل – كأنْ تصبح هذه الدول أقلّ استعدادا لبيعها أسلحة”، بحسب صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية.
“شبح العزلة الدولية”
وفي الغارديان، كتب الصحفي الجنوب أفريقي، توني كارون، يقول إن “شبح العزلة الدولية الذي طالما تخوّف منه قادة إسرائيل” ظهر أخيرا في محكمة العدل الدولية.
ورأى كارون أن معظم هؤلاء القادة الإسرائيليين لم يكونوا يتوقعون أن يأتي ظهور هذا الشبح بموجب دعوى قضائية ترفعها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.
ولفت الكاتب إلى ما أظهرته تصويتات جرت مؤخرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة من “صدمة المجتمع الدولي من وحشية إسرائيل في غزة، ورغم تلك الصدمة لا يزال هذا المجتمع غير قادر على اتخاذ أي خطوة”.
ورأى كارون أن ما يجعل خطوة جنوب أفريقيا “استثنائية” هو حقيقة أن “اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية يعني بالتبعية اتهام مَن يقدّم لها الحماية والتمكين الدبلوماسي -الولايات المتحدة- بالتواطؤ في جريمة هي الأسوأ بين الجرائم”.
وقال الكاتب إن “إسرائيل يمكن أن تعوّل على الدعم الأمريكي اللامحدود في هذا ‘الإجرام الممنهج’. وإنها تشعر بارتياح إذْ تحذو حذو الولايات المتحدة في تحدّيها الصارخ للقانون الدولي كما تجلى في ‘حرب الأخيرة على الإرهاب’ وفي اجتياح العراق”.
واختتم كارون بالقول إن “دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية هي في ضوء ما تقدم صوت صارخ لبقية أمم العالم بأن التضامن القائم على أساس من القيَم قد عاد مرة أخرى خياراً ممكنا وأن نظاما عالميا مختلفا هو كذلك أمر ممكن”.
“إحراج دولي لإسرائيل”
وننتقل إلى الصحافة الأمريكية لنطالع في مجلة “تايم” مقالا للكاتبة سول بورغا، رأت فيه أن ذهاب جنوب أفريقيا بهذه الدعوى إلى محكمة العدل الدولية قد “يغير مسار الحرب المشتعلة بين إسرائيل وحماس”.
ونقلت الكاتبة عن ألكساندر هينتون، أستاذ القانون بجامعة روتجرز الأمريكية، القول إن هذه الدعوى يمكن أن تشكّل دليلا على توجّه صوب اهتمام عالمي أكبر؛ لا سيما وأن الدولة المدّعية (التي رفعت الدعوى للمحكمة) لا تشترك في حدود مع الدولة المدّعى عليها.
وفي الموقع الالكتروني لراديو صوت أمريكا، نطالع تقريرا للكاتبة كيت بارتليت، أشارت فيه إلى أن “انتصار جنوب أفريقيا في هذه المعركة القضائية سيُعدّ بمثابة إحراج دولي لإسرائيل”، كما أكد حقوقيون.
لكن الكاتبة استدركت بالقول إن قرارات محكمة العدل الدولية -وإن كانت ملزمة قضائيا، إلا أنها عادة لا تنفّذ على أرض الواقع، مشيرة إلى عدم امتثال روسيا لحُكم أصدرته المحكمة ذاتها في عام 2022 يقضي بوقف اجتياح أوكرانيا.
ونقلت الكاتبة عن أستاذة القانون الدولي بجامعة جنوب أفريقيا، مايا سوورت، القول إن “تنفيذ الأحكام هو ‘كعب أخيل’ محكمة العدل الدولية. ومن غير المرجّح أن تمتثل إسرائيل لقرارات المحكمة”.
“قلب للقانون وللواقع وللتاريخ رأساً على عقب”
ومن الصحف الإسرائيلية نطالع مقالا في جيروزاليم بوست لأستاذ القانون بجامعة مكغيل الكندية، إروين كوتلر، يتهم فيه جنوب أفريقيا بـ”تشويه إرثها في محاربة العنصرية”.
ورأى كوتلر أن جنوب أفريقيا الآن “تتخذ سلاحاً من اتفاقية الإبادة الجماعية وترفعه في وجه الدولة اليهودية التي تدافع عن نفسها ضد نظام حماس الإرهابي والإبادي والعنصري”، على حد تعبيره.
وأسسّ أستاذ القانون لدفاعه بالقول إن حركة حماس لم تبدأ هجومها “الإجرامي” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي عبر ما أقدمتْ عليه من أفعال في اليوم ذاته؛ وإنما بدأته قبل ذلك بنحو 35 عاما، عبر كلمات نصّت عليها الوثيقة التأسيسية للحركة، والتي “تحرّض فيها بشكل واضح على إبادة الإسرائيليين والشعب اليهودي”.
ورأى كوتلر أن أفعال حماس منذ بداية حرب غزة الأخيرة “تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل وجرائم إبادة جماعية”.
وقال كوتلر إن انعقاد محكمة العدل الدولية اليوم لا لشيء إلا لأنها ردّت على اجتياح قامت به حركة حماس ضدها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يُعدّ “قلباً للقانون وللواقع وللتاريخ رأساً على عقب” بوضْع إسرائيل في قفص الاتهام.
وتابع كوتلر بالقول إن “أفعال إسرائيل في غزة يستحيل أن تتوافق مع نية ارتكاب إبادة جماعية – وهي عنصر ضروري للجريمة. إنما تحرص إسرائيل على الحدّ من الإضرار بالمدنيين -مستخدمة في ذلك تدابير منها إسقاط منشورات ورسائل ومكالمات هاتفية لحثّ المدنيين على مغادرة المناطق المستهدفة قبل قصفها”.
ومضى كوتلر قائلا: “على الجانب الآخر، تُقحم حركة حماس نفسها بين صفوف المدنيين، وتجعل مراكز قيادتها وتحكُّمها تحت المستشفيات، وتطلق صواريخ من المدارس والمساجد. ويلبس مقاتلوها ملابس مدنية من قبيل الإمعان في التمويه والتخفي بين المدنيين”.
وأضاف كوتلر: “باختصار، حماس تستخدم شعبها كدروع بشرية – أكثر مما شهد أي صراع في تاريخ البشرية”.
وقال الكاتب: “ومما يثير الدهشة مع ذلك أن الدعوى الطويلة التي رفعتها جنوب أفريقيا للمحكمة لم ترِد بها أي إشارة لتلك السياسة التي تنتهجها حماس والتي نتج عنها -بمعزل عن النية التي وراءها- ارتفاع أعداد القتلى الفلسطينيين فضلا عن زيادة حجم الدمار”.
ورأى كوتلر أن جنوب أفريقيا بهذه الخطوة “تقدّم غطاء حماية لحماس” وغيرها من أذرع إيران في المنطقة.